Monday 19/12/2011/2011 Issue 14326

 14326 الأثنين 24 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يَربطني منذُ سنين خلت (عَقدٌ) من الودَّ المشترك مع الصديق والأديب المعروف الأستاذ/ حمد القاضي يتّكئُ إلى سببين:

أحدُهما:

أننا نتقاسمُ العشقَ للحَرف الجميل منذ (نعُومة أقلامنا)، شِعْراً ونثْراً، وإنْ كان كل منا ينْأَى بنفسه انتماء إلى (قبيلة) الشعر والشعراء (لعدم الاختصاص به)، لكنّنا في الوقتِ نفسِه، نَملكُ ذائقةَ الاستماعِ إليه، والاسْتمتَاعِ به، لغةً ومعنىً وموسيقى!

وثانيهما:

أنّنا نتقاسمُ الإعجَابَ العميقَ بفَارس الكلمة، وعرَّابِ السياسةِ والإدارةِ والأدب، فقيدِ الوطنِ الكبيرِ معالي الدكتور/ غازي بن عبدالرحمن القصيبي، طيَّب الله ثراه. فلكُلّ منا معه مشوارُه الخاصُّ من الذكرى المطرّزةِ بالودَّ الحميمِ، تشْهدُ على ذلك مواسمُ الحَرفِ الجميلِ التي بدأتْ بها ومنْها (ملحمةُ) الودَّ له.

أما بالنسبة لي، فقد عرفتُه قبل أكثر من أربعين عاماً مضَتْ (إنساناً) شامخَ النفس، متّقدَ العقل، قَويَّ الحضُور، قبل أن أتعَّرفَ على أدبه البليغِ وعَطائِه المتميّزِ في مراحِلَ زمنيةٍ لاحقة، ليزْدادَ الودُّ له عُمْقاً، ويرسُو في ذَاكرة الزمن عقُوداً. وكانت بدايةُ المعرفة به في لوس أنجلوس أواخرَ عام (1962م)، عَامئذٍ، كنتُ تِلميذاً مْجتَهداً في معهد اللغة الإنجليزية لغَير الناطقين بها التابعِ للجامعةِ جنوبِ كاليفورنيا، فيما كان هو يُحرزُ التفوّقَ تلوَ الآخر ضمن برنامج (الماجستير) في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجامعة ذاتِها، وكان يُبْهر أساتذتَه وزملاءَه الأمريكيين: غزارةً في القِرَاءة، وتفّوقاً في الفَهْم، وقُدرةً على التحليل والاستنباط.

أعوُد إلى كتابِ الصديق/ حمد القاضي، مُشِيداً بفِعْله الجميل، حيث أهدى (محبَّي) أدب د.غازي القصيبي مدونةً نفيسةً يعرض من خلالها قِراءاتٍ سريعةً لبعض المحطَّات الهامة في سِيرةِ ذلك (الرجل الاستثناء)، مرَكّزاً الانتباهَ على البُعد الإنساني الذي كان له حُضُور رَئيسيٌ في الكثيرِ من أقْوالِه وأفعَالِه في درُوب البَّر، ما ظَهَر منها للناس وما بَطن، فقد كان رحمه الله يحبُّ فعلَ الخير حُبَّاً جماً، لكنه كان يكْرَه أن يْعلَمَ بذلك أحدٌ، عدا مَنْ يعنيهم أمرُه، مثلما كان يكرَه وبذاتِ القُوة، أن يُشَاعَ العلمُ به إِعْلامياً. وهذه أحدُ المعَالمِ البَارزةِ في (إنسانيةِ) غازي التي أقامَ لها المؤلف الحُجَّةَ والدليلَ في أكثر من موقع في الكتاب.

ويستعرض الكتاب أيضاً (إنسانية) د.غازي عبْر مواقعَ أخرى في حياته، منها الأدبية والإدارية والسياسية والدبلوماسية، ناهيك عن مَوقفِه النبيل جداً مع (الطفل المعاق) حين سعَى مع كوكبةٍ من أهل الخير لإقامة صرْح وطنيّ جميل يَتصَدّى لإعاقة الطفل، ويردُّ له اعتبارَه الإنساني والاجتماعي بين الأنام، فكانت جمعية الأطفال المعوقين ثمرةَ ذلك الجُهد العملاق!

وبعد..،

فقد كتبت للصديق حمد القاضي رسالة شكر لإهدائي نسخة من كتابه الأنيق، ولخصت في مقطع من الرسالة الإشعاع الإنساني في حياة د.غازي، سلوكاً وتعاملاً، فقلت ما يلي: (مع شيء من التصرف صياغياً)

) ((لقد كرستم مادة الكتاب، بانتقاء موفق، للحديث عن (إنسانية غازي) التي لم يكن بينها وبين الناس في يوم من الأيام حِجَاب، إذ كانت تطل علينا عبر سطوره وقوافيه، بل عبر خطبه المنبرية وأحاديثه الإخوانية، ومن خلال كل مناخات نفسه حزناً ومرحاً))

ثم أضفت:

((عَبقريةُ غازي لم تكن في تَفّوقِه، فقد كان شامخَ القامة سياسياً وإدارياً وأدبياً وإنسانياً، لكنها تجلت في قربه من أفئدة الناس، وشفافية روحه المتصالحة مع الآخر سماحةً ووداً، وبمعنى آخر، كان رحمه الله (كتاباً مفتوحاً) لمن (قرأه) بعقله، واستلهم معانيه بروحه ووجدانه، ليكتشف أنه بشرٌ جميل، يحبُّ ولا يكره مَنْ لا يحبُّه، لكنه كان يكرَهُ المتملَّقَ له (لمأرب في نفس موسى)، فإنْ تَحقّقَ له ما أراد عاد الكرَّ والفرَّ معه ابتغاءَ غاية أخرى، وإلاّ انصرفَ عنه كَارِهاً، وقد لا يسْتحي أن (يأكلَ لحمه) في بعض المجالس، فإذا بلغ د.غازي عنه ما بلغه، اكتفى بالقول: (سامحه الله)!

وختمت الرسالة قائلاً:

((.. هذه إنسانيةُ غازي التي حَاولتُ تقريبَها إلى الذهن مثلما وفَّقْتَ أنت في تجسيدها عبْر كتابك الأنيق، من خلال نماذج من شعره ونثره، وأخرى من سيرته الإنسانية الرائعة!))

 

الرئة الثالثة
إنسانية د. القصيبي على (مائدة) حمد القاضي!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة