Monday 05/12/2011/2011 Issue 14312

 14312 الأثنين 10 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في نهاية الحلقة الأولى من هذه المقالة، يوم الاثنين الماضي، أشرت إلى تخلص الرئيس العراقي من هيمنة الشيوعيين في العراق على أموره العامة، وإلى انفتاحه إلى الغرب، كما أشرت إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب في بغداد عام 1962م، وأوردت أبياتاً من قصيدة كتبتها ذلك العام؛ معبراً عن نظرتي إلى تلك الأحداث وموقفي تجاهها.

ولم يمض عام واحد على كتابة تلك القصيدة حتى أطيح بنظام قاسم وقضي عليه شخصياً. ومع أن ذلك الحكم زال غير مأسوف عليه فإن البكاء البكاء لم يزل. ذلك أن تنفُّس أغلبية الشعب العراقي للصعداء سنوات قليلة سرعان ما كُتِم. فقد وصل إلى حكم العراق صدام حسين؛ غداراً بطاشا. واستبد؛ لاعباً بثروة البلاد ما شاء له اللعب، وناشراً للرعب ما شاء له نشره. ولم تقتصر تصرفاته الممقوتة على جر المصائب والكوارث لبلاد الرافدين العزيزة على العرب والمسلمين، بل تجاوزت إلى خارج تلك البلاد العزيزة. وكان من تلك التصرفات الرَّعناء ما مهد لأعداء أمتنا من المتصهينين في الغرب كي يجرُّوا بعض زعماء العرب إلى مؤتمر مدريد، الذي كان نقطة تحول في سياسة أولئك الزعماء، وكسباً معنوياً وسياسياً كبيراً للكيان الصهيوني، الذي ظل أكثر من أربعين عاماً قبل ذلك المؤتمر يتوق إلى مثله حيث يجلس الزعماء العرب معه علناً؛ ضاربين عرض الحائط بما سبق أن قرروه؛ بما في ذلك قرارات أسلافهم الكبار مكانة وقدراً في مؤتمر الخرطوم ولاءاته الثلاث المشهورة.

صحيح أن كثيراً من العراقيين قد عانوا الأمرَّين من جراء سياسة صدام الرعناء. غير أن ما نتج عن احتلال أعداء أمتنا، بقيادة زعماء أمريكا وبريطانيا المتصهينين، كارثة لا تضاهيها كارثة. ومن أبشع وجوه هذه الكارثة - إضافة إلى ما ارتكبه المحتلون من تقتيل وتعذيب وتشريد ونهب للتراث والثروة - ترسيخ الطائفية والعرقية، الذي أدى عملياً إلى تقسيم العراق بحيث أصبح قسم منه مشتمل على الأكراد في الشمال مستقلاً استقلالاً يكاد يكون تاماً بتنسيق ومعونة من الكيان الصهيوني، وقسم منه في بقية البلاد؛ وسطاً وجنوباً، مقسماً مُشتتاً تحت نفوذ إيراني متغلغل مبارك من قادة أمريكا، الذين لا يشك في عداوتهم لأمتنا إلا جاهل أو متجاهل لحقائق التاريخ والواقع. وكان مما صرح به بريمر، الرجل الذي تصرَّف في شؤون العراق المحتل كما شاء قوله للجعفري، الذي نُصِّب رئيساً للوزراء تحت راية الاحتلال: «يكفي من فضلنا عليكم - يعني الشيعة - أننا حققنا لكم أن تصبحوا حكاماً للعراق؛ وهو الأمر الذي رنوتم وحاولتم الوصول إليه أكثر من ألف عام».وكنت قد حاولت التعبير عن الكارثة التي حلَّت بالعراق وأهله؛ وهي الكارثة البشعة المتعددة الوجوه، بأبيات في ثلاث قصائد. أما القصيدة الأولى فكانت صدى لما سمعته عن غضب أحد المحسوبين على الثقافة في وطننا عليَّ لكتابتي المحاولة ولإيضاح عداوة قادة أمريكا المتصهينين لأمتنا؛ وعنوانها: «لا تلوموه إذا غضبا»، ومستهلُّها:

لا تلوموه إذا غضبا

مثلكم من يعرف السَّبَبا

حُبُّ أمريكا تَملَّكه

فغدت أمّا له وأبا

ومنها:

ما له إن كان فاتنه

يكره الإسلام والعَرَبا

أو يكن عَرَّاب صهينة

تبتني في قدسنا نُصُبا

أو يكن قد دكَّ جحفله

صلفاً بغداد واغتصبا

فتجلَّى فوق ساحتها

بطش هولاكو وما ارتكبا

أما القصيدة الثانية؛ وعنوانها: «نهر من العجب»، فمن أبياتها:

والذي قد مَسَّ مهجته

لوثة من فاتك الوَصبِ

لا ترى عيناه ما ارتكبت

من صنوف البطش والسلبِ

دولة ساداتها جعلوا

ذُلَّنا نوعاً عن الطَّربِ

وإذا لِمت على صَلفٍ

ثار بركاناً من الغَضبِ

كيف لا يبدو لناظره

ما بدا من جرم مغتصبِ!

سُلِّمت بغداد في طبق

-لعلوج الحقد - من ذهب

وتلظَّى في مرابعها

مستطير الرعب من لَهبِ

وجنت صهيون ما حلمت

فيه من مُستعذَب الأربِ

وأما القصيدة الرابعة؛ وعنوانها: «صدى العيد» فمن أبياتها المتناولة لكارثة العراق بالذات:

ما للمكفكف دمعاً؟ حُبُّ صارمه

براه فانداح من شكواه تمجيد

والمشفقون على دار السلام علت

وجوههم من مآسيها تجاعيد

جحافل الموت قد حلّت بساحتها

وضيم في لابتيها أهلها الصيد

وملتقى الرافدين المستطاب غدا

فيه لأقدام محتلِّيه توطيد

أين المفرّ؟ وهل في الأفق من أملٍ

يُرجَى؟ وهل يعقب التمزيق توحيد؟

مستقبل ليس يدري كنه فَطِنٌ

في رايه عند طرح الرأي تسديد

والعيد عاد ودامي الجرح يسأله

«عيد بأية حالٍ عدت يا عيد؟»

أجل:

لقد بكيت - كما بكى كثير من أبناء جيلي - من أيام كان سير الأحداث فيها بعيداً عن تحقيق أهداف أمتنا؛ لا سيما ما كان من صميم قضايا هذه الأمة الرئيسة العامة، ثم توالى سير الأحداث من سيء إلى أسوأ، وإن لاحت في الأفق بوادر أمل ما لبثت أن غابت سريعة. وبكينا على تلك الأيام، التي سبق أن بكينا منها؛ وبالذات تلك التي سبقت الإطاحة بالعهد الملكي في العراق. ولقد بكينا من أيام عاشها ذلك القطر العربي المسلم في ظل هيمنة الشيوعيين عليه. لكننا حتماً لم نبك على هذه الأيام، وإنما ظل البكاء مستمراً، بل أصبح نشيجاً في ظل عهد صدام حسين.

وازداد النشيج في ظل العهد، الذي سيَّره - وما زال يُسيِّره - الاحتلال الأمريكي العدواني المنسِّق والمتعاون بين هذين الجانبين الأجنبيين أن الاحتلال الأمريكي سمح للمليشيات المحسوبة على إيران - وساعدها - على أن تدخل إلى العراق، عام 2003م، بكامل أسلحتها.

الأمل في الله كبير أن يرى الجميع أياماً تحلَّ فيها السعادة والفرح بدلاً من الشقاوة والبكاء من الآلام.

 

يوم بكيت منه ثم بكيت عليه 2-2
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة