Thursday 15/12/2011/2011 Issue 14322

 14322 الخميس 20 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قال صلى الله عليه وسلم: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته) قالوا: يا رسول الله، وكيف يسرق من صلاته؟، قال: (لا يتم ركوعها ولا سجودها)..

ليس المال وحده هو من يقع عليه السطو، بل حتى العبادات التي هي صلة وعلاقة مباشرة بين العبد وربه قد يعتريها هذا السلوك المشين، ولذا يمكن القول بأن اللصوص في شارع الحياة الذي نمرّ به صباح مساء كثر، وكل منا يعرف جزماً العديد منهم، بل ربما أكون أنا وأنت أحدهم في يوم ما - لا سمح الله -، أشدهم حالاً كما هو نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يسرق دينه وعلى وجه الخصوص سُراق عمود الدين « الصلاة»، إذ إن من يوقع الخلل في هذه العبادة الروحانية الربانية الرائعة يفسد على نفسه أوثق حبال التواصل الدائمة والمتينة بينه وبين خالقه الرب الكريم الرحمن الرحيم، ومن يسرق صلاته غالباً ما يسرق غيرها مما هو أقل أهمية منها، وأسوء اللصوص حالاً في مجتمعنا المعاصر- وبرؤية وطنية صرفة- من يسرق أرضه ويخون وطنه ويدير ظهره لأهله وذوي رحمة وبني جلدته.. وسرقت الوطن قياساً على ما ورد أعلاه من تعريف رسول الله صلى الله عليه وسلم سرقت الصلاة - هي بإيجاز: إهدار الطاقات وتضييع الثروات والتلاعب بالمنجزات وخيانة الأمانات وعدم الاكتراث بالمسئوليات، وقد تأخذ سرقة الوطن صور عدة أهمها في نظري:

- سرقة عقول أبناء الوطن وتضليل أفكارهم، والإرهاب والتطرف الفكري أشد أنواع السرقات التي جنت على الثروة البشرية السعودية في وقتنا الراهن، مثلها في ذلك المخدرات والمسكرات،ومن هذا الباب نشر الأفكار المضللة للشباب، المفسدة عليهم عقائدهم، وتصوراتهم الذاتية للكون والإنسان والحياة.

- سرقة عواطف ومشاعر المواطنين، وعدم الاكتراث بها من قبل المسئول الذي هو مؤتمن من قبل ولي الأمر لتلبية احتياجاتهم الضرورية والوفاء بمتطلباتهم الأساسية أينما كانوا ومن أي منطقة أو قبلية هم، مع وجوب مراعاة أوضاعهم النفسية ومشاعرهم الذاتية.. ومتى لم يتحقق الوفاء بهذا المتطلب الهام فقد يُفسد هذا التقصير المخل حب المواطنين لأوطانهم ولمجتمعاتهم وذوي أرحامهم، حينها يصبح المخزون الإيجابي «الحب» مع مرور الأيام نقمة ووبالاً على الوطن وأهله وقاطنيه، فقهر الرجال داء تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشد أنواع الغربة - كما يقال- حين يصبح المرء غريباً في وطنه وبين أهله، وأشد الظلم في قاموسنا العربي ظلم ذوي القربى الذين تعيش معهم وتتوخى فيهم ومنهم صنائع المعروف.

- سرقة وقت الوطن، فالوقت ثروة، وإهدار ساعات الدوام الرسمية، وافتعال الأعذار للتهرب من المسئولية وعدم إنجاز العمل الموكل للواحد منا خاصة الحكومي منه هو في حقيقته سرقة لثروة وطنية غالية، والدراسات الميدانية المتخصصة تكشف لنا كم هي متدنية ساعات الإنجاز في قاموس الموظف السعودي وللأسف الشديد.

- سرقة أرواح المواطنين سواء أكان ذلك من قبل المسئولين والأطباء والمهندسين والموظفين و...إلخ في القطاع الصحي أو الطرق أو الأمانات والبلديات.

- سرقة جسد إنسان الوطن، سواء أكان ذلك من قبل التاجر الذي يستورد الأغذية الضارة أو المزارع الذي يجلب للسوق السموم العالقة بالخضار أو الفواكه والخيرات رغبة منه في الربح وقت الطلب ولو على حساب جسد المواطن وصحته، وأشد هؤلاء جميعاً من يفسد أجسادنا بتهريب أو ترويج المخدرات والمسكرات.

- سرقة مدخرات وثروات الوطن المادية ممثلة بممتلكات القطاع العام، سواء حين إبرام المناقصات أو وقت كتابة المواثيق والعقود أو غير ذلك،ويندرج في هذا عدم حماية المال العام وتضيعه والتلاعب به.. وحرمة المال العام لا تحتاج مني ولا حتى من غيري إلى بيان ودليل، ومع ذلك فهي وللأسف الشديد قضية ساخنة ومساحة واسعة للمراوحة والتلاعب في بلد هو عند الجميع عنوان الإسلام ورمز العقيدة السلفية الصافية الصحيحة، والأصل فيه خلوه تماماً من أي اختلاس أو تزوير.

- سرقة تراب الوطن حتى صار امتلاك الأرض أشد على الرجل من (حَبّ كوعه..) والمشكلة الأساس التي تقف أمام أي مشروع يراد له أن يرى النور «الأرض»، والكل منا يؤمن بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع شبراً من الأرض طوقه بسبه أراضين يوم القيامة»!!

- سرقة هوية الوطن!!

- سرقة صوت الوطن!!

- سرقة عين الوطن!!

أعتقد أن المواطنة الصالحة الصحيحة مطلب ملح، وتحقيق الوفاء بكل ما من شأنه حفظ الضروريات الخمس لإنسان الوطن (الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال) مسئولية مشتركة يجب علينا جميعاً بلا استثناء الوفاء بها وعدم التنصل منها مهما كانت الظروف وفي كل الأحوال.. حفظ الله بلادنا ووقانا شر من كان به شرا، ويسّر لولاة أمرنا وقادتنا، حفظهم الله ورعاهم كل سبل الخير وأبقاهم عنواناً صادقاً وبرهاناً ساطعاً للسلام والإسلام، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
سُراّق الوطن!
د.عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة