ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 19/01/2012/2012 Issue 14357

 14357 الخميس 25 صفر 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

«سوف تكون التغيرات السياسية والاجتماعية والصناعية المستقبلية عاملاً مهماً في تحولات أكبر في سباق إدارة الأزمات وفن الحرب واستخدام تكتيكات متجددة قد يصعب التنبؤ بها اليوم».

وإذا كان الجيل الأول للحرب قد سمي بالقتال الخطي والمواجهات المباشرة، فإن الجيل الثاني تميز بالتحصينات والخنادق وظهور الأسلحة غير المباشرة. وكان الجيل الثالث قد حدد الشكل الراهن للحرب التقليدية عبر المناورة الحربية بالأسلحة المشتركة، ونقل المعارك إلى مواجهات غير محددة طوبوغرافيا. وكان بروز الجيل الرابع ليعكس مضامين حرب العصابات في مواجهة الجيوش النظامية. وهكذا، خلال الأجيال الأربعة من فن الحرب أسهم كل جيل في جعل المقاتلين يصلون إلى جبهات معادية مختلفة وعمق أبعد بما غير خريطة مسارح العمليات المسلحة.

ويدور حالياً جدل حول مفاهيم ما يسمى «بالجيل الخامس للحرب» ليعرض المنظرين من خلال ذلك لمفاهيم جديدة آخذة في التشكل والبروز سنة بعد أخرى؛ ولا يوجد تعريف محدد أو متفق عليه غير أن هنالك تحليلات تستحق الاهتمام. ولم يقتنع البعض حتى الآن ببلورة فكرة حرب الجيل الخامس، التي تُعزا إلى أنها الحرب المفتوحة وغير المقيدة، تشنها في الغالب مجموعات غير حكومية ضد قوى حكومية. ولكن فعاليات وعمليات الجيل الخامس للحرب قد تصبح مجالاً مناسباً لصراع الحكومات والجيوش بين بعضها. ومن ملامح وتعريفات الجيل الخامس أنها حرب مفتوحة، وقد تنفذ عملياتها دون قيود أخلاقية؛ وباستخدام كافة وسائل القوة المتوفرة المسلحة وغير المسلحة، لإجبار الخصوم للخضوع لإرادة من يشن الحرب؛ حتى وإن تضمن ذلك سقوط الضحايا؛ أو تحقيق الغايات دون قتل. ومن مظاهر الجيل الخامس للحرب، سعي الأفراد والمجموعات غير الحكومية للوصول إلى المعرفة المتطورة والتكنولوجيا الحديثة، واستخدامها كوسائل هجومية في معارك غير متماثلة؛ لتحقيق المصالح الفردية والجماعية. ومنها أن تسعى العصابات إلى شن هجمات تهدف إلى تعطيل العمليات الحكومية، وإثارة الخوف العام، عبر وسائل شديدة التخفية وفائقة التخطيط والمفاجأة، بما فيها قرصنة الكمبيوتر، وزعزعة ثقة الحكومات والشركات على نطاق عالمي، وكذلك استخدام برامج وشبكات المعلومات للتواصل والتنظيم والاستعلام والحشد وتوجيه الجهود وإدارة الجموع. ويضاف إلى ملامح الجيل الخامس للحرب -حكومات أو مجموعات غير حكومية- قدرة من يشن حربا باستخدام الجيل الخامس على استخدام وسائل معقدة في المجال العلمي والاقتصادي مستفيدين من مصادر الاستخبارات والمعلومات المفتوحة؛ في شتى المجالات والنظريات والأبحاث الصناعية المعقدة. ويضاعف من فعالية الجيل الخامس المفترضة تلك القدرات الممكنة على المستويات الفردية والجماعية للاتصال العالمي، والقدرة على العمل التخريبي من خلال الإنترنت والوسائط الإلكترونية المختلفة. ومن المؤكد أن هنالك سباقاً بين القوى المتضادة في مسرح الحرب الحديثة للفوز بالمستجدات والمفاجآت لتسخيرها في تحقيق مكاسب وانتصارات بين الهجوم والدفاع؛ ليس فقط مجال الجبهات الحربية بل وفي إنشاء وإدارة الأزمات المحلية. وسوف تكون التغيرات السياسية والاجتماعية والصناعية المستقبلية عاملاً مهماً في تحولات أكبر في سباق إدارة الأزمات وفن الحرب؛ واستخداتكتيكات متجددة في العمليات العسكرية والأمنية، قد يصعب التنبؤ بها اليوم. ويعتقد أن الجيل الخامس للحرب أخذ يتشكل بعد هجمات 11 سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة الأمريكية، وما تبعها من حملات أمريكية في أفغانستان والعراق، وما صاحبها من تفجيرات متفرقة في أوروبا، وبعض بلدان الشرق الأوسط. فقد واجهت الحملات الأمريكية المدعومة من دول الغرب تكتيكات متجددة وغير مقيدة في أكثر من مسرح منها التفجيرات التي تمت في قطاع النقل الجماعي بمدريد في إسبانيا؛ وكذلك هجمات مترو الأنفاق في لندن، وغيرها من الهجمات المتفرقة على المسرح العالمي. وهنالك من يعتقد أن بعض تلك الهجمات قد تكون مستقلة عن حرب القاعدة، وينفذها أشخاص بمفردهم ينتمون إلى خلايا محلية. إلا أن أكثر استخدامات الجيل الخامس فعالية اتضحت معالمها في العراق وفي أفغانستان. فقد شنّت الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً تقليدية هائلة في نيرانها ومكونات قوتها؛ وأسقطت نظامين حكوميين بخطط خاطفة وحرب شاملة. ورغم ما تملكه القوى الغربية من تقنيات مذهلة في التجسس والاستطلاع والتحليل، وأسلحة متطورة دقيقة الإصابة وشديدة التخفي، لكنها عجزت عن تحقيق نصر شامل؛ أو حسم الأمور لصالحها. فقد حرَّكت جيوشها وشنت حملاتها دون دراسة صحيحة لبيئة ومسرح العمليات في كلا البلدين؛ وأغفل مخططو الحرب الأمريكيون التخطيط لإستراتيجية خروج آمن بعد تحقيق الأهداف في مدة زمنية مقبولة؛ وبخسائر متوقعة ممكنة. ويبدو أن المخططين الأمريكيين لم يضعوا في حسابهم بروز مقاومة تعمل بأساليب متطورة، ومختلفة نسبياً عن فكر المقاومة وتكتيكاتها التقليدية؛ المعروفة في مواجهات وقتال الجيل الرابع. فبعد السيطرة الأمريكية الكاملة على القطر العراقي براً وبحراً وجواً، واجهت القوات الأمريكية والغربية عناصر قتال شرسة، وبتكتيكات وأساليب ليست مهيأة لمواجهتها والقضاء عليها؛ رغم تفوق وحجم قوى التحالف وتمكنها من مفاصل القوة على الأرض العراقية. لم تواجه القوى الغربية في العراق عناصر مقاومة تعتمد حرب العصابات المعروفة بمفاهيم الجيل الرابع للحرب فقط؛ بل وجدت نفسها تقاتل ضد مقاومة غامضة ومتعددة الأوجه والإمكانات والتكتيكات؛ يعتقد أنها إرهاصات الجيل الخامس للحرب. ولعل أكثر ما كان متيسراً لقوات التحالف الغربي في العراق أنها تمكنت على وجه السرعة من إعادة تدريب بعض قواتها على القتال في المدن والمناطق الحضرية والشوار؛وركزت في ذلك على تجهيز قواتها لعمليات الجيل الرابع من الحرب. ولم تتمكن من إخماد عمليات قوى المقاومة التي تصاعدت عملياتها، وتعددت غاياتها وقياداتها، واستخدمت كافة المصادر المفتوحة عسكريا وتقنيا. ورغم مضاعفة أعداد القوات الأمريكية، مدعومة بقوات التحالف، إلا أنها استمرت مدة طويلة تقارب التسع سنوات، وتكبدت خسائر فادحة بشرية ومادية ومعنوية. وذلك ما جعل القوات الأمريكية وحلفاءها تعلن انسحابها من العراق تباعاً؛ ولا تزال عمليات المقاومة فاعلة ومستمرة. وفي أفغانستان، لم يعد خافياً دخول القوات الأمريكية ومن يقاتل بجانبها من التحالف الغربي في دوامة لم تحسب حسابها قبل شن الحرب؛ ولم تتمكن رغم إمكاناتها الهائلة من تحقيق غاية الحرب؛ رغم الخسائر الهائلة.

إن مفهوم الجيل الخامس للحرب في زمننا الحاضر، يبرهن على حقيقة معنى «قوة الضعيف». تلك القوة التي تضاعف فعالياتها بغايات ووسائل وأساليب غير تقليدية؛ أثبتتها الحالة اليائسة للقوى العظمى، رغم إمكاناتها وقوتها الجبارة في كل من العراق وأفغانستان. وما سقوط حكومات عربية قوية، في مواجهة قوى ضعيفة وغير متماثلة أيضا، إلا دليل آخر على فشل السياسيين وهزائم العسكريين؛ وهذا شأن يستحق الاهتمام والتحليل. والسؤال الأهم، يفترض أن يكون عن طبيعة التغييرات المستقبلية؛ على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، التي تسهم في تسارع تغير أساليب ووسائل إدارة الأزمات وشن الحروب. والسؤال نفسه: إلى أي مدى ستتمكن المجموعات والأفراد من تحقيق أنواع من التحديات المتجددة للحكومات ومؤسساتها العسكرية والأمنية، في ظل بيئة سياسية واجتماعية سريعة التغير؟

* عضو مجلس الشورى

mabosak@yahoo.com
 

فشل السياسيين وهزيمة العسكر: (2-2)
الجيل الخامس للحرب
محمد أبو ساق

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة