ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 02/01/2012/2012 Issue 14340

 14340 الأثنين 08 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

العنوان الكامل لهذا الكتاب هو (الصراع على السلطة في سوريا: الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة 1961 - 1955م ومؤلفه نيقولاوس فان دام، الذي ولد في أمستردام،

ودرس اللغة العربية والعلوم السياسية والاجتماعية حتى نال الدكتوراه من جامعة أمستردام عام 1977م ومما قام به من الأعمال أنه كان السكرتير الأول في السفارة الهولندية ببيروت ثم القائم بأعمال السفارة بطرابلس في ليبيا، ثم عُين سفيراً لهولندا في بغداد حتى عام 1991م، وبعد ذلك عُين سفيراً لبلاده في القاهرة.

وكان أصل الكتاب رسالة نال بها كاتبها درجة الدكتوراه من جامعة أمستردام. وترجمة عنوانها: دور الطائفية والإقليمية والعشائرية في الصراع على السلطة السياسية في سوريا (1961 - 1976). ثم نشرها بالإنجليزية عام 1979م. وبعد ذلك طُلب منه - كما ذكر- أن يترجمها إلى العربية، ففعل، ونُشرت في العام الذي تلاه. ثم طورها، وأضاف إليها ما رآه ضرورياً في ضوء ما صدر من كتابات حول موضوعها حتى عام 1974م.

ويتألف الكتاب من 263 صفحة مشتملة على استهلال، فعشرة فصول يُكوِّن الفصل الأول منها مُقدمة، ويكوِّن الأخير منها الاستنتاجات من الدراسة، ويتبع تلك الفصول ثلاثة ملاحق، ثم قائمة بالمراجع، ثم فهارس.

ومع أن الكتاب صدر قبل ستة عشر عاماً حدثت خلالها أحداث مهمة جديرة بالتناول والدراسة فإنه جدير بأن يقرأ قراءة مُتأملة للتعرف على ما جرى ويجري الآن على الساحة السورية من أحداث تدمي لها قلوب المخلصين لأمتهم.

وكنت قد تحدثت في مقالات سابقة عن الهبات، أو الثورات، الشعبية التي قامت فيه عِدة أقطار عربية، وما قلته في إحدى تلك المقالات: إن الشعوب قد تتحمل مشقة الصبر على ظلم حكامها، وتضطر إلى السكوت عن فسادها المستشري، فترة يكاد يسيطر اليأس على النفوس خلالها، لكن الصبر لابد أن ينفد، وزمن السكوت عن الفساد لابد أن ينتهي، فينقلب اليأس إلى ثقة بالنفس تُحطم كل القيود. ومما قلته: إن المُتحكِّمين في أقطار أمتنا، التي هبت شعوبها لم يكفهم تحكمهم بأمور هذه الشعوب عقوداً من الزمن تسلطوا خلالها ما طاب لهم التسلُّط، ونهبوا من ثرواتها ما راق لهم نهبه، بل اصروا واستكبروا متمسكين بالسلطة مهما كانت نتائج هذا التمسك. وإني لأعتقد أن تحكُّم أولئك المُتحكِّمين سينتهي، لكن ثمن نهاية هذا التحكُّم مرتفع غاية الارتفاع. أما من هم السبب في اضطرار الشعوب إلى دفع الثمن فلن يكون سجل تاريخهم إلا مُلطخاً بما يشينه.

ولمكانة سوريا في النفوس تحدثت عما جرى - وما زال يجري- على أرضها من أحداث تدمي القلب في مقالتين، إضافة إلى الحديث عنها ضمن ما هو جار في أقطار عربية أخرى. ومما قالته في إحدى المقالتين - وهي بعنوان: «بالروح والدم نفديك يا زعيم»: كان هناك رجال لهم قامات عالية، وأقدام راسخة، في قيادات الحركات الوطنية في بلدانهم حتى تحرَّرت تلك الأوطان من الاستعمار الجاثم على صدور شعوبها. ولم يُسمع ترديد الجماهير لمثل التعبير الذي وضع عنواناً للمقالة. بل كانت الهتافات معبرة عن الفداء للأوطان وللأوطان وحدها.. لا لشخصية بعينها مهما كان الدور الذي قامت به كبيراً في ميدان ذلك التحرير الوطني. وأوردت أسماء بعض الشخصيات، التي كانت في طليعة القادة الوطنيين أمثال يوسف العظمة، وهاشم الأتاسي، وفارس الخوري، وشكري القوتلي، وصبري العسلي، وسلطان الأطرش، ولم تُسمع حناجر تهتف في الساحات بعبارة: بالروح والدم نفديك يا زعيم.

أما المقالة الثانية، التي تحدثت عما جرى - وما زال يجري- على الأرض السورية من أحداث تدمي القلب فعنوانها: «ويلي عليها وويلي من مصيبتها»، ومما ورد فيها: «كم هي شديدة الثِّقل وطأة الألم على نفس من كانت مشاعره عميقة تجاه قلب بلاد الشام.. سوريا.. التي قرأ تاريخها المجيد، إشعاع حضارة عربية اصيلة، ومنطلق دولة إسلامية امتدت رقعتها إلى الصين شرقاً وإلى بلاد الغال في فرنسا غرباً، وعرفها، في العصر الحديث، قلباً عروبياً كان من عظماء رجاله وأفذاذهم الكواكبي والعظمة والقَسَّام. وعرفها، أيضاً وطناً معتزاً كُلَّ الاعتزاز باللغة العربية.. لغة أمتنا الجميلة الخالدة، التي نزل بها القرآن الكريم من عند ربِّ العالمين بلسان عربي مبين، مُتمسِّكاً بها في مجال التدريس غاية التمسُّك.

ومما قالته في مقالة أخرى نُشرت في 3-8-1432هـ وتناول الأوضاع في كلٍّ من ليبيا واليمن وسوريا: إن الوضع في سوريا وضع مستحكم العُقد، داخلياً وخارجياً، فعلى المستوى الداخلي هناك تفرُّد للحكم على أساس حربي ينظر إليه بعض الشعب على أنه لم يعد حزبياً فحسب، بل أصبح، أيضاً طائفياً، وعلى المستوى الخارجي هناك اهتمام لا مناص عنه لدى إيران، التي أصبح لها نفوذ جلي واضح في تسيير دفعة الأمور في العراق المجاورة لها، ولدى أمريكا، التي يهمُّها - بالدرجة الأولى- ما يهم الكيان الصهيوني المحتل لجزء من أراضيها. وكل من قادة أمريكا المتصهينين وزعماء الصهاينة يهمُّهما أن يبقى الوضع في المنطقة على ما هو عليه، وبخاصة أن تهويد فلسطين - بما فيها القدس- يسير على قدم وساق.

أما بعد : فماذا عن الكتاب، الذي تتناوله القراءة؟

في بداية استهلال الدكتور نيقولاوس فان دام لكتابه الصراع على السلطة في سوريا قال: «إن الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية لعبت دوراً في تاريخ سوريا السياسي والاجتماعي والاقتصادي في القرن العشرين، لكن الآراء تختلف حول مدى أهمية هذا الدور. وإن الهدف من الدراسة التحقُّق من ذلك المدى، وبخاصة داخل نخبة السلطة العسكرية والمدنية منذ انفصال سوريا عن الوحدة مع مصر عام 1961م إضافة إلى إيضاح العوامل التي شجعَّت على ظهور قوى للأقليات الدينية في الحياة السياسية منذ عام 1963م وبخاضة العلويين والدروز والإسماعيليين والمسيحيين والروم الأرثوذكس.

وقد أوضح الباحث المصادر التي اعتمد عليها في دراسته وفي طليعتها: وثائق حزب البعث الداخلية، وسير حياة شخصيات مشهورة ومذكراتهم، وما كتبته الصحف وذكرته الإذاعات العربية.

أما الفصل الأول، الذي جُعِل مُقدَّمة، فمما ذكره فيه الباحث أن 82.5% من سكان سوريا يتحدثون العربية، و68.7% منهم مسلمون سنيون. أما الأقليات الدينية فهي كما يأتي: العلويون 11.5% الدروز 3%، والإسماعيليون 1.5% والمسيحيون الروم الأرثوذكس 4.7% وأما الأقليات العرقية فهم: الأكراد 8%، والأرمن 4%، والتركمان والشراكسة 3%. ومما ذكره المؤلف أن المسيحيين واليهود كانوا يتمتعون بالاحتفاظ بهويتهم وتنظيمهم الديني، وأنه تم - في عهد الانتداب الفرنسي- تحريض الولاءات الطائفية عمداً لمنع ظهور القومية العربية، أو الحدِّ منها، وتشجيع ظاهرة الانفصالية بين الأقليات الدينية والقومية جرياً على سياسة «فرق تسد». فقام الفرنسيون بتجنيد فصائل خاصة من العلويين والدروز والأكراد والشراكسة ليُشكِّلوا ما عُرِف باسم «القوات الخاصة للشرق الأدنى»، التي عملت لخدمتهم.

ومما ذكره الباحث في الفصل الأول التوزيع الإقليمي للمجموعات الدينية والعرقية، ومما قاله في هذا المجال: إن السنيين يُشكلون الأغلبية في سجل المحافظات السورية باستثناء اللاذقية والسويداء. ففي محافظة اللاذقية يُشكل العلويون 62.1%، وفي السويداء (جبل الدروز) يُشكل الدروز 87.6%، وفي حماة يُشكِّل السنيون 64.6% والاسماعيليون 13.2% والمسيحيون 11%.

ولقد تكلَّم الباحث، أيضا في هذا الفصل عن أمور تلك الأقليات من جوانب مختلف. ومما قاله: إن زعامة العشيرة لدى العلويين عادة ما تُكتَسب بالوراثة إلا أنه كان يمكن الحصول عليها عن طرق أخرى، ولذلك استطاعت بعض العائلات العلوية الفقيرة، مثل عائلة حافظ الأسد، اكتساب نفوذ كبير على مستوى العشيرة في مناطق نشأتهم بسبب وضعهم القوي، الذي اكتسبوه على المستوى الوطني في الجيش مثلا، أو في مراكز قوى أخرى. وقال عن الدروز: إن عائلة آل حمدان كانت قد استأثرت بزعامة المجتمع الدرزي في منطقة السويداء مدة طويلة، لكنها فقدت زعامتها سنة 1868 لصالح عائلة الأطرش. وقد استخدمت عائلات درزية مُعيَّنة أوضاعها التقليدية بين طبقات مجتمعها في الصراع على السلطة السياسية في الانتخابات المحلية إلا أن سلطتها انحصرت منذ ستينيات القرن العشرين.

 

قراءة في كتاب الصراع على السلطة في سوريا -1-
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة