Friday 16/12/2011/2011 Issue 14323

 14323 الجمعة 21 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عذراً أبنائي الطلاب.. عذراً بناتي الطالبات.. كنا نبحث لكم عن تعليمٍ راق متميز مطور.. وضمن إطارٍ من المتعة والتشويق يواكب طفرة المعرفة التي يشهدها العالم.. كنا نبحث لكم عن مؤسساتٍ تربويةٍ آمنة رائدة في النوعية والكيفية لا تتهاون في تطبيق إجراءات ومتطلبات السلامة.. ضمن كوادر إداريةٍ وتعليمية.. تعلم جيداً أنكم أمانة في أعناقهم تسعى لإكسابكم القيم التعليمية.. وتنمية شخصياتكم.. وصقل مواهبكم.. لنرى فيكم الأبناء الذين سيحملون على عاتقهم مسؤولية المجتمع والوطن.

فاختلفت الأمور.. صرنا نفكر ونبحث لكم عن تعليمٍ في بيئةٍ لا تحرمكم حق التمتع باستنشاق هواء نقي وحرية مداعبة أشعة الشمس لوجوهكم البريئة المشرقة كإشراقات الصباح حرصاً على سلامتكم.. صرنا نبحث لكم عن تعليمٍ يرفض كل مظاهر العنف.. والضرب.. والاعتداء على أجسادكم الطرية، الذي أصبح سلوكاً منتمياً للتربية والتعليم وهي منه براء.. لكنه بات مظهراً يمارسه بعض المعلمين فأساؤوا بذلك لهذه المهنة الجليلة.

عذراً أبنائي وبناتي.. لقد بتنا نغفو على مأساة ونستفيق على مأساة والقاسم المشترك بين كل هذه المآسي هو تنافسٌ في سوء التدبير والتقاعس والإهمال والاتكالية.. وبحجم المآسي ينهال سيلٌ من التصريحات.. وتسارعٌ في تفنيد الأسباب.. وبكاءٌ على لبنٍ مسكوب.

حجمُ الفواجع أيقظ في نفوسنا مشاعرَ الحسرة.. وأذاقنا مرارة الألم.. وجرعنا كأس العجز..!! لأن من يهمهم الأمر غاب عنهم أن يقدموا لكم أبسطَ وأهمَ حقوقِكم.. الحماية والسلامة وردع الكف التي تعتدي عليكم بالضرب والإهانة..!! فهل نعاتب عتاباً جميلاً ونصفح ونسامح..؟ أم نلومُ لوماً محموماً ونغضب ونُدِين؟ أم نصبر صبراً جميلاً بلا شكوى فما تلك إلا حوادث عابرة على قارعة الحياة ستُدْفن في تجاويف الزمن!!!؟

لكن.. إلى متى.. ولماذا.. وكيف.. وهل...؟ علامة استفهام وراء كل سؤال لنصل إلى السؤال الأكثر إيلاماً وحسرة.. ترى هل بات التعليم مفرمة لأعمار بناتنا وأبنائنا ومعلماتنا؟

مسلسل الفواجع ما زال مستمراً.. والمشاهد تتكرر مرة تلو الأخرى وبأساليب مختلفة.. حوادث طرقات ضحاياها طالبات ومعلمات حصدت أرواحهن.. والطرق الوعرة السيئة تغدر وتقتل ولا تُدان.. لكن تبقى مسالكها مخضبة بدماء لا يمحوها الزمن. مدارسُ تحترق ودخانٌ يتصاعد وألسنة لهب تبلغ عنان السماء.. تدافعٌ شديد وفلذاتُ أكبادٍ في عمر الزهور محاصرات داخل فصولٍ نوافذها سياج من حديد.. وأخريات يلقين بأنفسهن من أدوار علوية.. تساعدهن من تجاوزت التفكير بالذات فحملت روحها في كفها واستبسلت طمعاً في الشهادة.. لتنقذ أرواحاً بريئة بشجاعةٍ هزت المشاعر.. وأذهلت كل من كان في المشهد.. وتأتي النهاية {أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله} تقفز بجسدها فتعلو روحها.. أسلمتها إلى بارئها وخالقها فلله ما أعطى ولله ما أخذ. كل ذلك يحدث لأن مدارسنا تراكمت عليها مخلفات الزمن.. وتشبعت إهمالاً وافتقدت لأبسط وسائل السلامة التي إن وجِدت فأكاد أجزم بأن الزمن قد أكل عليها وشرب.. معطلة اعتراها الصدأ نتيجة الإهمال وعدم الصيانة. هذا قليل من كثير لحال مدارسنا التي تحتضن فلذات أكبادنا.. فرحة عمرنا.. وبسمة أيامنا.. وزينة الحياة الدنيا وبهجتها.

وإنما أولادُنا بَيْننا

أكبادُنا تَمشي على الأرضِ

إنْ هبتِ الريحُ على بَعْضِهمْ

لامْتَنَعتْ العينُ من الْغَمضِ

فهل حقاً تمتنع العين عن الغمض..؟ أم تظل في سباتٍ عميق لا تستيقظ إلا وقت الفواجع لتقرأ المشاهد، ومن المشاهد تتشكل اللجان الطارئة لكشف الأسباب.. والبحث عن سبل المعالجة.. ووضع الحلول العاجلة.. وتمضي الأيام وتهدأ الأمور وتعود العين إلى إغفاءتها وتغط في سبات عميق، وهكذا..!! ونظل نطالع ونتابع.. نتجرع الألم.. ويغشانا الحزن.

مسلسلات مفزعة لا نهاية لها.. وسيناريو روايات وقصص رعب وخوف تجثم على صدور فلذات الأكباد تقض مضاجعهم لأنها تحاك من داخل الفصول الدراسية.. أبطالها معلمون والنهاية تكمن في أن الضحية هو طالب أو طالبة.

الضرب والعنف أصبح جزءاً من يوميات أبنائنا وبناتنا داخل المدارس.. فرغم القرارات التي تصدر ورغم التحذير والتنبيه بعدم الضرب إلا أن هناك توهماً مسيطراً على ذهنية بعض المعلمين والمعلمات.. بأن {العصا لمن عصى} هي أنجع سبل التربية والتعليم. واعجبي من!!! عقول تُقدِس العنف والقوة لتهدم الطفولة.. وتسحق الكرامة البريئة.

فزعتُ وتألمت.. وذرفتُ دمعاً سخياً عليك يا ابني الصغير.. يا طالب السنوات السبع (الحسن ظافر آل ظافر)، الذي يدرس في إحدى مدارس نجران، وأنا أرى صورتك.. وكيف شوه مدرسُك ملامحَ ابتسامتك المشرقة الجميلة عندما ضربك في طاولة الفصل فتكسرت أسنانُك...!! يا لها من جريمةٍ تُرتَكب بحق الطفولة..!! لكن.. إذا كان الضرب عقوبة.. فالعقوبة تحتاج إلى محاكمة.

إرث كبير من الأخطاء والقصور تراكم على مدى سنوات وسنوات.. لكن يبقى شبحُ الصمت مخيماً على كل خطأ أو جريمة تُقتَرف بحق فلذات أكبادنا ومعلماتنا.. فإذا كنا مؤتمنين على عقولهم فإننا أولاً وقبل كل شيء مؤتمنون على أرواحهم.. لعل الضمائر تستفيق من غفلتها.

 

عود على بدء
عذراً أبنائي.. عذراً بناتي.. متى تستفيق الضمائر من غفلة اللامسؤولية!!!؟
زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة