Wednesday 28/12/2011/2011 Issue 14335

 14335 الاربعاء 03 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إن أكثر ما يزعج الشخصية الواقعية التي يعتمد صاحبها على التحليل والمنطق هو ما يسمى بالمسلمات. والمسلمات عبارة عن بعض الأقوال التي لا يمكن نقضها أو دحضها بفعل غياب القدرة على إثبات عكسها...

...والتي تستمر استمرار الزعم بوقوعها وواقعيتها ووجودها.

إن عجز الكثير من الأشخاص عن تفسير عدد مما يعرف بالمسلمات هو نتيجة خوفهم من المساس بها أو الاقتراب منها أو لعدم قدرتهم على تحليل الأمور وإثبات ما ينفي وجود تلك المسلمات حتى تشكل لدينا عدد كبير منها واندرجت فيما يشبه بقاموس يحتوي على العديد منها. حتى ذهب الكثير إلى استخدام ذلك القاموس لتمرير وتبرير عدد من الرؤى التي يؤمنون بها بل ذهبوا لأبعد من ذلك من خلال توريثهم وترويجهم لتلك الأقوال المزعومة المعلبة التي تحمل صبغة المسلمات عبر ما يمتلكون من قوى مختلفة سواءً كانوا آباء أو مدراء أو عبر أدوار عملية واجتماعية مختلفة.

إن تسويق بعض الأقوال السلبية وترويجها وصبغها بمفهوم المسلمات إنما يكرسها ويعززها ويجعل منها ثوابت تُشكل فكراً معيناً مع أو ضد قضية ما أو شخص ما أو حتى مجتمع ما، فما يعرف بالقوالب الجامدة ما هو إلا مجموعة من المسلمات التي تم تثبيتها في عقول الناس في صالح أو ضد شيء ما. فيذهب معتنقوا تلك القوالب إلى رفض أي محاولة لتغيير تلك المسلمات فيما يحاول المتضررون أن يفعلوا ما بوسعهم لإحداث تغيير في الفكر العام الذي تشكل بفعل تكريس مجموعة من المسلمات التي أحدثت ضرراً مباشراً بهم، وتعتمد عملية التغيير تلك على قوة ذلك التكريس، فيلجأ الكثير للتخلص من مسؤوليته بإحداث أو تحقيق ذلك التغيير بالزعم أن تغيير ثقافة ما لمجتمع ما يتطلب الكثير من الجهد وأن نتائجه تظل غير مضمونة، وبالتالي قد يكون من الحكمة عدم التعرض أو المساس بتلك المسلمات حتى أن البعض بدأ بإطلاق وصف ثوابت اجتماعية على البعض منها.

إن قضية قدرة شبابنا وفتياتنا على التعامل مع المتغيرات العملية والاجتماعية والتقنية هي إحدى القضايا التي عانت ولا تزال من مجموعة من المسلمات التي تشبه إلى حد بعيد الرياح العكسية التي تسير بسرعة فائقة في عكس اتجاه القطار محدثةً ثقلاً غير عادي بوزنه، ما ينتج عنه انخفاض هائل في سرعته وربما إيقافه.

يذهب عادةً مروجي الفكر المضاد لمحاولة تكريس مفاهيم معينة عن الشباب السعودي كمسلمات سلبية يتذرعون بها لأسباب عدة، قد يكون من بينها محاولة التهرب من مسؤولية مشاركة الدولة في تحمل جزء من واجب توظيفهم، فيخترعون ويبتكرون الأسباب التي ما تلبث أن تتحول بفعلهم وإرادتهم إلى مسلمات يؤمن بها ويروج لها أعوانهم ممن يشاركونهم عدم الرغبة في توفير فرص العمل لشباب الوطن فتكثر لديهم مقولات يعتبرونها مسلمات لا تقبل التشكيك مثل كون الشباب السعودي لا يرغب بالعمل المجهد ولا يرغب بالعمل إلا في وظائف إدارية وإشرافية ويرغب بتقليص عدد ساعات العمل وأنهم -أي الشباب- كثيرو الغياب ولا يتحملون المسؤولية وكثير من الأقوال الباطلة التي أضحت لديهم مسلمات لا يشوبها الخطأ ولا تقبل التشكيك. وإن حاول أحد أطراف الفريق الآخر أو من تسول له نفسه محاولة تغيير جُل أو بعض تلك المسلمات واجهته عاصفة من الأدلة والبراهين المؤكدة على صدق مسلماتهم وحسن نواياهم وأركبوه رحلة الجدل البيزنطية التي لا تتوقف.

إن الأرقام المتوافرة لدى الجهات الحكومية والخاصة المعنية بأمر توظيف أبناء الوطن كفيلة بإثبات عكس ما يسّلمون به. إن أدوات قياس الأداء لدى الجهات المختلفة حكومية أكانت أو خاصة تؤكد نقيض ما يؤمنون به. إن أعداد الشباب السعودي الباحثين عن عمل لدى مختلف الجهات باختلاف أنشطتها يدحض ما يزعمون به. إن أعداد الشباب السعودي الذين شقوا طريقهم واعتلوا المناصب بعد أن بدأوا بوظائف مهنية بسيطة لشاهد على اختلاقهم لقاموس المسلمات الذي استخدموه ليمرروا ما شاءوا بهدف الهروب من توظيف أبناء هذا البلد الذي لم يبخل عليهم بشيء وكان سبباً مباشراً بعد مشيئة الله عز وجل فيما ينعمون به متناسين أن ما يقومون به إنما يسيء لأبناء بلدهم ليس فقط من خلال حرمانهم فرص العمل والتقدم وبالتالي حرمان البلد من التقدم الاقتصادي المنشود وإنما من خلال الإمعان في تكريس مفاهيم مغلوطة تنال من سمعة أبناء البلد أولاً والبلد بشكل عام ثانياً.

إن تعاطي شبابنا وفتياتنا مع مجالات التقنية الحديثة في مختلف المناحي الخدمية وغير الخدمية اليوم لإثبات لا يقبل التشكيك بقدرتهم على مسايرة بل والتقدم على ما أنتجته تلك التقنية، وهذا هم الآن يعملون في جميع تلك الوظائف دون استثناء بل نظرة فاحصة لا يراد منها التشكيك وتحمل حسن النوايا لجميع مرافق البلاد سواء المصانع أو المطارات أو الحواسب أو البنوك أو الأعمال الفنية والمهنية الكفيلة بإثبات ذلك.

هل يثبت شباب الأمة، شباب الأمل، سواعد المستقبل عكس المسلمات التي تنادي بسلبيتهم وتقاعسهم وتكاسلهم. هل يستطيعوا أن يبرهنوا للعالم أن ما يرّوج له البعض بأنه غير صحيح وأنهم على قدر المسؤولية والعزائم؟. إلى لقاء قادم إن كتب الله.

dr.aobaid@gmail.com
 

المسلمات والثوابت الاجتماعية.. ما لها وما عليها
د.عبدالله بن سعد العبيد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة