ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 05/01/2012/2012 Issue 14343

 14343 الخميس 11 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

صحيح أن السلطات السورية قبلت بقدوم مراقبين، إلا أنها ظلت تمارس سياسات القتل، حتى في المدن التي جاءوا «ليراقبوا» الأوضاع فيها.

وحاولت السلطات أن تخفي معتقلين، بنقلهم إلى أماكن احتجاز أخرى ، كما حاولت إخفاء بعض مظاهر التسلح بالدبابات والمدرعات، ولكن ما لم تستطع إخفاءه هو أن القتلى ظلوا يتساقطون، وفوق ذلك فإنها ما تزال تمتنع عن إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وما تزال لا تجرؤ على الدعوة إلى مؤتمر وطني للبحث عن مخرج، وما تزال تراهن على القسوة.

ولكن، يجدر التساؤل: هل عرف التاريخ نظاما حارب شعبه بهذا المقدار وبقي على قيد الوجود؟ وهل الظرف التاريخي الراهن يسمح ببقاء أنظمة ستالينية أو تمثل امتدادا للأنظمة السوفياتية البائدة؟ وهل الظرف الإقليمي الذي أنتجه «الربيع العربي»، يسمح ببقاء نظام وحشي مثل هذا؟

فإذا كان الجواب على هذه الأسئلة هو: لا، ولا، ولا. فهل من ساعة للاستدراك والوعي؟ هل من ساعة للعقل؟ هل من مخرج سلمي ينجي وحدة البلاد وينجي النسيج الاجتماعي بين العباد؟

المنطق يقول: إن استمرار أعمال القمع سوف يلقي بظلال قاتمة على مهمة المراقبين، ولعله يحض الناس على الدفع باتجاه معركة الحرية الأخيرة.

وحيث إن الدبابات ما تزال تواصل عملها، فإن نظاما عاجزا عن الحل السياسي لن يوفر الضمانات لتهدئة الأوضاع، وهو ما يعني استمرار الانتفاضة، واستمرار أعمال القمع، وانهيار فرص الحوار.

والمنطق يقول: إن حالاكهذه أقرب ما تكون إلى وصفة للانتحار. إذ كان من المطلوب أن تعلن السلطات ليس سحب قواتها من المدن فحسب، وإنما التخلي عن الخيار الأمني برمته.

فهذا ما كان يجب أن يكون أول الطريق للخروج من عنق الزجاجة. وحتى إذا بدأ حوارٌ يوما ما، فإنه يجب أن يبدأ بروحية إيجابية، وفي أجواء يمكن من خلالها تعزيز الثقة بين المعارضة والنظام.

ولكن المنطق يقول: إن النظام الذي خسر مصداقيته بين الناس لا يمكنه استعادة هذه المصداقية مع معارضة لا تستطيع أن تلبي مطالب المحتجين. وإذا اتضح أن مطالب الناس أكثر جذرية مما يمكن للحوار أن يتوصل إليه، فان أحدا لن يمكنه أن يضمن توقف أعمال الاحتجاجات. وإذا ما عادت السلطات لتمارس الشيء الوحيد الذي تعرفه، وهو القمع، فإن النتيجة الوحيدة المنتظرة للحوار هي الفشل.

والمنطق يقول: إن أحد أهم وسائل الاستدراك يقتضي أن تبدأ السلطات على الفور بسحب قواتها من محيط جميع المدن والبلدات والقرى، والإعلان عن سقوط الخيار الأمني، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين من دون إبطاء، والإفراج عن حرية الصحافة والإعلام، والبدء بإجراء تحقيقات حول الانتهاكات، والقبول الفوري للمطالب بتقديم تعويضات للضحايا، والتعهد بحماية اللاجئين، وقبول مبدأ التداول السلمي للسلطة والإعداد لدستور جديد يلغي المادة التي تبرر لحزب البعث الحاكم احتكاره للسلطة، والعمل على الإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تحت إشراف مشهود له بالنزاهة في أقرب وقت.

ولكن هل يوجد لهذه السلطة أي منطق؟ هل لديها عقل تفكر به؟ ودونهما، هل تستطيع النجاة؟

ما نعرفه هو أن الطغيان يفتقر إلى المنطق، لأنه لو كان قادرا على الاستدراك ما أصبح طغيانا، وهو يفتقر إلى العقل لأنه لو كان لديه عقل لاستخدم وسائل أخرى غير القمع للبقاء، وهو بلا حس، لأنه لو كان يملك إحساساً بشرياً لما وجد نفسه في حاجة إلى القهر، ولا إلى القتل والترويع.

مع ذلك، فإن ما نراه، على عظمة بلواه، مذهل. فهذه هي اللحظات الأخيرة في عمر آخر الدكتاتوريات السوفياتية الصنع.

إنها اللحظات الأخيرة لدكتاتوريات العمى الأيديولوجي وتأليه الفرد؛ دكتاتوريات التصفيق للذات والضحك على الذات.

ومن يشهد هذه اللحظات سوف يذكرها إلى الأبد، ومثلما يتذكر الناس أين كانوا في المنعطفات الجسام، فسيذكر السوريون أين كانوا ساعة أسقطوا الطغيان.

إنها لحظات فاصلة في التاريخ، لن نعود لنرى مثلها ما بقيت تشرق على الأرض شمسٌ.

فهذا هو آخر العهد بالطغيان، ومن الأولى بالذين يقفون على الضفة الخطأ للتاريخ أن يستدركوا، فهذه الساعة هي آخر ما بقي للاستدراك.

ولكن الطغيان لا يستدرك، لأنه استمرأ ما ألف عليه من طبائع الاستبداد، وهو لن يفتأ يحفر قبره بما يُلحق بالناس من الأذى. لأنه لو كان قادرا على أن يفعل غير ذلك لما كان بحاجة إلى أن يكون طغيانا.

وهو يفتقر إلى العقل والمنطق، ليس لأنه لا يعرف أين يجدهما، ولكن سلطة، بعقل ومنطق، لا طعم لها بالنسبة له.

مع ذلك، فقد تهاوت كل الأنظمة الستالينية التي أنجبت سلطة الحزب الواحد والزعيم الخالد، ولم يبق منها، على وجه الكرة الأرضية، إلا نظام «الرفيق» الكوري في الشمال، ونظام «الرفيق» الدمشقي. ويا لهما من تحفة فقر وظلم وتخلف.

ولأنه يبطش بشعبه لا بأحد سواه، فليس لدى الستاليني الأخير، أي شيء يبرر الاعتقاد أنه سيكون الساموراي الأخير!

(*) كاتب وناشر ورئيس تحرير «المتوسط أون لاين»

 

الستاليني الأخير
علي الصراف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة