Monday 05/12/2011/2011 Issue 14312

 14312 الأثنين 10 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

صادف السبت الماضي 3 ديسمبر اليوم العالمي للمعاق، وعادة تلك المناسبات تعيد تذكيرنا بواجباتنا تجاه المجتمع، تعرينا وتضعنا وجها لوجه أمام أنفسنا.. فنتساءل ماذا قدمنا؟ وهل استطعنا كأفراد ومجتمع التعاطي بإيجابية ووعي معها؟ إن مشكلة المعاقين في بلادنا تعتبر من القضايا التي تورمت نقاشا ًوالتي وعلى الرغم من بساطة حلها إلا أنها تبدو لوهلة معقدة وبلا حل مثلها مثل الواسطة والبطالة وغيرها.

فعندما يحضّر القدر للإنسان موعدا لا ينتهي مع العجز الحركي نتيجة حادث مروري أو إصابة من أي نوع وتأخذ حياته منعطفا ً جديدا ً أكثر وعوره، فإن أكثر ما يحتاج إليه ليس تعاطف المجتمع مع إعاقته، بل استعداد المجتمع والبيئة لاحتضانه ومساعدته ليمارس حياته الطبيعية دون أن يتصادم مع إعاقته حين يجد أن المجتمع يرفضه والمرافق العامة ليست مجهزة لاستقباله.

بعيدا عن النقد العام.. في جعبتي حكاية من صلب الواقع المرير سمعتها شخصيا ً من بطلها.

«مهدي» كان أحد الشباب الجامعيين المتميزين يدرس في إحدى جامعات محافظات المملكة، قضى فيها عامين من حياته نسجهما بخيوط الجد والاجتهاد والإصرار وفي عقله وقبله حلم التخرج مع مرتبة الشرف ليشرف محافظته وأهله الطيبين، ولكن كان للقدر كلمة أخرى حيث أصيب بشلل رباعي جراء حادث مروري تعرض له، وحينما أفاق من الصدمة وبدأ يلمم شظايا جرحه، ليعجن نفسه من جديد، رجلا ً آخر بقلب أقوى وعقل أكثر حكمة، قرر أن يعود إلى الجامعة مسقط رأس أحلامه وأمنياته، وفعلا ً ذهب لمقابلة مدير الجامعة ليشرح له القدر المؤلم الذي ألم به وأجبره على التعرف على صديق جديد اسمه «الكرسي المتحرك»، ولكنه تفاجأ بمحاولة المدير ثنيه عن القرار وسحق كل ذرة أمل استيقظت في أعماقه لتدعوه للمشاركة في ماراثون الحياة مرة أخرى على الرغم من عدم وجود أي مبرر لذلك، ومع العلم أن مهدي أنهى كافة المواد العملية وبقيت له المواد النظرية فقط وحين فشل في غرس اليأس والقنوط في قلبه، أخبره أنه سيشكل «لجنة» لدراسة حالته وكلنا نعرف أن كلمة «لجنة» تعني التسويف بلا نهاية على الطريقة السعودية.

وبعد أن شُكلت اللجنة وبعد ملاحقته لها على مدى أشهر، طلبت منه اللجنة الحصول على استثناء من وزارة التعليم العالي وهي بلا شك محاولة أذكى «لتطفيشه».

الجدير بالذكر أنه بعد كل تلك الإهانات والمذلة التي تجرعها مهدي بمرارة قرر أن يقطع كل خيط وكل حلم ربطه بالجامعة إلى الأبد.

قصة مهدي ليست غريبة.. إنها فن (ثامن) تتقنه الجامعات والوزارات مع حديثي الإعاقة، في بلادنا يعيش ذوو الاحتياجات الخاصة عذابات فوق إعاقتهم، فهم يعاملون كأنهم مواطنو درجة عاشرة، وكأن الحياة من حولهم لا تسع تلك الاحتياجات البسيطة التي يطالبون بها، فإذا كنت مسئولاً ولا تعرف بعد ماذا تعني كلمة «معاق» وإذا عجزت عن الإحساس بشعور مدمر ينتابهم بأن الحياة تتآمر عليهم وغربتهم في أوطانهم، جرب أن تمتطي كرسيا متحركا ليوم واحد فقط وامضِ للجامعة والمراكز التجارية والحدائق ومراكز الترفيه..

جرب أن تدلف دورة مياه واحرص أن تستقل باصا أو سيارة أجرة، ابحث عن نادٍ رياضي أو أدبي يستقبلك ويناسب احتياجاتك، وبعد أن تخوض التجربة عد إلى منزلك واسأل نفسك هل أنصفنا المعاقين أم تمادينا في ظلمهم؟ هل غرتنا صحتنا وأنستنا قوة أبداننا ضعفهم وحرمانهم منها؟ نتشدق ليل نهار بأننا دولة لها خصوصية تطبق شرع الله في أرضها، تقتل القاتل وتقطع أيدي السارق ونحن نقتلهم كل يوم، نقطع أذرع كراماتهم كل دقيقة، حين نجبرهم على استجداء الآخرين لمساعدتهم لصعود الدرج وحملهم من كرسي إلى آخر، كم أحزنني «مهدي» حين قال: حينما حلقت إلى ألمانيا للعلاج نسيت أني على كرسي متحرك، بل وشعرت أني إنسان له كرامة واحترام، وها هي حال كل دول العالم الأول التي تحتضن المعاق لأنها تعلم أن الإعاقة في العقل والفكر والإرادة والطموح.

فهاهي تخصص لهم المنزلقات أمام كل باب، ومواقف سيارات في كل موقع، تحتضنهم بإنسانية وتقدير في الجامعات والمدارس والشركات بل وحتى في مواقع القيادة الأكثر حساسية، فروزفلت رئيس الولايات المتحدة كان يحكم أمريكا على كرسي متحرك، ووزير تعليم بريطانيا كفيف ونحن مازلنا نتعامل معهم بشفقة حيناً ودونية أحيانا ً أخرى فمتى يُسمع أنينهم الصامت..

متى تتحقق مطالبهم البسيطة سؤال طال انتظار إجابته كثيرا ً!

نبض الضمير:

(نسمع سقوط المطر ولا نسمع هبوط الثلج، نسمع عجيج الآلام الخفيفة ولا نسمع صوت الآلام العميقة).

Twitter:@lubnaalkhamis
 

ربيع الكلمة
بسبب إعاقتي خسرت كرامتي!
لبنى الخميس

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة