Thursday 22/12/2011/2011 Issue 14329

 14329 الخميس 27 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

.. وإن كنت أفهم معنى النبض الذي قصده الشاعر عبد الرحمن بن مساعد في قصيدة له بعنوان: (نبض الشوارع)، وأعدُّها من أجمل القصائد المكتوبة باللهجة الشعبية التي حاولت استجلاء نبض هذه المكونات في وجدان الإنسان وألفته لها وعلاقته بها،

واستنطاق سمات تلك الألفة وجوهرها والتعبير عنها، فإنني إزاء هذا الفهم وفي هذا الإطار، لا أفهم معايير لجان تسمية الشوارع في اختيار الأسماء التي تُطلق على شوارع مدننا.

وأسوق حاضنة وجودي المدينة المنورة نموذجاً للتساؤل. وأظن وضع هذه المدينة الطاهرة يشبه أو يقارب في وجهٍ من الوجوه حال شوارع مدن بلادنا الغالية، ومختلفٌ عنه بحسب ما يميِّز كل مدينة تاريخياً وجغرافياً واجتماعياً.

فقد ألفَ الناس وتعارفوا على أسماء الشوارع والمحالّ، وأصبحت هذه التسميات راسخةً في وعي الناس. وصارت علامات تميز شارعاً عن آخر ومحلا عن غيره.. فكان التوافق العرفي الاجتماعي مؤسساً على طبيعة تكوين تلك الشوارع وبدايات نشأتها، والشخصيات التاريخية التي مرّت بها، والشواخص الجغرافية الموجودة فيها؛ مما يبرر التسمية، ويمثِّل نوعاً من الارتباط الموضوعي بين الاسم وطبيعة المسمَّى، ومن ثم استقرت هيئة المكان وموقعه في الذهن الجمعي بفضل اسمه، وعلى هذا الأساس.

هذا المستقر والثابت العرفي على هذه الحال؛ يتم نسفه وتجاوزه. وإحلال اسم آخر مكانه..! هكذا.. وببساطة لا تعتدُّ بأيٍ من المعطيات والمسوِّغات السابقة. يأتي الاسم البديل أحياناً اسم صحابي أو تابعي جليل، ومبرر هذا الإحلال والإبدال؛ مبرر نبيل من حيث المبدأ نظرياً، بما يُظن أنه تكريم أو تبارك بالاسم. ولكن ليس هذا مكانه؛ فإلغاء العرف الاجتماعي وإسقاط السياق الثقافي لطبيعة المكان، وتجاوز ما تعارف عليه الناس وجرت به العادة يقوِّض هذا المبدأ النظري ساعة التطبيق.

واستسهال أمر تسمية هذا الشارع أو ذاك.. اعتباطاً بأسماء مستَّلة من مدونة التراث التاريخي والسيري حتى لو كانت لصحابة أو تابعين - رضوان الله عليهم - تغييب لجزء من ثقافة المكان وسماته المائزة. إذا تجاوز الحدود التعريفية له في أذهان الناس. كما أن بالإمكان إطلاق أسماء أولئك الأجلاّء على شوارع جديدة، أكثر سعة وأحسن موقعاً وليس بإلغاء اسم قائم أصلاً، وتجاوز عمره عشرات السنين. وأصبح مستقراً ومعروفاً لدى الناس.

.. في سير الخالدين من الأدباء. ومؤلفات العلماء. يُنصُّ على أسماء المحالّ والشوارع، ومواقعها وحدودها، ويستهدي الناس بذلك الصنيع على الأحداث والوقائع وأمكنتها. فكيف يوقف نبض الشوارع وتجتث سيرتها من الذاكرة والواقع، ويفصل بين البدايات وسياقها وامتدادها الحاضر؟ لتصبح شوارعنا بلا سيرة أو جوهر أو نبض.

md1413@hotmail.com
المدينة المنورة
 

نبض الشوارع
محمد الدبيسي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة