Wednesday 28/12/2011/2011 Issue 14335

 14335 الاربعاء 03 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

      

دشنت المملكة أول أمس أكبر ميزانية في تاريخها، وأصبحنا في كل عام نرى أرقامًا تاريخية تفوق السنة التي قبلها، وجاء إعلان ميزانية الدولة للعام المالي المقبل 2012، وكذلك بيانات ميزانية 2011 لتؤكد على أن عهد الرخاء والإصلاح الاقتصادي في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين -قائد مسيرة الإصلاح الاقتصادي- هو عهد القيادة الاقتصادية السعودية على جميع المستويات، وجاءت تفاصيل الميزانية حافلة بالكثير من المؤشرات الاقتصادية المعنوية لتعبر عن ثبات الدولة واقتصادها في ظل ترنح الاقتصاد العالمي تحت وطأة الأزمة، وأتت الأرقام لتؤكد أننا بالفعل الدولة الأكثر أمانًا اقتصاديًا واستثماريًا.

وتأتي الميزانية لتؤكد أن مشاركة المملكة لقمة العشرين هو نتيجة حتمية لثقلها الاقتصادي وإدارتها الحكيمة التي كانت ومازلت تعمل لتنعم المملكة في الرخاء بينما يعاني الآخرون من الشدة.

ولا أبالغ إذا قلت: إن الميزانية هي أهم رسالة عالمية لبث بعض الاطمئنان بأن الاقتصاد العالمي يملك لاعبين يستطيعون إرساء التوازن وبث الأخبار الإيجابية في ظل سيل عرمرم من الأخبار السلبية وفي ظل مخاوف وأسئلة عمّا يحدث حولنا من مؤشرات تبعث على التخوف مما يحمله العالم الاقتصادي من أخبار قد تأثر على روح التفاؤل السائد منذ بداية أسوأ أزمة اقتصادية عرفها التاريخ العالمي.

وتأتي ميزانية الخير في وقت تئن دول كثيرة تحت مخاوف وتأثير وآثار الديون السيادية التي جرت ولا زالت تجر تلك الدول إلى طريق مجهول.

وفي وقت أصبحت أكبر كتلة اقتصادية عالمية تعاني تبعات أزمة الديون السيادية وأصبح اليورو في مهب الريح بعد أن كان في يوم من الأيام عنوان الأمان.

وتأتي هذه الميزانية في ظل الأزمات السياسية المتلاحقة في المنطقة، لتعطي رسالة حقيقية عن الترابط والتلاحم الوطني، ولتؤكد أن بناء هذا الوطن على أسس صلبة هو تاريخ مجيد وحاضر زاهر ومستقبل مشرق بإذن الله.

والعوامل المهمة في حسابات الميزانية تأتي على جانبين:

الأول: هو الإيرادات وتعني متوسط سعر برميل النفط خلال وأثناء حسابه المتوقع عند إعلان الميزانية، الشق الثاني: يأتي على المصروفات وما يطرأ عليها من تطورات كالأوامر الملكية أو الأحداث غير المتوقعة وتستدعي التدخل الحكومي المالي.

وتتفق أكثر التقارير الاقتصادية أن المملكة بنت تقديراتها عند إعداد الميزانية للعام 2011م على أسعار نفط تتراوح بين 50 و55 دولارًا للبرميل.

الناتج المحلي الإجمالي هذا العام 1432 - 1433 (2011م) وفقًا لتقديرات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات (000ر000ر000ر163ر2) ألفين ومئة وثلاثة وستين مليار ريال بالأسعار الجارية بزيادة نسبتها (28) بالمئة عن المتحقق بالعام المالي الماضي 1431 - 1432 (2010م) وجاء الارتفاع من وجهة نظري في الضوء المتوقع قياسًا بالاستقرار في أسعار النفط ولا عجب بعد كان المتوسط 78 دولارًا للبرميل عام 2010 تشير التقديرات إلى 95 دولارًا للبرميل في عام 2011م.

وعلى الطرف الآخر ميزانية متوازنة للعام القادم 2012 تقدر بـ702 مليار أي بزيادة قدرها 162 مليار عمّا كان مقدرًا لعام 2011م.

وبالعودة إلى أرقام ميزانية عام 2011 فإن الإيرادات الفعلية بلغت 1110 مليار ريال في حين كانت تقدر بمبلغ 540 مليار ريال في بداية العام، أي أنها حققت زيادة 570 مليار ريال وبنسبة نمو كبيرة جدًا بلغت 106 بالمائة عن التقديرات في بداية العام وذلك بسبب الارتفاع غير المقدر لأسعار النفط 2011 الذي وصل متوسط 95 دولارًا للبرميل، وإن كانت المملكة تعلن دائمًا عن رؤيتها للسعر العادل أن سعر البرميل بين 70 و80 دولارًا للبرميل، وهو أعلى ما حققته الأسعار خلال العام الماضي. وطبيعة الأحداث السياسية حول العالم حافظت على ذلك المستوى غير المتوقع لأسعار النفط.

وبالرغم من ذلك فإن الدولة دائمًا ما تضع توقعات متحفظة في الميزانيات السنوية حتى ونحن نرى توقعات العام 2012 فإن التحفظ سيكون مصاحبًا بشكل مستمر لتوقعات الدولة لأسعار النفط، بغض النظر عن أي تفاؤل يحيط بنمو الاقتصاد العالمي خلال العام القادم.

من جهة أخرى، ارتفعت المصروفات إلى 804 مليار ريال، بزيادة قدرها 224 مليار ريال عن المقدر في بداية العام أي بنسبة زيادة وصلت إلى 39 بالمائة، وهذا الارتفاع جاء على شكل إنفاق حكومي موجه بشكل كبير تجاه المواطن بعكس الزيادات السابقة التي كانت موجهة إلى مشاريع.

وهنا يجدر التركيز على أن الإنفاق الحكومي استمر بوتيرة عالية على الرغم من المخاوف الاقتصادية العالمية من عام 2011 على الرغم من التخوف الكبير الذي ظهر خلال ذلك العام سواء على مستوى الاقتصاد العالمي أو حتى على مستوى الاستقرار السياسي في المنطقة، وبالرغم من جميع تلك الظروف إلا أن المملكة حافظت على مستوى الإنفاق الحكومي المتزايد بشكل سنوي ونراه في جميع قطاعات الميزانية.

ولعل المفارقة في ميزانية عام 2011 هي أنه رغم كل ما ذكر عن السوداوية التي تحيط بالأوضاع الاقتصادية العالمية، إلا أن الميزانية حققت ثالث أكبر فائض لها خلال العشر السنوات الماضية، بعد الفائض التاريخي في 2008 الذي بلغ 590 مليار وأقل بقليل من فائض عام 2006م الذي بلغ 389 مليار.

على الرغم من استمرار وتيرة الإنفاق على المشاريع الحكومية الزيادة في المصروفات ما صدر من أوامر ملكية بصرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين والمتقاعدين ومكافأة الشهرين لطلبة الجامعات والمبتعثين، ورفع الحد الأدنى للرواتب إلى (3000) ثلاثة آلاف ريال، وتثبيت بدل غلاء المعيشة ضمن الراتب الأساسي، وزيادة رأس مال كل من صندوق التنمية العقارية والبنك السعودي للتسليف والادخار، وضم الدارسين في الخارج على حسابهم الخاص، وتغطية الزيادة في الصرف على الأعمال التنفيذية المتعلقة بمشروع توسعة الساحات الشمالية للمسجد الحرام واستكمال تعويضات نزع ملكية العقارات وتوسعة المسجد النبوي الشريف، وصرف راتب شهرين للمستفيدين من الضمان الاجتماعي ورفع عدد أفراد الأسرة المستفيدة من الضمان الاجتماعي، ودعم بعض البرامج المساندة للضمان الاجتماعي، ودعم الجمعيات التعاونية، وإقامة مشروعي الامتياز التجاري وبيت المحترف السعودي، ودعم البرامج المساندة للطلبة المحتاجين في وزارة التربية والتعليم، وتوسيع الخدمات المقدمة من الرعاية والتنمية الاجتماعية وتطويرها، وزيادة مخصص الإعانات التي تقدم للجمعيات الخيرية من الدولة.

ولعل استمرار الإيجابية في ميزانية عام 2011 يأتي من انخفاض الدين العام إلى ما يقارب 135 مليار ريال أي بنسبة قدرها (10) بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ167 مليار ريال للعام السابق 2010م، وهذا يوضح أن هناك تعاملاً منطقيًا للمحافزة على مستويات مقبولة للدين العام وعدم الدخول في مخاطر تضخمية ناتجة عن تخفيضه بنسب كبيرة.

ميزانية 2012

زادت الدولة عن تقديراتها لإيرادات العام 2012 بما قيمته 702 مليار ريال أي بزيادة قدرها 162 مليار عمّا تم رصده لعام 2011 التي قدرت حينها بـ540 مليار ريال، وهي ميزانية متحفظة تعطي قدرًا أعلى من التفاؤل حول معطيات الاقتصاد العالمي، وخصوصًا أن المملكة استطاعت الوصول إلى سعرها العادل لسعر برميل البترول، ولعل تلك السياسة تعطي قدرة أكبر للمسؤولين على وضع تصور أكثر دقة عمّا تعارفت عليه الميزانيات السابقة من حيث التحفظ الكبير على الإيرادات خصوصًا النفطية.

ولعلي هنا أركز بشكل موجز على المصروفات المتوقعة التي تعطي جميع الدلالات على الاستثمار الكبير التي توليه الدولة للمواطن بالدرجة الأولى على الرغم من الظروف الاقتصادية التي تمر بها موارد الدولة ونجد أن الكثير من المخصصات تمس حياة المواطن بشكل مباشر حتى في ظل الأزمات العالمية وتسريح الموظفين وإفلاس المصارف والشركات حتى وصلنا إلى إفلاس الدول ومخاوف الديون السيادية في الاتحاد الأوروبي تحديدًا، تبقى المملكة العربية السعودية في إنفاقها على رفاهية المواطن وترسل رسالة واضحة للعالم أنها لا زالت تتمتع برخاء اقتصادي وبقوة شرائية قوية في ظل تحقيق فائض في الميزانية ليضاف إلى العوائد التاريخية التي حقتتها الميزانية خلال الفترة من 2002 إلى 2010م، وتظهر الأرقام أن النفقات العامة التي حددتها الدولة للعام القادم تبلغ 690 مليار ريال إلى بزيادة قدرها 110 مليارات دولار عمّا أقر لميزانية العام الماضي التي حددت بـ580 مليار ريال أي بزيادة قدرها 16 بالمائة وتقل بحوالي 114 مليار عن المصروفات الفعلية خلال العام 2011م.

ولا شك أن هذه المبالغ تعد إشارة كبيرة على استمرار الإنفاق الحكومي بمعدلات تاريخية وإن اختلف التركيز في القطاعات إلا أنها تصب في نهاية المطاف في المصلحة العامة للواطن والمواطن.

القطاعات بين ميزانية 2011 و2012 مليار ريال

وبنظرة موجزة إلى بعض القطاعات التي ركزت عليها الميزانية فإن قطاع التعليم بالإضافة إلى مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم «تطوير» بمبلغ 9 مليارات ريال وكامل ما تم تخصيصه لقطاع التعليم بمبلغ إجمالي قدره 168 مليار ريال أي بزيادة قدرها 12 بالمائة عمّا مخصص للعام 2011، ولعل هذه الأرقام تثبت اهتمام الدولة كما سبق أن ذكرنا بالكادر البشري السعودي وتطوير وإعادة تطوير البنية التحتية للتعليم بهدف الوصول بالعنصر البشري السعودي إلى المستويات التي تتناسب مع البعد الاقتصادي للمملكة ومع الحاجة التي يتطلبها سوق العمل في المملكة، ولا شك أن التعليم هو حجر الأساس لخطط التنمية المستقبلية التي توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين الكثير من الأهمية وتوفير البيئة المناسبة له وزيادة الطاقة الاستيعابية للمدارس والجامعات والكليات المتخصصة وتوفير أفضل الوسائل العلمية الحديثة لتوفير المناخ المناسب لمستقبل المملكة التنموي.

ولعل الشواهد التي نراها من افتتاح العديد من الجامعات الجديدة ولذلك فلا عجب أن يستحوذ التعليم على نصيب الأسد من الميزانية بمقدر 24 بالمائة وهو نفس المعدل في الميزانيات السابقة، وهو استثمار في مستقبل هذا الوطن.

أما الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية بلغ نصيب هذا القطاع من ميزانية العام المقبل ما قيمته 86.5 مليار ريال أي بزيادة قدرها 26 بالمائة عمّا تم تخصيصه في العام الماضي 2011م.

إن الشكل المرفق يوضح أن جميع القطاعات في الدولة حظيت وتحظى بدعم كبير في ميزانية العام المقبل وامتداد لتطوير القطاعات التي تهم المواطن بالدرجة الأولى التي تمس حياته اليومية، ولذلك فإن الزيادة عندما تأتي في ظل التخوف من ركود الاقتصاد العالمي تعطي مؤشرات مضاعفة على اهتمام الدول بالنمو والرفاهية للمواطنين. وفيه نلاحظ النمو الكبير في ميزانية قطاع النقل بنسبة بلغت 40 بالمائة مما تم رصده في ميزانية العام الماضي، وهذه الميزانية تصب في شكل كبير في مشاريع البنى التحتية لقطاع النقل من مطارات وسكة حديد وطرق.

في الختام فإن ميزانية هذا العام تختلف من ناحية التوقيت والحجم عن أي ميزانية سابقة في تاريخ المملكة، فالإعلان يأتي متزامنًا مع هلع عالمي كبير متزايد حول مستقبل الاقتصاد العالمي وعن تداعيات بعض الأحداث الاقتصادية المحيطة. وتأتي بعد أن أثبت الاقتصاد السعودي متانة عالية في القطاع المالي بشكل عام والقطاع البنكي بشكل خاص، وهذه المتانة تأتي من خلال التشريعات المتحفظة التي حافظت على المــــكاسب.

ولعل المفرح أن تكون المملكة قادرة بعد توفيق الله على القدرة على ضبط الميزانية من خلال حسن التوقع وحسن التخطيط والمحافزة على سوقها الأساسي وهو سعر برميل البترول. والأهم من وجهة نظري أنها جاءت في وقت تثبت المملكة فيه للعالم أن التماسك واللحمة الوطنية ظهرت بشكل واضح وكبير خلال العام 2011م، عام التطورات السياسية في المنطقة العربية، وهذه الميزانية رد على جميع المراهنات المغرضة حول مدى التلاحم بين الشعب والقيادة.

 

استمرار الإنفاق الحكومي بمعدلات تاريخية رسالة الرخاء والقوة الاقتصادية في ظل الأزمة العالمية
المواطن وبناء الكفاءة يحصدان الأولوية.. وحصافة إدارة الدين العام تجنب المملكة مخاطر الضغوط التضخمية
عبدالمحسن بن إبراهيم البدر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة