ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 10/02/2012/2012 Issue 14379

 14379 الجمعة 18 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لا بد لكل ذي قلب أن يحزن ويتألم، إلا إذا كان قلبه من حجر. ولا بد لكل ذي عقل أن يعي ويفطن، إلا إذا كان عقله ليس عقل بشر. ولا بد لكل ذي فكر أن يتدبر ويتفكر، إلا إذا كان عقله شذر.ماذا دهى أبناء أمتنا العربية؟ دماء تُسفك، وأموال تُسرق، وأعراض تُنتهك، وأمهات ثكلى، وأطفال قتلى، ترملت النساء، وتيتم الأطفال، وافتقر الرجال، ولا حول ولا قوة إلا بالله. إن كانت الغاية إحداث التغيير، فهذا شأنهم، وإن كان المطلب إصلاح التسيير، فهذا أمرهم، وإن كان الشأو نصرة المظلوم، فهذا رأيهم. لكن ألا يستحق بلوغ ذلك حسن التدبير؟ دهشة تغشي كل ذي بصر وبصيرة، وهو يرى التلفاز، ينقل لنا رؤوساً تقطع، وأجساداً تمزق ودماء تسيل، والأسباب قد تكون واهية في جلها، صحيحة في بعضها لكنها لا يمكن أن تصل إلى فعل هذا.ماذا جرى حتى يقتل الأخ أخيه، والجار جاره والزميل زميله، ولن أقول أليس فيكم رجل رشيد؟ فنحن لا نشك أن الرجال والنساء الراشدين كثير، وهناك من تقطر قلوبهم دماً غزيراً، لكن ما كان هذا بمفيد إذا لم ينعكس على الواقع، وتشهد به الوقائع.لقد اختلط الحابل بالنابل، ولم يعد هناك مسؤول وسائل، فالكل أضحى كل شيء، والله المستعان. ودخل الهمازون المشاؤون بنميم، والواشون الذين لا يلبثون أن يصدعوا العصا، والغواة الذين لا يتركون أديماً صحيحاً. أليس الوطن محبوباً، والمنشأ مألوفاً، واللبيب من يحب وطنه حب النجيب إلى عطنه، والكريم لا يخرب أرضاً فيها قوابله، ولا يدمر بلداً فيها مواضعه.وكأني بهم بين معنيين لشاعرين، أحدهما القطامي الذي يدعو إلى التأني وعدم الاستعجال، حيث يقول:

قد يدرك المتأني بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزلل

أما البعض الآخر، فقد أخذ بما قال له أعرابي سمع البيت الأول، وأدرك معناه فلم يستحسنه فقال: هذا يبطئ الناس، هلا قال بعد هذا:

وربما ضر بعض الناس بطئهم

وكان خيراً لهم لو أنهم عجلوا

ومهما يكن، بطء أو استعجال، فإن أي تدبير لا تصاحبه حكمة يكون مآله في الغالب مجانباً للمراد.

ظروف كهذه رسمت لوحة واضحة المعالم للواقع وربما المستقبل، وهي لوحة ولا شك غير جميلة المنظر، وغير نظيفة المخبر، ولهذا فمن واجب كل ذي عقل أن يفكر حتى يصل بنفسه إلى استنتاج غاية في الأهمية، وهو أن الأمن هو المطلب الأول للشعوب، وهو الأكسير الذي تسير عليه الحياة، وهو الطريق الذي تعبر منه التنمية، ويتم من خلاله الإصلاح، ويسعد به المواطن.ليتخيل الفرد أن يتردد قبل أن يخرج من منزله، وليتصور أن يكون مجبراً على عدم الخروج مساء، وليتصور أن يخشى صاحب المتجر على متجره، وصاحب الشركة على شركته، فكيف له أن يسعد، وكيف له أن يخطط لمستقبله ومستقبل أبنائه، فلا يمكن أن يخطر على بال أحد أن تكون تنمية اجتماعية دون أمن أو تنمية اقتصادية دون أمن، أو إقامة بنية تحتية دون أمن، علاوة على عزوف الاستثمار الخارجي، والحفاظ على المال الداخلي من الهروب إلى أماكن أكثر أمناً.قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: «من بات آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بما فيها»، فالأمن في الأوطان لا يعادله مطلب، ولا يصل إليه مبتغى. إننا -ولله الحمد- في المملكة نعيش آمنين ولدينا من المعطيات الاقتصادية ما يجعلنا قادرين -بعون الله- على السير بخطوات واثقة نحو مستقبل أرحب، ومجال أوسع، ورؤية أكثر وضوحاً. وتهذيب ما يصاحب التنمية من أخطاء واجب يقتضي الإصلاح، وهو باب واسع يمكن الولوج إليه دون هدم بناء، أو إزالة أعمدة وأوتاد. والإصلاح واجب المجتمع بأسره، ولا يقف عند فرد بعينه، أو مجموعة بذاتها، فكل له نصيب من التنمية، وعليه واجب من الإصلاح، فالإصلاح في البناء، وليس في الهدم. جعل الله الرشاد سبيلنا، وأمننا في أوطاننا وألهمنا الموعظة مما يدور حولنا.

 

نوازع
موعظة ظاهرة
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة