Sunday 25/12/2011/2011 Issue 14332

 14332 الأحد 30 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

دوليات

      

أبداً لم يكذب الرجل، وأبداً لم يبتعد عن الحقيقة، بل أزعم أنه لم يكن يوماً بمثل صدقه ووضوحه وهو يلقي خطابه بين يدي الجالية اليهودية في مدينة ميرلاند في الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 17-12-2011م. لقد كان حاداً في نظرته، وجاداً في وقفته، وصارخاً في نبرته، والمتابع لأحداث المنطقة والعالم في الآونة الأخيرة لا يتردد لحظة في تأييد ما صرَّح به أوباما وهو يفرد عضلاته أن أمريكا لم تقدم لإسرائيل عبر تاريخها كله ما قدمته لها في عهده.

لِمَ لا؛ فالتوتر الذي يمزق دول المنطقة في عهد ما يُسمَّى بالربيع العربي، وما يعانيه الصف الفلسطيني من انقسام، ومن ميوعة في غزليات المصالحة الوهمية، وحالة الغفلة السائدة في الشارع الفلسطيني والعربي على السواء، وحالة التيه التي تربك مفكري الأمة ومثقفيها، كل ذلك، وغيره كثير، يصرخ بالقول: نعم، لقد صدق أوباما؛ إذ إن (إسرائيل) لم تشهد طيلة سنوات احتلالها لفلسطين ما تنعم به في هذه الأيام من أمن وأمان وثبات وقبول من الآخر.. ليس هذا فحسب، بل باتت - وبكل طمأنينة - تعلن المزيد مما خفي من أهدافها، وتعمل على تحقيقها على مدار الساعة، ولاسيما ما يتصل بيهودية الدولة من جهة، وتطبيق شروط المواطنة على فلسطينيي الداخل من جهة أخرى، وأعمال الهدم المستمرة تحت المسجد الأقصى وما حوله، وسرقة المنازل الفلسطينية الموجودة فيها وتشريد أصحابها. ولا تكتفي بهذا، بل تنفذ المزيد من مخططاتها التوسعية فيما تبقى من أراضي الضفة الغربية، وتواصل حصارها لقطاع غزة واغتيالاتها وتدميرها فيه بأبشع الصور، ولا حسيب ولا رقيب، مما جسَّد مقولة أن (إسرائيل) فوق أي اعتبار؛ يحق لها ما لا يحق لغيرها دون نقاش!

والمشكلة الأشد قسوة تكمن في بعض المحسوبين على الحراك الثقافي العربي، الذين يلاحقوننا في بيوتنا، ويقتحمون علينا أوقاتنا، وقد تجردوا من أبسط القيم والمبادئ، وانغمسوا في متاهات الضياع؛ تارة ببسط شباك التقارب مع (إسرائيل)، وتارة أخرى بتنصيب العداء للقضية الفلسطينية وللمناصرين لها، والاستهانة بما يعانيه الشعب الفلسطيني من تشرد وحرمان، حتى قال أحدهم لمحاوره في إحدى الفضائيات «يعني كمان فلسطين.. فلسطين.. ذبحتونا بفلسطين..»! تلك هي فلتات اللسان التي تفضح فكر صاحبه، وتُبرز سوءته، وإلا فمثل هذا الكلام لا يصدر عن مثقف لديه شيء من الانتماء للعروبة والإسلام، مهما كانت المسببات والخلفيات.

لقد أخذني خطاب أوباما هذا إلى خطاب سابق وجهه إلى العالمين العربي والإسلامي بتاريخ 4-6-2009م، ذلك الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة بُعَيد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، ولا أدعي أنني أتذكر ما قاله وقتئذٍ، ولذلك رحت أبحث عنه عبر شبكة الإنترنت؛ فعثرت على تسجيل صوتي مرئي لذلك الخطاب، فشاهدت اللحظة التي دخل فيها الرئيس الأمريكي الجديد بابتسامته التي أصبحت معروفة، رافعاً يده اليسرى بقصد التحية للأعداد الغفيرة التي وقفت على أقدامها تصفق تصفيقاً مهيباً أحرجت حرارته الرئيس الأمريكي، فوجَّه لهم كلمات الشكر اثنتي عشرة مرة (كانت الخامسة باللغة العربية) حتى استطاع إيقافهم عن التصفيق! وبعد ذلك وُصف الخطاب بالتاريخي!!

ومن اللافت في الخطابين أن الرئيس الأمريكي في خطابه السابق الذي وجهه للعالم الإسلامي بادر بهمسة ترضية قال فيها إن العالم مدين بحضارته للإسلام، ثم أسهب في الحديث عن التطرف والإرهاب، بينما في خطابه الأخير للجالية اليهودية وصف العالم بأنه (أفضل) بما جلبته إليه من قيم، مؤكداً أن التزامه نحو أمن (إسرائيل) أمر لا شك فيه.

والأمر الذي لا شك فيه أن الرجل صادق حتى وإن أراد كسب الدعم من اللوبي الصهيوني في معركة الانتخابات القادمة، ورغم ذلك قد ينظر إليه الصهاينة على أن موقفه هذا غير كاف، خاصة في ظلّ الموقف المذهل الذي أبداه المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية (نيوت غينغريتش)، الذي ينظر إليه المراقبون على أنه المنافس الأقوى للفوز بالرئاسة، والذي بدأ حملته لكسب ود الصهاينة بوصفه الفلسطينيين بأنهم مجموعة إرهابيين، وأنهم شعب مخترَع ليس له أصل!

كل هذا وما زلنا نحن الفلسطينيين نبني الآمال على الديمقراطيين تارة، وعلى الجمهوريين تارة أخرى، مؤمنين أشد الإيمان بالارتماء في حضن التفاوض بوصفه خياراً استراتيجياً لنيل حقوقنا، وننظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية على أنها الراعي الأمين لعملية السلام، وننتظر منها العدل والإنصاف!!

كاتب فلسطيني - الرياض

aaajoudeh@hotmail.com
 

أوباما بين يدي الحركة اليهودية للإصلاح
عادل علي جودة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة