ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 05/01/2012/2012 Issue 14343

 14343 الخميس 11 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بثت إذاعة «يو إف إم» السعودية قبل أيام في برنامجها «فتواكم»، تعليقاً لمعالي الشيخ عبد المحسن العبيكان، وهو يتحدث بكل شفافية، ومصداقية عن شكاوى الناس من أداء بعض القضاة، خاصة فيما يتعلق بتأخير البت في القضايا المطروحة أمام القاضي.

هذه الكلمات التي نطق بها ابن القضاء، تؤكد أن المواطن أمام مشكلة حقيقية، وهي: تأخر البت في القضايا المنظورة في ساحات القضاء، وأصبحت مشكلة تؤرق الجهات العدلية، حتى وصلت الأمور بإعلان المجلس الأعلى للقضاء عن استعداده؛ لتلقي شكاوى المتضررين من تأخر قضاياهم المنظورة في المحاكم، وأن الذين يعانون من تأخر مواعيد قضاياهم في المحاكم، أو لديهم ملاحظات على بعض القضاة، يمكنهم التقدم بشكوى إلى المجلس، خصوصاً أنه الجهة المعنية بذلك، وستتم إحالة القضايا كافة للجنة التأديب، واللجان الأخرى المختصة بالمنازعات، إضافة إلى وجود أربعة أعضاء دائمين في المجلس، واثنين غير متفرغين، للنظر فيها.

الإعلان المشار إليه من المجلس الأعلى للقضاء، إضافة إلى وجود لائحة للتفتيش القضائي، يهدف في محصلته النهائية إلى جودة الأداء، وسرعة الإنجاز، وتسريع مدة التقاضي، وتقريب مواعيد إصدار الأحكام، وهي من أهم الأهداف التي تحاول المحاكم الشرعية تحقيقها، وهو من حيث التأصيل النظري مشروع، مع أني على يقين لو أن القاضي حوسب على تأخيره للقضايا؛ لما تكررت مخالفته، وهو ما يستدعي إعادة آلية تطبيق لائحة التفتيش القضائي بشكل أدق.

إن الوصول إلى حكم قضائي عادل، وناجز في القضايا المعروضة كافة أمام القضاء مطلب مهم، بعد أن ملَّ الناس من تأخر الفصل في قضاياهم أعواماً عديدة، بل وصل بعضها إلى أزمنة مديدة من العقود، وهم لا يعرفون السبب الحقيقي وراء تأخيرها، مع أن العدل أساس قيام الأمم، باعتباره أحد أركان الأمن، واستقراره؛ لما يترتب عليه من إظهار الحق، وإيصاله إلى مستحقه.

إن مما يكفل حقوق الناس، ويحفظها وجود دوائر؛ لتدقيق الأحكام القضائية، وأخرى تنظيمية، تضبط شؤون القضاة، وتراقب أداءهم، وتحاسب المقصر منهم. وقد كفل النظام لأصحاب الحقوق، حرية مخاطبة وزارة العدل، والمجلس الأعلى للقضاء، والتظلم لديها ضد تصرفات المقصرين من القضاة. كما أن ولاة الأمر - وفقهم الله - كفلوا للناس حرية التعبير، والنشر في وسائل الإعلام، ضمن ضوابط النشر المعروفة، وليس أحد من موظفي الدولة، وإداراتها، مستثنى من توجيه النقد له، أو الاعتراض على قراراته في وسائل النشر المعلنة.

بل لا يكاد يمر يوم، لم نسمع في وسائل إعلامنا، أو نقرأ في صحفنا نقداً، أو اعتراضاً على وزارة، أو إدارة، ما دام الناشر ملتزماً بتوثيق ما يقول. وغني عن القول: إن هناك فرقاً شاسعاً بين الدين وأفراد المسلمين، والتعليم وأفراد المعلمين، والطب وأفراد الأطباء، والقضاء الشرعي وأفراد القضاة. فالدين، والتعليم، والطب، والقضاء الشرعي من القيم الثابتة، التي لا يتصور نقدها. أما أفراد المسلمين، والمعلمين، والأطباء، والقضاة، فهم بشر يصيبون، ويخطئون، ويُنتقدون، ويُقَومون. وليس ذلك انتقاصاً للقيم التي ينتمون إليها، وإنما هو محافظة عليها من أن يشوبها سوء تطبيق، يشوه صفاءها، حتى لا تظلم القيم الثابتة، ولا يعمم الخطأ على جميع المنتمين لها، وإنما يتحمل كلٌ ما جنت يداه، لقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.

كتب مرة - القاضي بديوان المظالم - يوسف العويد عن هذه الإشكالية، وضرب مثلاً ببعض الدول المتقدمة، كأمريكا، وإيطاليا، باعتبارهما من الدول التي تعاني من أزمة في ذلك. فكان من ضمن الحلول، أن عكف فريق من المختصين في أمريكا على جمع أفضل الممارسات المتبعة في الولايات المتحدة الأميركية؛ للحد من التأخر في إصدار الأحكام القضائية، ومن ثم قاموا بتصنيفها في مؤلف - دليل إرشادي لأفضل الممارسات المتبعة في إدارة القضايا والحد من التأخر في إصدار الأحكام القضائية - بحيث يسترشد بها جميع القضاة في ولاية «لويزيانا». فكانت تلك الجهود، استجابة للقسم الثاني عشر من قواعد، وقوانين المحكمة العليا الأميركية، والتي تنص على ضرورة توجيه القاضي كل جهده؛ من أجل إصدار أحكام عادلة، في أقل وقت ممكن.

أما في إيطاليا، ففي تنفيذ خططها لإصلاح القضاء، وافقت أغلبية برلمانية في 4-2011م، على مشروع تخفيض مدد المحاكمات، وهو المشروع الذي يلقى اعتراضاً شرساً، بسبب ما يتوقعه المعارضون من تحقيقه مكاسب سياسية. يقول - القاضي - يوسف: وقد وقع أمامي مجموعة من الدراسات الدولية المتعلقة بهذا الشأن، حملت العناوين الآتية: «المنازعات الحديثة، والتأخر في إصدار الأحكام في إيطاليا - 2009م - مشروع جمعية - لي موندي الدولية - 2002م -، نظرة عامة على معوقات الإصلاح القضائي، وأثر ذلك على التنمية الاقتصادية 1999م - التأخير في إصدار الأحكام القضائية: المسببات، والعلاج 1982م - معايير الأداء في محاكم الولايات المتحدة الأمريكية 2003م - التأخر في إصدار الأحكام في محاكم الاستئناف 1981م - التأخر في إصدار الأحكام، ودور ذلك في تعطيل انضمام كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي 2001م - كتيب إدارة الدعاوى القضائية المعقدة 2010م - التكيف مع العدد الكبير من القضايا 1999م - الإدارة الزمنية للقضايا 2005م «. وبعض تلك الدراسات، تزيد على مائتي صفحة بالمفهوم المتخلص من الترهلات الكتابية.

خلاصة تلك الدراسات، تشير إلى الآتي:

1 - أنه في ظل عدم اتفاق الباحثين، والمنظرين على المعالم المثالية لمشاريع الإصلاح القضائي، فلابد من أن يسبق أي مشروع من المشاريع التطويرية أبحاث، ودراسات مستفيضة، تمكن من فهم طبيعة عناصر القوة في البلد الذي يريد تطبيق الإصلاح القضائي، ومن ثم دراسة الاحتياجات الخاصة لذلك البلد.

2 - أن المُسوغات الرئيسة لأي عملية إصلاح قضائي فعالة، تعتمد على:

أ - تحقيق استقلالية النظام القضائي.

ب - تسريع عملية التعامل مع القضايا، وإصدار الأحكام القضائية.

ج - تعزيز استخدام الوسائل البديلة؛ لفض النزاعات.

د - تقديم برامج تدريبية للقضاة، والمحامين، وكل المعنيين في السلك القضائي، وزيادة عدد برامج المحاماة في الجامعات، ودعم البرامج الجامعية - من خلال - رفدها بمصادر التعلم، والاستشارة الأكاديمية، بحيث تصبح المناهج قادرة على مواكبة الاحتياجات المتزايدة في المجتمع.

3 - أن النظام القضائي الفعال، - من شأنه - دفع عجلة التنمية الاقتصادية.

4 - أن التأخر في إصدار الأحكام - وفقاً لنظرية قراقل -، يزيد من التكاليف المالية المترتبة على المتنازعين، مما يدفعهم إلى التسوية، أي: يقلل من الطلب على النظام القضائي.

5 - أن بعض الدول لديها برامج، تحتوي على: توفير آليات؛ للكشف المبكر عن الدعاوى القضائية المعقدة، ومنها: تكليف مستشار قانوني؛ لتحديد القضايا الرئيسة، وأي صعوبات قد يواجهها القضاة في وقت مبكر. وتوفير تقنيات تمكن المحكمة من التنبؤ بالمشكلات قبل حدوثها، بدلاً من انتظار المستشار القانوني حتى يطرحها. ومواصلة رصد التقدم المحرز في القضية؛ للتأكد من أن المحامين، أو أطراف الدعوى، يعملون بالشكل المناسب في إدارة القضية، وتحديد ما إذا كانت عملية إدارة القضية، تحتاج إلى التعديل. واعتماد إجراءات - خاصة - حسب الاقتضاء؛ لإدارة الأعمال الصعبة التي طال أمدها، أو يحتمل أنها تنطوي على مسائل معقدة، ومسائل قانونية صعبة، أو محاكمة غير عادية، أو مشكلات إثبات الأدلة.

6 - أنه مع وجود الأساليب الذي يمكن استخدامها قبل البدء بالمحاكمة، بغية الحد من التأخر في إصدار الأحكام، فإن من الضروري وضع جملة كبيرة من الإرشادات للقضاة، تساعدهم على حسم إصدار الأحكام في أقل وقت. بل إن من المهم، عرض ميزات للقضاة الذين يتعاملون مع القضايا بفاعلية، دون إهدار الوقت، وكذلك في عناصر الإدارة الفاعلة للقضايا، وأهمية وضع أدلة توجيهية للقاضي، تجنبه أي تعطيلات في عقد الجلسات، وإقامة الدعاوى؛ لأسباب متعلقة بالمحامين، أو المتنازعين.

7 - أن هذه المشكلة لا يستطيع حلها القضاة بأنفسهم، ولا الجهة المعنية بإدارة مرفق العدالة - وحدها -، وأن الحلول المميزة نتجت من تلاحم قوة القضاة بالمحامين، تحت غطاء الدولة - ممثلة - بوزارات العدل.

دائماً ما يتحدثون عن الإشكالية في أعداد القضاة، وأن عددهم يصل إلى «1500» قاضي في مختلف مناطق المملكة، ويقارنون ذلك بحجم السكان، مع أن وزير العدل - الدكتور - محمد العيسى، يصرح في مناسبات عديدة، بأن: «معدل توفر القضاة في القضايا بالمملكة، يفوق المعدل العالمي». بل تشير الإحصائيات عن المحكمة العامة بالرياض، على سبيل المثال: بأنه يتوفر في المحكمة من غير الكادر القضائي «618» موظفاً، أي: بمعدل «15» موظفاً مقابل كل قاض، وأن ذلك يعد عدداً مناسباً جداً، حسب التشكيلات الوظيفية المعتمدة لهذا المستوى من المحاكم العامة، وهو ما يقفل - أيضاً - باب النقاش في هذا الجانب.

ومع هذه الاعتبارات، فهم لا يتحدثون عن تأخر بعض القضاة، في الحضور إلى مكاتبهم في الموعد المحدد، وعدم التزامهم بأوقات الدوام الرسمي. ويشهد على تلك الإشكالية أحد قضاة التمييز - فضيلة الشيخ - محمد الفواز، ممن أمضى أكثر من أربعين سنة في مرفق القضاء، إذ يقول تعليقاً على المشهد: «ثم لا ننسى ضعف الرقابة على دوام القضاة، وتأخرهم في الحضور، وتعجلهم في الانصراف، ما يفضي إلى زيادة المعاناة من تراكم القضايا، وتأخر البت فيها، - وللأسف - عدم تفعيل دور التفتيش القضائي، وكذلك ضعف الإشراف المباشر من رئيس المحكمة، ولا سلطان على القضاء في الأحكام، وليس في الانضباط، بل بالعكس لا بد أن يكونوا قدوة لغيرهم، ومثالاً يحتذى بهم. فالنقص من أنفسنا، وليس من قلة عددنا، فلو اكتملت العناصر، لم يكن هناك أي تأخر، أو معاناة تذكر، نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، ويردهم إلى الحق، والصواب.»

وقد أكد مصدر قضائي مطلع، رصده للعديد من الملاحظات، والشكاوى على أداء بعض القضاة في بعض المحاكم، وأن الملاحظات بحسب المصدر، تضمنت: التأخر في البت في إصدار الأحكام، وانشغال بعض القضاة بأعباء إدارية، وقال: إن الرصد كشف عن أن ثلث القضايا في المحاكم السعودية معطلة. ولا زلت أذكر جيداً خطاب المقام السامي للمجلس الأعلى للقضاء، وهو ليس الأول، فقد صدر قبل هذا الخطاب، عدة خطابات من بينها: خطاب وزير العدل رقم: «13 - ت - 1680»، في 25-11-1421هـ، المبني على الأمر السامي الكريم، رقم: خ - 1322 - م، في 11-11-1421هـ، والمتضمن سرعة إنجاز المعاملات. حيث لاحظ المقام السامي كثرة التظلمات، والشكاوى الواردة إليه في أمور لا تحتاج لأكثر من جلسة، أو جلستين؛ للبت فيها، إلا أن الأمر يبقى شهوراً، أو حتى سنوات. وهو أمر مرفوض تماماً، ومرفوضة الأعذار فيه. مع أن نظام القضاء الصادر بالأمر الملكي، رقم: «م - 79»، وتاريخ: 19-9-1428هـ، نلاحظ: أنه قد أورد في مادته الرابعة بشكل صريح، إلى جواز مخاصمة القاضي، - لذا - فإنه من السهل الاعتراف بمبدأ تعويض أخطاء السلطة القضائية، ومن ضمنها: التأخير في بت القضايا، بسبب عدم التزام بعض القضاة.

إن العمل على إعداد دورات للقضاة؛ من أجل تأهيلهم، وتثقيفهم بالأنظمة العدلية، وكيفية التعامل معها، إضافة إلى تفعيل القضاء المتخصص، كتفعيل المحاكم المرورية، والعمالية، وغيرهما من المحاكم الأخرى، سيخفف العبء على المحاكم العامة، وسيسهم في سرعة البت في القضايا المختلفة في إطار هيكلة تنظيمية متطورة، وحسب الأنظمة المتبعة. وهو أحد أهم أهداف مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز؛ لتطوير مرفق القضاء، والذي صدر في: 19-9-1428هـ؛ من أجل حفظ جناب الحق، ورعايته. ما بين مفرط في التفاؤل، ومغرق في التشاؤم، يصطدم الواقع بالانعكاسات السلبية الناتجة عن تأخير البت في القضايا المنظورة أمام القضاء على كل من: عدالة المحكمة، وأصحاب الحقوق، فتأثير القضايا يشكل ضغطاً كبيراً على القضاة، ويؤثر سلباً في سير القضايا، وهو ما يتنافى مع تكريس قيم العدالة، والمساواة، والشفافية، كما أنه لا ينسجم مع مطالب الإصلاح.

drsasq@gmail.com
 

حسم القضايا المتأخرة.. مسؤولية من؟
د.سعد بن عبدالقادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة