Monday 26/12/2011/2011 Issue 14333

 14333 الأثنين 01 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

(1)

(حمّى) المرور:

- سئلتُ مرةً: هل من حلَّ لـ(حمَّى) حوادث المرور؟! فقلتُ: كثيرةٌ هي الحلول.. وكثيرةٌ هي الأماني والآمال، وثَلاثةُ أمثال هذه وتلك شكوىً من (عَربَدة) البعض بعرباتهم في الشَّوارعِ والطرقاتِ، وكأنّ لهم الولايةَ أو السطوةَ المطلقةَ عليها وحدهم لا سواهم!

- ولذا، أزعم أن المصائب المترتبة على حوادث المرور لن تنتهي مهما سخّرنا في سبيلها من حلول، تقْنيةً وتقنيناً وتغريماً، وتبقى قبل ذلك وبعده الضرورة الملحة للردع السريع والعادل والنقيّ من الاستثناءات تتسنّم أولوياتِ العلاج لهذه الظاهرة المريعة!

- وبعبارة أهمّ وأعمّ مفْهوماً، الحُلولُ النظامية موجودة، لكنها تفتقر إلى جرعة كثيفة من (أخلاقياتِ) التَّعاملِ مع السيارة، مالكين لها ومستهلكين وسائقين، وتفتقر كذلك إلى الدقة والحزم والإصرار على التنفيذ الشامل والرادع، بلا رحمةٍ لمنْ لا يرحمُ الناس، ولا استثناءٍ لمن يسْتثْني نفسَه من بين الناس!

(2)

(فن) الصداقة:

- الصداقة (فن) إنسانيّ يتشَكَّل بقدر ما ينَالُ المجتمعَ المدنيَّ من نمو وتغيُّر نحو الأفضل أو الأردأ حالاً، وبقدر ما تتعدَّدُ وتتمدَّدُ المصَالحُ والغَايات في كلَّ الاتجاهات، ومن ثم بات التمييزُ بين فنون الصَّداقة بين البشر من جهة، والأمم من جهة أخرى، أمْراً عَسيراً، إلاَّ لمنْ أُوتِيَ حكمةً وبصيرةً وسداداً في الرأي، وقد يكون النمط (النفعيُّ) من الصداقة جائزاً ضمن منظومة التداول السياسي بين الأمم، حيث لا تُوجَد بين معظمها صداقاتٌ دائمةٌ أو عداواتٌ ثابتة، بل مصالح تَتَذبْذب ذات اليمين وذات الشمال، قد يدومُ بعضُها إلى حين، وقد يذْبلُ وينْحَرف مسَارُه، ومن ثَمَّ تَتشكَّل (الصداقة) بين هذه الدول في ضَوء هذا وذاك، بمعنَى أنها باقيةٌ ما بَقِيَت المصالحُ، وهي بائدةٌ بِزَوَالهَا في كثير من الأحوال!

- إنّ ما يعنيني هنا تحديداً ليس (صداقة الأمم)، بل الصداقة التي تربط إنساناً بآخر، ولذا، سأختم حديثي هذا بما يشبه (الموعظة) الحسنة عن الصداقة في أحسن أحوالها، فأقول:

- الصداقةُ بين البشَر من حيث المبدأ (معدنٌ) أخلاقيٌّ متعدَّدُ الأوزان، تَتحَدَّد هُويتُه ووزنُه بالكيفيةِ التي (يُتداول) بها هذا (المعدن) بين إنسان وآخر، والغايات التي تؤول إليها!

- فهي في موقف ما (ذهب خالص).. لا يأْتيه الزيفُ من بين يديه ولا من خلفه!

- وهي في موقف آخر (معدنٌ) ذو (سعراتٍ) أقل قيمةً ونقاءً، تنشأ في ظلَّه صداقة تتحكَّم فيها وتُسيّرها غايةٌ معينة في زمن معين، فإذا انْقضى الأربُ، استسْلمت الصداقةُ لـ(حّمى) الصدأ والانحراف، وذابت داخل إعصَار الزمن والنسيان!

- وترتيباً على ما سبق، يُمكن (توصيف) وتصنيف مَنْ ينتمي أخلاقياً إلى شريحة (الذهب) من الأصدقاء كما يلي:

- فهو ذاك الصديقُ الذي تخُصُّه بالجهْر عمَا يُسِرُّه فؤادك، فلا يضيقُ بك، ولا بما تُسّر له به!

- وهو مَنْ تفتح له أبوابَ قلبك فلا يُشْرك فيمَا تُسرُّ به له أحداً أبداً، إلاّ بإذنك وعلِمك، إنْ شئتَ أنت لا متَى شاء!

- وهو مَنْ لا يُؤْثرُكَ على نفْسه، لكنه يُؤْثرُكَ مع نفسه.. وكأنهُما تشكَّلتا في (رحْم) إنسانيّ واحد!

- وهو مَنْ يعاتبُكَ فلا يُغْلظ لك القولَ ليجْرحَك، أو يَئِدَ كبْرياءك.

- وينْصَحُك فيحَرْصُ أن تكونَ نصيحتُه أقرْبَ إلى حَيْثيَّات الموقف، حكمةً ودقَّةً واستيعاباً!

- وهو مَنْ يمدحُكَ فلا يغلُو في مدْحك، كيْلاَ يحقِنَ ذاتَك بالغرور!

- وهو إضافة إلى كل ما ذكر عنه، جَوادُ النفس، عَفيفُ اللسان، طاهرُ القلب في غير غفلة أو غباء!

- وهو حَذِر الإرادة بلا تَردُّد، شُجَاعُ الرأي بلا تَهوُّر، يعرفُ متى يُقْدمُ ومتى يُحْجمُ، متى يقول ومتى يصْمُتُ، متى يحلم ومتى يغضب، وإذا غضب كان عادلاً وحليماً، وإذا رضي كان مع رضاه وقوراً!

- وهو في الختام مَنْ تفتقده متَى غابَ، بل وتُشْفقُ على نفسِك من غيابه، تسْتبطئُ الأيامَ واللياليَ ترقُّباً لعَودته، فإذا آبَ إليك لم تمل له حضُوراً.. وتَمنيتَ ألاَّ يَغيبَ عنك أبداً!

وبعد..،

- لو شئت عزيزي القارئ بعد قراءة هذه السطور أن (تُصنَّف) أصدقاءَك من أهل الأرض في ظل الحيثِيّاتِ السابقة، تُرى مَنْ سيفرضُ صُمودَ الصدق أمام فتنة قياسك؟ ومن سيَتَوارى بعيداً عنك أمامَ مِحْنِة رفْضِك له، فلا يبقى منه في نفسك إلاَّ (أشلاء) من ذكرى؟!

 

الرئة الثالثة
(حمّى) المرور.. و(فن) الصداقة !
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة