قامت وزارة الصحة بتوظيف مجموعة كبيرة من خريجي المعاهد الصحية وذلك التزاماً بالأوامر الملكية في هذا الشأن، وهذا أمر طبيعي لأنه الحل الوحيد لأولئك الخريجين الذين هم أبناؤنا وبناتنا وواجبنا الوطني تجاههم بعد أن تخرجوا من برامج التعليم الصحي المختلفة. نتفق مع المعنيين بضعف المستويات ونريد أن نتجاوز التنظير حول المسببات التي قادت إلى ذلك، رغم أننا لا نعفي المتسببين في الأمر، على الأقل أدبياً، ولا نعذر الجهات المعنية التي لم تدرك حجم القضية سوى بعد فوات الأوان، ولم تستمع إلى التحذيرات المبكرة التي أطلقها المتابعون منذ وقت مبكر ومنهم كاتب المقال.

الآن نحن أمام مهمة أهم وهي مهمة تأهيل الخريجين ليكونوا أعضاء فاعلين في المنظومة الصحية كل في مجال تخصصه. لا نريد أن نكتفي بالتوظيف ليصبح الفني الصحي مجرد عبء ورقم وظيفي في المنظومة الصحية، يزيدها سوءاً وتردياً. فالأخطر من عدم توظيفهم هو نقلهم من البطالة الصريحة إلى البطالة المقنعة التي يستلم فيها الموظف الراتب دون أن يكون منتجاً وفاعلاً في مهامه المفترضة.

التدريب هو ما أعنيه فما هي الخطط التدريبية التي ستتبناها وزارة الصحة لتدريب أولئك الموظفين الجدد على رأس العمل؟

لنأخذ مثالاً تعامل أرامكو مع خريجي الكليات التقنية، حيث تقوم بإعادة تدريبهم لمدة تستمر ما لا يقل عن عامين على رأس العمل، قبل أن يحصلوا على الوظيفة الثابتة. بل إنها تدرب البعض منهم على تخصصات تكاد تكون مختلفة عن ما تعلموه في كلياتهم التقنية، وتواصل التدريب على رأس العمل.

وزارة الصحة مطالبة بتدريب الخريجين على ثلاثة مستويات الأول على مستوى اللغة الإنجليزية ومبادئ العلوم الأساسية الصحية كمبادئ التشريح وعلوم الأعضاء والمصطلحات الطبية وغيرها. المستوى الثاني يكون في التدريب على المهارات الصحية الأساسية مثل كيفية التعامل مع مختلف أنواع المرضى، قياس العلامات الحيوية، نقل المرضى وتجهيزهم، التوثيق وغيرها من المهارات المطلوب توفرها في كل مساعد صحي. المستوى الثالث يكون في التخصص.

ما ينقص خريجي المعاهد الصحية والمساعدين الصحيين في مستشفياتنا هو التدريب على المستويين الأول والثاني، أو التدريب على مهام المساعد الصحي التي يجب توافرها في الجميع بغض النظر عن تخصصهم، لأن هذه المهام والمهارات هي الأساس الذي لم تجد المعاهد الصحية صناعته لدى المتدرب فخدعت المتدربين بأنهم أصبحوا مؤهلين بمجرد قدرتهم على تشغيل أو التعامل مع الأجهزة. على سبيل المثال: سنكون سعداء لو أجاد المساعد الصحي بقسم الأشعة التعامل مع المرضى وتجهيزيهم للتصوير الإشعاعي وفهم واستيعاب تعليمات الفريق المتخصص بشكل محترف، فإن أجاد ذلك، فتشغيل الجهاز سيكون محصلة ومهارة سهل تعلمها والتدرب عليها حسب المكان الذي يعمل به.

وزارة الصحة ليس مطلوب منها إعادة افتتاح كليات صحية وإنما مطلوب منها إيجاد برامج تدريب على رأس العمل وإيجاد الكوادر القادرة على التدريب وقياس فعاليته وجدواه. وليس هناك ما يمنع أن يتم الاتفاق مع القطاعات الصحية المتقدمة كالحرس الوطني وأرامكو والتخصصي للمساهمة في هذا النوع من التدريب عبر السماح للمتدربين بقضاء فترات عمل معقولة بتلك المؤسسات أو عن طريق الاستعانة بمتخصصين من تلك المستشفيات للعمل بمستشفيات الصحة كمدربين دائمين أو مؤقتين. طبعاً، إضافة إلى استقطاب كفاءات قادرة على التدريب الميداني وليس أكاديميين لا يمارسون العمل الصحي، كما تفعل بعض الكليات الصحية. أخيراً نذكر بأن التدريب المقصود ليس المؤتمرات والندوات العابرة، بل ذلك الذي يتم على المهارات ومن خلال العمل.