Monday 05/12/2011/2011 Issue 14312

 14312 الأثنين 10 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

* الإدارة وما أدراكم ما الإدارة شـغلٌ شــــاغلٌ للمشغول بها ومن لا شغل له سواها، وهي همُّ سرمدي لكثير من الأمم في جلّ أرجاء الأرض، الغني منها والفقير، والنامي منها و(الزاحف) في نمّوه زحفَ السلحفاء!

* إذاً، الكل في همّ الإدارة وغمها وسرائها وضرائها سواء، لأنّها السبيل إلى صلاح الأمور أو طلاحها، ولأنها الوسيلةُ التي تُدرك بها غايات النمو أو تتعثّر أو تموت بسببها موتاً! وهي باختصار مريع من أخطر الوسائل التي تقوم بها المجتمعات الإنسانية أولا تقوم، وتكون بها أو لا تكون!

* ولذلك.. تعمر المكتبات بكل اللغات بأدبيات (الإدارة) بطوبائياتها و(وصفاتها) ومثالياتها بحثاً عن (معادلات) للتنمية من خلالها، في كل فج وفن. اليوم تعج المصنفات الأكاديمية مقروءة ومسموعة بالعديد من (الوصفات)، الجاهز منها والمرتجل والمعقّد، تنشد كلها تطوير الإدارة وتحسين أدائِها، مدخلاتٍ ومخرجات، والرقيّ بمستوى العاملين بها، تحفيزاً وتشجيعاً وعقاباً وثواباً، وصولاً إلى معدل منشود من التنمية !

* وقد قيل يوماً ويقال الآن إنه لا تنمية حقيقية بدون إدارة حكيمة سالمة من العيوب (والمعاصي) والآفات، التي إن حسُن أداؤُها حسُن كل شيء، وإن ساءت ساء! ومن ثم، الإدارة هي (مبتدأ) التنمية و(خبرها) وصراطها وعنوانها، وبدونها تتحول التنمية إلى سراب لا يُشبع من جوع ولا يُروي من عطش!

* وأتذكر - وما أجمل الذكرى حين تقترن بالعبرة والاعتبار- أتذكر أنني عندما عدت من أمريكا خريجاً جامعياً في بداية السبعينات الميلادية، كنت أتطلع إلى التعرف على مسار التنمية في بلادي الغالية، وهالني بقدر ما أسعدني وقتئذٍ أن الكثير من الإدارات الحكومية كانت تشهد ما يشبه (الانتفاضة) الإدارية في أكثر من قطاع، وكانت الإدارة المركزية للتنظيم والإدارة في وزارة المالية (والاقتصاد الوطني) آنئذٍ (ورشة عمل) متكاملة تعج بالخبراء في مختلف تخصصات الإدارة وتطبيقاتها، بعضهم سعوديون، وأكثرُهم عربٌ وعجم، وألفيتُ نفسي بعد حين من التحاقي بمعهد الإدارة العامة، مدرساً «وخبيراً» ، أعايشُ عن كثبٍ بعضاً من أطياف تلك الانتفاضة الإدارية، بنسقٍ يومي تقريباً، سواءً عبْر قاعة الفصل التدريبي أو اللقاءات الجماعية والثنائية مع (فلاسفة) التنمية وخبرائها.

* وقد زادني التشرّفُ تكليفاً بأمانة اللجنة العليا للإصلاح الإداري إلى جانب عملي في المعهد - زادني التصاقاً ببعض مخرجات تلك الانتفاضة، عبر القضايا التي تحال إلى تلك اللجنة، وهي في الغالب مسائل تنظيم لأجهزة جديدة أو إعادة تنظيم لأجهزة قائمة، واحسب أن ذلك المخاض الإداري المتعدّد الاتجاهات والتوجّهات كان بمثابة (العصر الذهبي) للإصلاح الإداري، وساعد على ذلك أن الإدارة الحكومية لم تكن في ذلك الوقت معقدة إلى حد الترهل بشرياً وإجرائياً ومهمات، كما هو الحال اليوم.

* وفي ذات السياق، أعتقد أننا الآن في حاجة إلى انتفاضة إدارية جديدة تعيد للجهاز الحكومي توازنه وهيبته وقدرته على الأداء، وتخلصه من (سعرات) الترهل في حجمه والتعقيد في إجراءاته، عبر عدة مسارات من بينها محاولة تقليص (الازدواجية) في الأداء حيثما وجدت بين أكثر من جهاز، وتنشيط اللاّمركزية في بعض الأنشطة بتفويض الصلاحيات لفروع الأجهزة المركزية في المناطق القريبة والبعيدة، مع الاهتمام بتطوير الطاقات البشرية المعنية في تلك الفروع، وتكثيف متابعة أدائها.

وبعد..

* فإن الهدف مما سبق من حديث هو التمهيد لطرح أكثر تفصيلاً وتأصيلاً وتحليلاً لبعض ملامح التنمية الإدارية في بلادنا الغالية من منظور شخصي شكلته التجربة المباشرة مع حراك التطوير الإداري في مطلع السبعينات الميلادية، وهي فترة (ربيع العمر) الإداري لكاتب هذه السطور يفخر بها كل الفخر، ويختزن ذهنه ذكرها وذكراها عبر السنين بقدر من الزهو وكثير من الحنين، وأفكر جاداً في تدوين هذه التجربة أو بعض من ملامحها في أكثر من فصل بين دفتّي كتاب، لقناعتي بأن حراك التطوير الإداري خلال الفترة التي أشرت إليها آنفاً تستحق التدوين لأن الإدارة السعودية في هذا القرن الجديد باتت أشد ما تكون حاجة إلى تطوير أدائها، مستلهمة تجارب ماضيها، وأرجو الله أن يعينني على تحقيق هذا المراد الخاص في وقت لاحق بإذن الله.

 

الرئة الثالثة
بعض من ذكريات (ربيع عمري) الإداري!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة