Friday 30/12/2011/2011 Issue 14337

 14337 الجمعة 05 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

أفاق اسلامية

 

يضربون عرض الحائط بتنبيهات وتحذيرات الأئمة والأرشادات على أبواب المساجد
مصلون يصرون على أداء الصلاة على أنغام موسيقى الجوالات !!

رجوع

 

الرياض ـ خاص بـ « الجزيرة «

في ظل الانتشار الهائل لاستخدام الهواتف النقالة التي هي سمة من سمات ثورة الاتصالات، وحيث إن بعض الناس لا يحسنون التعامل مع التقنية، وتطويعها في الاستخدام الأمثل في النفع الديني والدنيوي بل وحتى الإنساني، لكون هذه التقنيات والمخترعات والأحدوثات ليست شراً محضاً، ولا خيراً محضاً، وهي على حسب مستعملها ومتعاطيها.. فإن الظواهر السلبية التي صاحبت هذه التقنية النغمات الخاصة بالجوال حيث يكون بعضها عبارة عن أغاني وموسيقى، وما تبع ذلك من إهمال بعض المصلين إغلاق الجوالات حال الدخول إلى المساجد، أو الدخول في الصلوات المفروضة، وعند الدروس والمحاضرات المقامة في الجامع.. ولا شك أن هذه التصرفات تنافي ما ينبغي أن يكون عليه المرء المسلم في المسجد، وأثناء مزاولة العبادة من الخشوع والسكون والطمأنينة، ولاشك أنه ينبغي أن يقوم الأئمة و الخطباء في التوجيه المستمر حيال تلك الظاهرة المنتشرة في بيوت الله ؟

حرمة المساجد

بداية يرى الشيخ عبدالرحمن بن علي العسكر إمام وخطيب جامع عبدالله بن عمر بحي الريان بالرياض أن هذه المسألة مترتبة على غياب أمرين مهمين واجبين على كل مسلم، وهما:

الأمر الأول: تعظيم شعائر الله تعالى، فإن المساجد بيوت الله، وكل ما يفعله المسلم فيها ينبغي أن يكون مما فيه تعظيم لهذا المكان، والله سبحانه وتعالى يقول: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}، ومما هو معلوم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن فعل بعض المباحات في المسجد لمنافاتها حرمة المسجد ومكانته كالبيع والشراء وإنشاد الضالة مع ما فيها من المصالح، لكنها تتعارض مع مكانة المسجد، وكونه مكانا مهيأ للعبادة، فكيف إذن بما تصدره هذه الأجهزة من أصوات قد تكون في أصلها محرمة بإطلاق كأنغام الموسيقى ونحوها، فلذلك كلما قلَّ تعظيم شعائر الله في قلب العبد كلما تساهل في مثل هذه الأمور.

الأمر الثاني: أن المساجد أماكن مشتركة مع الغير، والمسلم مطالب في مثل هذه الأماكن أن يراعي حقوق غيره ممن يشترك معه في المنفعة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم « لمن أكل ثوما أو بصلا» (لا يقربن مسجدنا) ثم ربط النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بسببه فقال: (فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)، بل أعظم من ذلك لما دخل المسجد فسمع أصواتهم مرتفعة بقراءة القرآن قال: (كل يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) مع أن قراءة القرآن عبادة يتقرب بها إلى الله، لكن لما كان رفع الصوت بها يؤدي إلى مفسدة عامة وهي منع الغير من العبادة، نهاهم صلى الله عليه وسلم عنها، فالنبي أوضح في مثل هذه الأحاديث معنى عظيماً مراعى في المسجد وهو مراعاة المشارك لك في المسجد، فكيف إذا كانت الأذية من مثل ما يصدر من هذه الأجهزة من أصوات تزيد على إذهاب الخشوع بأذية سامعيها بأصواتها.

فالواجب على المسلم تعظيم شعائر الله في كل وقت وحين ومراعاة غيره من الناس، وزرع ذلك في نفوس الغير في الخطبة والموعظة، بين الفترة والأخرى، لأن التنبيه الوقتي يزول، ما لم يكن عند العبد مانع ذاتي تجاه هذه المخالفات، واستشعاره أن التأذي لا يصل إلى البشر فقط بل حتى الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.

نسوا أنفسهم

أما الشيخ الدكتور حزام بن سعد الغامدي إمام وخطيب جامع أبي سعيد الخدري بالباحة فقال: لقد انعم المولى وأسدى فكسا وأعطى {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}، فما ظهر من نعمة أو خفي، وما جلّ من نعمة أودق، فإنها من الله دون سواه وإن لمن نعم الله هذه النقلة الرائعة في عالم الاتصالات فقد قرب ما بعد، ودنا مانأى، ومن أظهر وأنفع وسائل الاتصال هذا الهاتف النقال الذي كثرت منافعه، وعظمت فوائدة وازدانت محاسنه، إلا أن فئة من الناس قد تجاهلوا ما فيه من جميل، وتناسوا ما فيه من حسن بديع، فذهبوا إلى الجانب الضار، وجعلوه سلاحا فتك بهم، وأداة للإضرار بهم، ومن أسوأ ما يذكر في هذا المقام ما يسمع بين جنبات بيوت الله من نغمات مزعجة وأغان راقصة وموسيقى صاخبة، ومن هنا عظمت المسؤولية الملقاة على عاتق الأئمة والخطباء حيال تلك الظاهرة السيئة المنتشرة في بيوت الله أحب أرض الله إلى الله، ومن هنا يبقى على الإمام والخطيب التوجيه المستمر في بيان أهمية الخشوع في الصلاة وأنه روحها فلا حياة لجسد بلا روح، وما نغمات الأغاني والموسيقى إلا وسيلة لنزع روح الصلاة وإبقائها جسداً لا حراك فيه، فتخصيص خطب في أهمية الخشوع بين الحين والآخر مهم لمعالجة هذه الظاهرة كما أن إعداد خطب عن تعظيم بيوت الله وأن ذلك من تعظيم شعائر الله مما ينبغي أن يسلكه الإمام لعلاج هذه الظاهرة إضافة إلى جمع أحاديث في احترام مشاعر الآخرين وقراءتها بعد بعض الفروض التي يكون فيها اجتماع المصلين أكثر ولو أن الإمام نبه قبل كل صلاة إلى إغلاق الجوالات أو تصميتها لكان لذلك أثره، ويحسن أن توضع اللافتات التي تذكر بضرورة إغلاق الجوال عند دخول المسجد ولو علقت فتوى العلماء في تحريم النغمات الموسيقية عند أبواب المساجد لانتهى عن ذلك عقلاء الناس، وكذا وضع الأشرطة في لوحة المسجد التي ترشد مستخدم الجوال إلى حسن استخدامه وتبين له الأضرار التي ينبغي التخلص منها وكذا الإفادة من اللوحة المضيئة التي تحذر من النغمات الموسيقية وتبين ما فيها من الإثم والأذى للآخرين، ولو أن الإمام قام بتكوين لجنة لدلالة مستخدم الجوال على النغمات الطيبة مع القيام بتجميلها على أجهزتهم لرجوت عموم النفع لهذه اللجنة، مع تسجيل أرقام جوالات المصلين للتواصل معهم من خلال البريد الإلكتروني والشبكة العنكبوتية للوصول إلى علاج تلك الظاهرة.

التقدم التقني الغربي

وقال د. عدنان باحارث إمام وخطيب جامع الأميرة الجوهرة بمكة المكرمة: لئن كان تفوق الغرب التقني قد طال كلَّ ميدان من ميادين الحياة؛ فإنه قد برز أشدَّ ما يكون في مجال الاتصالات, التي بدأت تفوُّقها بالاستغناء عن السلك لتعم خدمتها في نقل المعلومات والصورة والصوت والحركة كلَّ أرجاء الدنيا, وفي حفظ المعلومات وتبويبها, واسترجاعها, ونقلها وإرسالها, كلُّ ذلك يحصل في لحظات معدودة, عبر أقمار صناعية مركوزة في الفضاء الكوني الفسيح.

لقد بدأت الاتصالات بالرسائل البرقية المشفَّرة, ثم بالراديو, ثم بالهاتف, ثم بالتلفزيون, ثم بالإنترنت, ثم تطورت الاتصالات في ظلِّ الاستغلال الاقتصادي الغربي والاستهلاك لتُتَوَّج بالهاتف الجوال، ذو الكاميرا الخفية الدقيقة, الذي أخذ يخوض في أخصِّ خصوصيات الإنسان, فما هي إلا لحظة خيانة يُدار فيها مفتاح الجوال؛ ليصبح الشخص الغافل القابع أمامه بصورته وصوته وانفعالاته وحركته مادة إعلامية للمستهلكين, يتناقلونها عبر شاشات جوالاتهم، فلا يستطيع الشخص الغافل أن يرد عن نفسه المتطفِّلين, ولا يستطيع أن يمحو ما تناثر من شخصه عبر الأثير في الفضاء الواسع، فلا اختيار مع هذا النوع من الجوال.

والأشد أزمة في شأن جوال الكاميرا هو حال النساء والبنات المخدرات في البيوت والمدارس والجامعات والملتقيات والمناسبات، حين يُصبحن مادة إعلامية تتناقلها كاميرات الجوالات، ثم تتناقلها بعد ذلك شبكات الإنترنت ؟

ومع ما يذكر من الأضرار الصحية التي قد تنجم من استخدام الجوال؛ فإن من أهون سلبياته هو رنينه في الأوقات غير المناسبة، لاسيما في المساجد في أثناء أداء الصلاة، وفي المحاضرات العامة، وفي الفصول الدراسية، مع ما قد تحمله بعض الجوالات من نغمات مزعجة، ومقاطع موسيقية، وربما أصوات حيوانات منكرة.

ومما يزيد الأمر شناعة أن يستخدم الجوال من لا يكترث بمشاعر الآخرين، ممن فقد الحس الاجتماعي، أو ربما استخدمه من لا يتقن التعامل معه؛ فلا يحسن إغلاقه عند الحاجة، ولا يعرف سبل إسكاته عند الرنين، كما يحصل من بعض كبار السن، أو بعض العمالة الوافدة، فينطلق الجهاز يبعث أصواته في المكان، فيثير الجميع، ويلفت انتباههم، لاسيما إن كانوا في شغل مهم، خاصة عند أداء الصلاة المكتوبة، في جماعة المسلمين، بين يدي الله تعالى، في بيت من بيوته.

ولعل الكل يتذكر مواقف في المساجد من هذا النوع، لأناس فقدوا السيطرة على جوالاتهم، فانطلقت بنغماتها المزعجة، تثير المصلين، وتزعج الأئمة، فيبقى جوال أحدهم يعصف بصوته، كلمَّا صمت عاد من جديد، وصاحبه غافل عنه، أو متغافل لا يكترث لإزعاجه، وربما لا يحسن إغلاقه، فيبقى الحال على هذا النحو، حتى نهاية الصلاة !

وهذا الواقع الجديد الذي أحدثه التوسع في استخدام الجوال هو ما دفع بعض أئمة المساجد إلى إحداث صيغ جديدة بعد إقامة الصلاة عند رصِّ الصفوف؛ كقول أحدهم: (استووا، استقيموا، أغلقوا جوالاتكم) !! فقد دعته الحاجة إلى تذكير الغافلين من المصلين قبل الشروع في الصلاة إلى ضرورة إغلاق جوالاتهم، رغبة منه في إقامة صلاة خاشعة بلا منغصات.

وبغض النظر عن مشروعية مثل هذا الإجراء من عدمه؛ فإن جهاز الجوال قد أدخل على المجتمع الإسلامي ثقافة جديدة لم تكن معروفة، وفرض على الناس واقعاً استثنائياً لا خيار لهم معه، يحتاج كل ذلك إلى تأمل، ولا يخفى على الناظر حجم الحرج الذي يلقاه أئمة المساجد من رنين الجوالات أثناء الصلاة، إضافة إلى الحرج المتكرر الذي يصيبهم من مواجهة الناس بالعتاب واللوم بعد انقضاء الصلاة، مما يخرج الناس عن خشوعهم وروحانيتهم، ويشغلهم بالجدال عن أذكار ما بعد الصلاة.

توصيات ومقترحات

ويقدم د. عدنان باحارث بعض التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تخفف من إزعاج هذه الجولات في بيوت الله تعالى:

1) التزام إمام المسجد بعدم حمل الجوال مطلقاً حال الصلاة أو الخطبة بهم؛ وذلك ليكون قدوة صالحة للمأمومين.

2) تزويد المساجد بلوحات إرشادية واضحة، يفهمها الأمي والأعجمي، تنبه الداخل إلى إغلاق جواله.

3) تذكير الإمام للمصلين من وقت إلى آخر بضرورة إغلاق الجولات عند الدخول بها إلى المساجد، حتى يصبح ذلك في المستقبل مهارة معتادة لهم، يؤدونها بصورة اعتيادية بلا تذكير.

4) اختراع جهاز يوضع عند بوابات المساجد، ينبه الداخل بلطف إلى جواله.

5) تعميم جهاز قطع الإرسال أو التشويش عليه في المساجد، بحيث ينقطع الإرسال ضمن نطاق المسجد.

6) توزيع منشورات وعظية في المساجد، تلفت نظر المصلين إلى خطأ التهاون في إهمال الجوالات مفتوحة أثناء الصلاة، مدعمة ببعض الفتوى الشرعية.

التوجيه المستمر

ويشير الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الثنيان إمام جامع الشيخ صالح آل عبدالقادر بسلطانه بالرياض أن مسؤولية الإمام والخطيب مسؤولية عظيمة تجاه توجيه المصلين فيما يخص العبادة بالذات، خاصة في هذا الوقت الذي يشهد ثورة في مجال أجهزة الإتصال على سبيل التحديد وخاصة أن هذه الأجهزة أصبحت لا تكاد تنفك عن القاصد للمسجد عامة.

فمن وجهة نظري المتواضعة الذي أرى أن يهتم الأئمة والخطباء بإحياء روح الخشوع لدى المصلين وبيان أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة والطمأنينة والخشوع لا يمكن أن يعيشهما المصلي الذي أهمل هاتفه حال الصلاة أو وضعه على حال التشغيل فضلاً عمن وضعه على نغمات الأغاني والموسيقى، ولا بد من التوضيح للناس بأن مرتكب هذا الفعل علاوة على ذهاب خشوعه وحرمانه من لب الصلاة، فقد وضع نفسه في موضع الإثم، حيث إنه أذهب خشوع المصلين وتلذذهم بهذه العبادة العظيمة، فالله عزوجل يقول في محكم التنزيل {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}، فما بالك بمن أدخل المنكر معه إلى المسجد، لابد للإمام والخطيب من شرح ما يكون في الصلاة من ألفاظ وأوضاع، وربط المصلين بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المواضع، لقوله صلى الله عليه وسلم ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) فهل يليق بمن يكون قريباً من مالك الملك أن لا يبالي بهذا المقام العظيم فتسمع من هاتفه نغمات وموسيقى !!؟ أو حتى جرس الهاتف العادي.

لابد من التذكير المستمر والتوجيه لقاصدي بيوت الله بأن هذه المساجد لإقامة ذكر الله، كما قال الله عزوجل {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، إذاً الدافع هو الخوف من الله، فلابد من إحياء الخوف من الله في قلوب المصلين، فإذا خاف العبد من ربه حاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة.

سيدفع الخوف من الله قاصد المسجد لإغلاق هاتفه خوفاً أن يُحرم الخشوع، أو أن يتسبب في ذهاب خشوع المصلين، وسيدفع الخوف من الله المسلم أن يتجنب وضع الأغاني والنغمات المحرمة في هاتفه حتى خارج المسجد، وإذا استشعر المصلي قربه من ربه ووقوفه بين يديه سيكون هو من يلوم نفسه ويعاتبها على ترك هاتفه على صوت الرنين سواء بنغمات أو غيرها.

الشاهد أن الأئمة والخطباء لا بد أن يحركوا كوامن الخوف من الله عزوجل في قلوب المسلمين، ويستعينوا قبل ذلك وبعده بالله سبحانه وتعالى أولاً ثم بصدق النية وإخلاص النصح بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يكون الإمام والخطيب قدوة حسنة للمصلين في جميع شؤونهم.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة