ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 02/02/2012/2012 Issue 14371

 14371 الخميس 10 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

دوليات

 

الهند تصارع الفساد
شاشي ثارور

رجوع

 

نيودلهي - أنهت الهند عام 2011 وسط فوضى سياسية، بعد انهيار «مشروع قانون لوكبال»، الذي طال انتظاره والذي يهدف إلى خلق هيئة قوية ومستقلة لمكافحة الفساد، وسط موجة صاخبة من الاتهامات المتبادلة في مجلس الشورى، رغم إقراره في مجلس النواب قبل يومين. والواقع أن هذه الأحداث، التي أدت إلى تعليق مشروع القانون إلى أن يصبح في الإمكان إحياؤه من جديد في الدورة المقبلة، يثير عدداً من القضايا الجوهرية المرتبطة بالسياسة الهندية والتي لابد من التعامل معها في العام الجديد.

طُرح مشروع القانون هذا للنقاش أول مرة في عام 1968، ولكن ثماني محاولات متعاقبة لتأسيس الهيئة لم تنجح في الوصول إلى التصويت البرلماني. ويرجع الفضل في التنبيه إلى أهمية هذه القضية التي تحولت إلى مشكلة أبدية في السياسة الهندية إلى الحملة الجماهيرية التي تكتلت حول الزعيمة الغاندية آنا هازاري، التي أصرت على أن «مشروع قانون جان لوكبال» (هيئة تحقيق المظالم الشعبية)، والذي صاغه أتباع غاندي، لابد وأن يسن جملة وتفصيلا.

كان إضراب هازاري عن الطعام مرتين، تحت تغطية إعلامية كبيرة من جانب القنوات الإخبارية في الهند، وبحضور مئات الآلاف من الأنصار، سبباً في دفع الحكومة إلى التعجيل بالإعداد لمشروع القانون والنظر فيه. والواقع أن المشروع يختلف في جوانب عديدة عن تصور هازاري، ولكنه حافظ على ما سعى أغلب الناس إلى تحقيقه من خلاله - تأسيس هيئة مستقلة لديها مواردها التحقيقية الخاصة وتتمتع بسلطات الادعاء العام.

وبعد استدعاء البرلمانيين للعودة إلى العمل بعد إجازة الميلاد في جلسة شتوية طويلة غير مسبوقة، تم إقرار مشروع القانون في مجلس النواب، حيث يتمتع الائتلاف الحاكم بأغلبية ضئيلة. ولكن المحاولات التي بذلتها الحكومة لترسيخ القانون في تعديل دستوري، وبالتالي رفع مستوى سلطات الهيئة، فشلت في تأمين التأييد اللازم من قِبَل ثلثي الأعضاء. ورغم ذلك فإن إقرار مشروع القانون بعد 43 عاماً من التعطيل كان حدثاً شبه تاريخي.

ثم انتقلت القضية إلى مجلس الشيوخ، حيث تفتقر الحكومة إلى الأغلبية. وبعد جلسة استمرت إلى منتصف الليل، وتخللها تقديم 187 تعديل (أغلبها من جانب المعارضة ولكن بعضها من جانب أعضاء تحالف حزب المؤتمر الحاكم)، زعمت الحكومة أنها غير قادرة على معالجة كل التعديلات في الوقت المناسب. فصاح الأعضاء الغاضبين معربين عن استيائهم (حتى أنه أحدهم مزق مشروع القانون في مشهد درامي)، فقرر رئيس مجلس الشيوخ، نائب الرئيس الهندي حامد أنصاري، وقف الإجراءات من دون تصويت.

ثم تبادلت كل الأطراف الاتهامات. فزعم البعض أن مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة، والذي يقضي بإنشاء هيئات مماثلة في كل الولايات الهندية، يشكل اعتداءً على الفيدرالية الهندية. وزعم آخرون أن الحكومة تواطأت في تعطيل عمل مجلس الشيوخ، لأنها تدرك أنها لن تتمكن من الفوز بالتصويت؛ واقترح البعض في ادعاء غير معقول أن الحكومة لم تكن راغبة في تمرير مشروع القانون؛ بل إن آخرين زعموا أن الحكومة كانت لتؤسس هيئة «ضعيفة» حتى أن مشروع القانون لا يستحق التمرير. ولقد اقترحت الحكومة بتجهم أنها قد تعود إلى لوحة التصميم وقد وضعت نصب عينيها تحقيق هدف إحياء مشروع القانون أثناء جلسة مناقشة الميزانية في البرلمان، والمقررة في مارس/آذار.

أياً كانت النتائج، فإن الحاجة إلى التصدي للفساد لا يمكن إنكارها. ففي دراسة استقصائية أجرتها مؤخراً منظمة الشفافية الدولية المعنية بمراقبة الفساد، قال 54% من الهنود الذي شملتهم الدراسة إنهم دفعوا رشاوى في العامين الماضيين في إطار تعاملهم مع الشرطة والموظفين البيروقراطيين، بل وحتى المؤسسات التعليمية.

وفي حين مالت وسائل الإعلام إلى التركيز على حالات الفساد الكبرى، كتلك التي كشفت عنها الفضائح الجارية فيما يرتبط بتخصيص نطاق لشركات الاتصالات أو تنظيم دولة ألعاب الكومنولث، فإن حالات الفساد الصغيرة تؤثر على الناس بشكل أكثر مباشرة. والواقع أن التأييد الجماهيري الحاشد الذي حظيت به هازاري يعكس الإحباط الحقيقي الذي يشعر به أغلب الهنود إزاء الفساد الذي يعكر صفو حياتهم اليومية، وليس الفهم الواضح للمقترحات التي تطرحها هازاري لمكافحة الفساد.

في كل مرة تضطر امرأة حبلى فقيرة إلى تقديم رشوة من أجل الحصول على سرير في مستشفى (وهو حق أصيل) حتى لا تضع وليدها على الأرض؛ وفي كل مرة تعجز أرملة عن الحصول على المعاش التقاعدي الذي ينبغي أن يكون حقاً قانونياً لها، إلا إذا قدمت رشوة لأحد الموظفين لإنهاء أوراقها؛ وفي كل مرة يعجز ابن عن استخراج شهادة وفاة لوالده إلا إذا قدم رشوة لموظف تافه في البلدية، يدرك الهنود تمام الإدراك أن النظام خذلهم. وهم محقون في التنفيس عن غضبهم باللجوء إلى الكسب غير المشروع.

والواقع أن الفساد في الهند أوسع وأعمق كثيراً مما قد توحي به العناوين الرئيسية. ولن يكون مشروع قانون لوكبال علاجاً شافياً لكل العلل، بل إنه أداة واحدة بين أدوات أخرى مطلوبة، إلى جانب الإصلاحات اللازمة لزيادة الشفافية، وحماية المبلغين عن المخالفات، ومنع التهرب الضريبي، وتطهير تمويل الحملات الانتخابية، والحد من السلطات التقديرية التي يتمتع بها الموظفون الرسميون، والتي تسمح لهم بالتربح من مناصبهم.

لن يتمكن المفتشون والمدعون العموميون من الإمساك بكل المجرمين؛ ويتعين على الهند أن تغير نظامها حتى يتسنى لها الحد من عدد الجرائم المرتكبة. ولا يقتصر الفساد على سوء الإدارة الحكومية على مستوى عال؛ والتغلب عليه يستلزم ما لا يقل عن تغيير عقلية الهنود. ففي مقابل كل مرتشي هناك راش يبحث عن طريق مختصر للحصول على ميزة غير مستحقة. وكما قال المهاتما غاندي فإننا لابد وأن نكون التغيير الذي نريد أن نراه في الهند. ولن ينتهي الفساد قبل أن يكف الهنود عن تقديم الرشاوى أو تلقيها.

وباعتباري سياسياً منتخبا، فأنا أدرك تمام الإدراك أن حملة هازاري أشعلت الخيال والحماس في أنفس العديد من الشباب في بلادي. ويتعين على البرلمان الهندي أن يستمر في مناقشة كل الخيارات المتاحة. ومن الأهمية بمكان ألا نخون توقعات عامة الناس؛ ولكن لا يجوز لنا أيضاً أن نتصرف بطريقة غير مسؤولة. يتعين علينا أن نسعى إلى الصواب، ولكن يتعين علينا أيضاً أن نجتهد في فعل الصواب.

- خاص بـ « الجزيرة «

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة