ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 02/02/2012/2012 Issue 14371

 14371 الخميس 10 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قد لا يختلف اثنان بأن سنة 2011 المنصرمة كانت سنة تحولات عميقة ومفصلية للمنظر السياسي في العالم العربي. منظرًا أطاح بثلاثة أنظمة كانت بداياتها تونس مرورًا بمصر ثم ليبيا مع تغيير محتمل في القيادة في اليمن تم الاتفاق عليه بموجب المبادرة الخليجية ووضع دموي متأزم للغاية في سوريا. كذلك فقد يتفق الجميع بأن القاسم المشترك الذي أعقب ما تم تسميته اصطلاحًا بالربيع العربي هو فوز شبه ساحق للأحزاب الإسلامية.

هذه الظاهرة التي غيّرت الخريطة السياسية للعام العربي تستدعي الكثير من البحث والدراسة المنهجية لمعرفة الأسباب التي أدت لحدوثها.

ولاستقراء ما جرى ويجري في العالم العربي من ثورات يمكن للمراقب أن يلاحظ بأن هناك قاسمًا مشتركًا كان المحرك الرئيس وراء هذه الثورات في البلدان التي حدثت فيها وهو إن كانت كلّها وبنسب مختلفة أقصت الدين بطريقة أو بأخرى من الحياة السياسية لشعوب تلك البلدان. وإن كان السبب الظاهر للعيان هو تفشي الفساد وازدياد في إعداد العاطلين عن العمل، وهما وإن كانا سببين غير مباشرين في تشكيل خلفية ما حدث في العالم العربي، بيد أن إقصاء الدين كان هو السبب المباشر ويؤكد صحة هذه الفرضية هو الفوز شبه الساحق للإسلاميين في كل من تونس ومصر وتؤكد المؤشرات بأنهم هم من سيشكلون الحكومات القادمة في دول الربيع العربي. ولإعطاء القارئ الكريم صورة عن موضوع المقالة كان لازمًا تتبع مختصر لتاريخ الحركات الإسلامية في دول الربيع العربي.

قبل أيام مضت وفي 14 يناير احتفلت الجمهورية التونسية الشقيقة بالذكرى الأولى لقيام ثورتها -وكما هو معروف- كانت شرارة الربيع العربي قد بدأت بتونس في 17 ديسمبر 2010 بإضرام محمد البوعزيزي النار في نفسه في بلدة سيدي بو زيد في الجنوب التونسي.

حدث كان سيمر كأي حدث لولا أن الاحتقان السياسي في تونس قد بلغ أقصى مداه بعد ثلاث وعشرين سنة من حكم زين العابدين بن علي الذي ورث إرث بو رقيبة العلماني وكان جادًا ولحد بعيد في تغييره وخصوصًا في سنوات حكمه الأولى لولا أن قوى الحرس القديم حالت دون ذلك.

حكم الحبيب بو رقيبة تونس بعد الاستقلال ورسخ القيم العلمانية عن طريق الحزب الدستوري الذي تم حلّه بعد الثورة الذي أسسه عبد العزيز الثعالبي أحد أبرز رواد الإصلاح في تونس قبل الاستقلال الذي كان يؤمن إيمانًا عميقًا بأن مصدر التشريع في البلاد العربية والإسلامية يجب أن يكون مرتكزًا على الشريعة الإسلامية. وتخلى بو رقيبة الذي كان معجبًا حتَّى النخاع بالعلمانية الغربية عن كل مبادئ الثعالبي وأسس الجمهورية التونسية الحديثة بحزب الثعالبي ولكن بأفكار ومفاهيم غربية بحتة تم فيها إقصاء الموروث الديني الإسلامي للشعب التونسي ولم تسلم اللغة العربية من هذا الإقصاء وحلّت عن عوضها اللغة الفرنسية في التعليم ومعاملات الدولة.

كانت نتيجة الفكر البورقيبي أن نضال الوطنيين التونسيين المنتسبين لجامع الزيتونة الشهير تمت مصادرته لصالح نخبة مثقفة تثقيفًا فرانكوفرونيًا، ترى في مبادئ الجمهورية الفرنسية خاصة والغربية عامة وسيلة لبناء الدولة التونسية الحديثة.

ويمكن القول: إن هذا المشروع نجح وفي بداياته الأولى وعلى السطح بيد أن قلب وقالب غالبية الشعب التونسي بقيت وفية لموروثها الثقافي العربي الإسلامي وعندما سنحت الفرصة بعد ست وخمسين سنة من تطبيق الفكر البورقيبي جاء 14 يناير 2011 ليغيّر المعادلة في تونس ويعيد دفة التاريخ بتونس إلى جذورها العربية الإسلامية بوسطية ومرجعية إسلامية يؤمل منها أن تكون وسطية لا إفراط فيها ولا تفريط. وإن كان العديد من المراقبين ينتقدون بشدة تحالفات بعض القيادات الإسلامية التونسية مع الحكومة الإيرانية التي لم يُعد خافيًا على القاصي والداني تهديداتها التي تعلنها صباح مساء ضد الدول العربية في منطقة الخليج العربي ومحاولاتها المستميتة في نشر المذهب الشيعي في بلاد المغرب العربي عامة وتونس خاصة كونها كانت حاضنة لأول دولة شيعة، دولة أبو عبيدالله المهدي بالقيروان في العام 910م التي أسسها له عبيدالله الشيعي الذي كان جزاؤه القتل على يد أبي عبيدالله المهدي في 911م.

وفي الخامس والعشرين من يناير احتفلت جمهورية مصر العربية بالذكرى الأولى لتنحي الرئيس المصري محمد حسني مبارك عن الحكم وتولي مجلس عسكري شؤون البلاد لمرحلة انتقالية.

وفي مصر قبل وبعد ثورة 23 يوليو 1953م التي قادها الضباط الأحرار كانت كل القوى السياسية في مصر تضع في حساباتها الموروث الديني للشعب المصري وتحاول دائمًا عدم التصادم مع التيار الإسلامي.

ولقد فطن لهذا كل من الرؤساء جمال عبدالناصر والرئيس السادات، فتعامل الأول مع التيار الإسلامي بحذر ثم بقسوة تبعت محاولة اغتياله نسبت خيوطها للتيار الإسلامي وأفرزت انقسامات حادة في المجتمع لم تزل ظاهرة للعيان في المجتمع المصري بين مؤيد لعبد الناصر وكاره له.

بيد أن السادات تعامل بسياسة العصا والجزرة ولكنه لم يتصادم معه، وكلا الرئيسين ناصر والسادات دعما دومًا مؤسسة الأزهر التي كان لها نفوذ واسع في الشأن الداخلي في مصر وعززت نشاطاتها في خارج مصر.

في المقابل قوّض إلى حد بعيد شأن دور الأزهر في الحياة العامة في مصر في عهد الرئيس مبارك وربما ليس بتعليمات مباشرة منه، بل من خلال شخصيات من تولوا رئاسة الوزراء في عهده وخصوصًا في السنوات الأخيرة من حكمة. فتم بهذا الخصوص تقليص رسالة ودور الأزهر في الشأن العام وتقليص ميزانيته وفرص وامتيازات المنتسبين إليه.

ويمكن للمراقب للشأن المصري أن يلاحظ بأنه كلَّما كان دور الأزهر قويًا قويت شوكة الدولة المصرية داخليًا والعكس صحيح.

جاءت ثورة 25 يناير مفاجأة للجميع وشارك في صنعها رموز من المعارضة المصرية وحركة 6 أبريل وحركة كفاية. وبمفاجات أخرى ومن خلال الانتخابات التشريعية لاختيار مجلس الشعب المصري التي تمت على ثلاث مراحل تفوقت الأحزاب الإسلامية على الأحزاب المدنية. فحصل الأخوان المسلمون على حصة الأسد وإن كان هذا لم يكن مستغربًا، حيث إن لهم تاريخًا حافلاً وطويلاً في الحياة السياسية المصرية منذ تأسيسهم على يد الشيخ حسن البنا في العشرينات الميلادية من القرن المنصرم. ولكن المفاجئ هو فوز حزب النور، حزب الحركة السلفية المصرية، والذين لم يكن لهم حزب يمثلهم وينضمون تحت لوائه إلا قبل إجراء الانتخابات بفترة وجيزة مما يؤكد مرة أخرى صحة أن الربيع العربي كان الإقصاء الديني هو العامل الرئيس وراء حدوثه.

في المقابل كان أداء أحزاب مدنية مصرية عريقة كالوفد محبطه للآمال، في رسالة من الشعب المصري بأنه آن الأوان إعطاء الأحزاب الإسلامية المصرية دورها في الحياة السياسية المصرية.

وما حدث في ليبيا كان لا محال حادث، فبعد اثنين وأربعين عامًا من حكم فردي أقصى الجميع ولم يفرق بين إسلامي وعلماني، عانى فيها الليبيون الأمرين ونهبت ثروات بلادهم وتركت ليبيا ببنية تحتية بائسة. جاءت انتفاضة 15 فبراير لتنهي حكم العقيد القذافي بمقتله في 20 أكتوبر 2011م، لينهي مقتله صفحة معتمة من تاريخ ليبيا الحديث. صفحة لا يتذكر الليبيون منها سوى الإقصاء التام، أصبحت فيه الدولة وبكل مقوماتها تحت حكم رجل واحد، دولة كان من الممكن أن تكون نموذجًا يحتذي به في شمال إفريقيا بما حباها الله به من ثروات طبيعية هائلة وموقع جغرافي مميز. وأدريت زمام الأمور فيها بفكر اشتراكي مقيت وبأطروحات كتاب أخضر بدلاً عمّا جاء في كتاب الله وشرعه الذي لم يستطع اثنان وأربعون عامًا من حكم تعسفي بغيظ أن تمحو حنين غالبية الشعب الليبي المتدين للعودة إليها والاحتكام لها.

لم يترك القذافي سواء على الأرض أو في قلوب غالبية الليبيين ما يشفع له، بل ترك وراءه ذاكرة شعب اكتوى بسياسات ارتجالية أهدرت ثروات ليبيا وبنية تحتية متخلفة ومئات الآلاف من الليبيين المنفيين في كافة بقاع العالم.

لعلَّ اليمن هو الحالة الاستثنائية في دول الربيع العربي، فالموروث الديني كان دائمًا في الصورة ولم تحاول الدولة إقصاءه بل بدءًا وكأنه من ساعد إلى حد كبير في عدم اشتعال حرب أهلية في البلاد. ثم جاءت المبادرة الخليجية لتحقن دماء اليمنيين برعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز، التي وقع عليها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والمعارضة في الرياض بتاريخ 27 من ذي الحجة 1432هـ الموافق 23 نوفمبر 2011م لتضع نهاية لما كان من المحتمل أن تؤول إليه الأمور بحرب أهلية لشعب مدجج بالسلاح، حيث تشير كثير من الإحصائيات بأن هناك أكثر من عشرة ملايين قطعة سلاح في يد أفراد الشعب اليمني، ولنا أن نتصور وبهذه الكمية الهائلة من الأسلحة ما كانت ستؤول له الأمور لو لا سمح الله نشبت حرب أهلية في اليمن بين الأطراف المتنازعة.

الوضع في سوريا هو الوضع الأكثر خطورة والمثال الصارخ على إقصاء الموروث الديني للشعب السوري المسلم. وهو إقصاء ممنهج لم يبدأ البارحة، بل هو نتاج سياسات منظمة وفكر علماني مؤدلج، حيث يقول مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق: «الإسلام كان محرك العرب، أما اليوم فالقومية وحدها هي الأساس، ولا يمكن أن يفهم العرب لغة غيرها».

وحزب البعث الاشتراكي يحكم سوريا منذ مارس 1963م، وخلال فترة حكمه التي ناهزت الخمسين سنة رمي هذا الحزب كل القيم والمبادئ الإسلامية التي تشكل ضمير غالبية الشعب السوري وراء ظهره واستورد عوضًا عنها مفاهيم وشعارات براقة من الشرق تارة ومن الغرب تارة أخرى. مفاهيم وشعارات أثبتت الأحداث السابقة والحالية في سوريا بأنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به.

ففي عام 1982م ارتكبت مجزرة حماة التي تقول بعض المصادر بأن ضحاياها تجاوز الخمسين ألفاً في أيام معدودات. مجزرة ارتكبت من دون شهود عليها ونشاهد الآن مجزرة يومية ترتكب بحق الشعب السوري وفي كل مدنه ولكن بشهود على فظاعة الجريمة المرتكبة لنظام سئم شعبه من شعاراته البارقة ليتضح زيفها وكذبها وخداعها، ولتصدق مقولة بأنك يمكن أن تخدع الناس بعض الوقت ولكنك لا يمكنك أن تخدعهم كل الوقت على نظام البعث في سوريا، فالدماء أريقت والأرواح أزهقت ومصير البلاد والعباد في مهب الريح.

يبقى سؤال يلّح في ذكرى ما جرى في دول الربيع العربي وهو وفي ظل غياب التطبيق التام لما جاءت به الشريعة الإسلامية هل ممكن أن تهدأ الأمور وتعود الحياة إلى ما هو في صالح شعوب بلاد الربيع العربي؟

لعلَّ الإجابة نراها في بلادنا والحمد لله وهي البلد الوحيد في العالم الذي يطبق حكم الله الذي ارتضاه لعباده ولم يرض عليه بديلاً. ولم يكن هذا التطبيق وليد البارحة أو بسبب ظروف أو حسابات سياسية آنية أو غيرها، بل بقناعة راسخة ضارية بجذورها في هذه الأرض المباركة بتطبيق لشرع الله في كل مناحي الحياة بدءًا من تحالف الإمام محمد بن سعود وقبل ما يقارب المائتين وسبعين سنة مع الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب في الدولة السعودية الأولى عام 1156هـ الموافق 1744م. مرورًا بالدولة السعودية الثانية على يد الإمام الفذ الشجاع تركي بن عبد الله عام 1239هـ الموافق 1824م وانتهاءً بمسك الختام المؤسس الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الذي وحد البلاد في 23 جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م، رحمهم الله جميعًا وجعل ما قدموه من نصرة لدين الحق في ميزان حسناتهم.

ولقد جاء النظام الأساسي للحكم الصادر بتاريخ 27-8-1412هـ ليؤكد ما قرره وأكّد عليه المؤسسون الأوائل، حيث تشير مادته الأولى إلى أن المملكة العربية السعودية دولة إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام ودستورها كتاب الله وسنّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ولغتها هي اللغة العربية.

*باحث إعلامي

Alfal1@ hotmail.com
 

في ذكرى الربيع العربي
شرارة التفجير: إقصاء الموروث الديني
د. محمد بن يحيى الفال

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة