ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 07/02/2012/2012 Issue 14376

 14376 الثلاثاء 15 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

من الوسائل التحفيزية الشائعة هي ما يسمى «التصور»، فمثلاً إذا بدأت مشروعاً صغيراً فإنك تستلقي كل يوم لعدة دقائق وتغمض عينيك وتتخيل مشروعك وقد توسع، وتتخيل النجاح يزداد حتى ينتشر اسمك في الآفاق، تعيش النجاح وتتخيل النقود وهي في يديك، وهكذا، ويوصي به البعض بشدة كتمرين يومي، وفكرته قائمة على أن الإنسان إذا تخيل شيئاً وعاشه في ذهنه فإن العقل الباطن يحول التصور إلى حقيقة بعد فترة. للتوضيح، العقل الباطن هو نظير العقل الواعي، فالواعي هو ما تستخدمه الآن وأنت تقرأ هذه الكلمات، أما الباطن فهو المحرك القوي الخفي الذي يتحكم بتنفسك وضربات قلبك. رغم أن قوة العقل الباطن معروفة إلا أن طريقة التصور هذه فاشلة، بل تأتي بنتيجة عكسية، وهذه هي النتيجة الغريبة التي توصل لها باحثون عام 2011م بعد سلسلة من التجارب على فريقين من المتطوعين، فقد وجدوا أن هذه الطريقة تسلب العقل من طموحه، فعندما تتخيل نفسك -مثلاً- وقد اجتزت الجامعة بتفوق وعشت المشهد حياً في ذهنك فإن الذي يحدث هو أن العقل يصدق هذا ويبدأ في التكاسل ظاناً أن الهدف قد تحقق، ووجد الباحثون أن المتخيلين هبط ضغط الدم عندهم وخفت ضربات القلب وارتاح العقل، واتضح لهم أنه كلما زادت الرغبة في النجاح كلما سلب العقل مزيداً من همتك، وفي نهاية التجربة أنجز الفريق الذي لم يطبق طريقة التصور من الأهداف أكثر من الفريق الثاني الذي طبقها.

هذا مثال لقوة العقل الباطن وكيف يمكن أن يكون تأثيره سلبياً وأنت لا تشعر، لكن العكس صحيح أيضاً. من أشهر الكتب في العصر الحديث كتاب «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس» للكاتب ديل كارنغي. نُشر الكتاب عام 1936م وبيعت منه ملايين النسخ ولا زال إلى اليوم من أشهر ما كُتِب، وهو مليء بالنصائح والأساليب النفسية التي يمكن للمرء استخدامها ليصنع في الناس تأثيراً مرغوباً، ويعطي الكاتب نصائع متعددة تتراوح بين الإنصات والثناء والصبر وغيرها، كلها منثورة في ما يقارب 300 صفحة، لكن الذي قد يفاجئكم هو أن التأثير على الناس أسهل من هذا بكثير ولا يتطلب إلا شيئاً بسيطاً: كوب من القهوة! كيف؟ اسألوا جون بارج والفواكه التي رُمِيَت عليه!

جون بارج بروفسور في علم النفس الاجتماعي في جامعة ييل الأمريكية. في التسعينيات من القرن الماضي نشر بحثاً أثار غضباً في المجتمع النفسي، ذلك أنه حوى تجارب زعم أنها تثبت أن السلوك البشري يمكن التأثير عليه بسهولة بالغة وذلك باستخدام طرق معينة مهمتها أن تؤثر على العقل الباطن، ومن ثم تغير سلوك الناس دون علمهم، وسماها «التجهيز»، أي كأنك تقوم بتجهيز الشخص ليفعل شيئاً ترغبه. لفترة بعد نشر هذا البحث كان بارج يتلقى الكثير من الانتقاد، وكان إذا حضر مؤتمراً وأتى دوره في الكلام قُذِف بالتفاح والبرتقال! كان سبب الغضب في رأي المجتمع النفسي هو أن بارج تعدى في هذه النظرية حدود المقبول وأن الطريقة يمكن أن تُستخدم في أشياء لا أخلاقية وأنها مستبعدة أصلاً. جاء عام 2008م وقام لورنس ويليامز بعمل تجربة أثبتت بشكل قاطع صحة أبحاث أستاذه، ولورنس أحد تلاميذ بارج الذين يحضّرون الدكتوراه، وقام لورنس بتصوير التجربة وبثها على الإنترنت وأثارت المزيد من الجدل.

ما هي هذه التجربة؟

في مبنى الطب النفسي بالجامعة اصطحب لورنس شخصاً عشوائياً إلى طابق آخر ليسأله بعض الأسئلة وذلك بعد موافقة الشخص على مقابلة قصيرة، وهذا الشخص سنسميه المُجهَّز. كان لورنس يحمل ورقة وقلماً وكوباً من القهوة الساخنة. أثناء نزول المصعد ناول لورنس الكوب الدافئ للمُجهَّز ليحمله قليلاً بينما يسأله لورنس عن اسمه ومعلومات أخرى. وصلا للطابق المنشود وأخذ لورنس الكوب منه ودخل المُجهَّز الغرفة والتي يجلس فيها رجل يعرفه لورنس وهو جزء من التجربة دون علم المُجهَّز. غاب لورنس لبضع دقائق، وفي غيبته سأل الرجلُ المُجهَّزَ عن حاله وعن الطقس إلخ، لطافة اجتماعية، ثم غادر الغرفة. عاد لورنس وبدأ يسأل المُجهَّز بعض الأسئلة، ثم سأله: «سنوظف شخصاً في منصب قيادي وهذا الرجل الذي رأيتَه الآن أحد المرشحين. هل يستحق هذ المنصب؟»، و أجاب المُجهَّز: «نعم، فقد بدا لطيفاً». ظن المُجهَّز أن السؤال جانبي لا أهمية له ولكن كان ذلك هو السؤال الأساسي. كرر لورنس التجربة مع أكثر من شخص وأعطوا آراءً إيجابية عن الرجل. ثم أتى الجزء الثاني، فكرر لورنس نفس التجربة ولكن بدلاً من الكوب الساخن استخدم لورنس قدحاً من القهوة المثلجة، والباقي كما هو، نفس الرجل ونفس الأسئلة. ماذا حصل؟ تغيرت إجابات المُجهَّزين إلى السلب! توالت الإجابات بين «لا، إنه غير مناسب» و «لا يبدو لي قائداً ناجحاً» و»لم أرتح له». الذي حصل أن لورنس قام «بتجهيز» الناس بالحرارة ليكونوا إيجابيين أو سلبيين، وأظهرت التجربة أن الناس إذا تعاملوا مع الحرارة قبل أن يحكموا على شيء أو شخص ما فإن هناك احتمالاً عالياً أن يشعروا بالدفء النفسي تجاه الشخص كما شعروا قبلها بالدفء الجسدي، والبرودة الحسية تخلق إحساساً لا شعورياً بالبرودة الاجتماعية والنفور.

هذا عقلك الباطن. إنه عملاق مربوط، إما أن تهمله فيتفلت إلى حيث شاء أو أن تسيّره حيث ترغب.. حتى لو كان ملك غيرك!

 

الحديقة
العملاق.. إما معك وإما ضدك!
إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة