ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 10/02/2012/2012 Issue 14379

 14379 الجمعة 18 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إن من نعمة الله على آل مظعون إجماعهم على الإسلام، وثباتهم عليه، ثُم أوْعَبُوا في الخروج إلى الهجرة، رجالهم ونساؤهم، ولم يبق منهم بمكة أحد، حتى غُلّقتْ دورهم، كما قال ابن سعد.وعثمان بن مظعون بن حبيب الجُمحيّ من السابقين إلى الإسلام، قيل أسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاجر إلى الحبشة مرتَيْن؛ فهو من قدماء الصحابة رضي الله عنهم.

قال الزركلي: وأراد التبتل والسِّياحة في الأرض زُهداً بالحياة، فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتخذ بيتاً فيه، فأتاه النبي الكريم فأخذ بعضادَتَيْ البيت، وقال: «يا عثمان إن الله لم يبعثني بالرّهبانية (مرتين وثلاثاً) وإن خير الدين عند الله الحنفية السمحة».

وكان من حكماء العرب في الجاهلية، يحرِّم الخمر، وشهد بدراً، ولما مات قبَّله رسول الله صلى الله عليه وسلم ملياً حتى رُئيتْ دموعه تسيل على خدّ عثمان، وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين، وأول من دُفن بالبقيع منه، وكانتْ وفاته كما قال الزركلي عام 2هـ، (الإعلام 4-378).

وفي قصة مبادرته بالإسلام أورد ابن سعدٍ في طبعاته الرواية الآتية عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته بمكة جالساً إذْ مرّ به عثمان بن مظعون، فكشّ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الرسول الكريم تعال وهو متقبله، فبينما هو يحدثه إذ شَخَصَ رسول الله عليه السلام والسلام، فنظر ساعة في السماء، فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض.

فَتَحَرّف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جليسه عثمان، إلى حيث وضع بصره، فأخذ ينفض رأسه، كأنه يستفقه ما يُقال له، وابن مظعون ينظر، فلما قضى واستفقه ما يقال له، وشخص بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء، كما شخص أول مرة فأتبعه بصره، حتى توارى في السماء، فأقبل على عثمان بجلسته الأولى، فقال عثمان: يا محمد فيما كنت أجالسك وآتيك ما رأيتك تفعل كفِعْلِكَ الغداة؟ قال: وما رأيتني فعلت؟ قال: رأيتك تشخص بصرك إلى السماء، ثم وضعته إلى يمينك، فتحرفت إليه وتركتني، فأخذت تنفض رأسك، كأنك تستفقه شيئاً، يقال لك.

قال: أوفطنتَ لذلك؟ قال عثمان: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني رسول الله آنفاً وأنت جالس، قُلت: رسول الله؟ قال: نعم. قال: فما قال لك؟ قال: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل90). قال عثمان: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمداً. (الطبقات الكبرى 1-174).

وعن هجرته الأولى للحبشة ثم عودته منها ذكر ابن الأثير نقلاً عن ابن اسحاق في السيرة قال: هاجر عثمان هو وابنه السائب الهجرة الأولى، مع جماعة من المسلمين، فبلغهم وهم بالحبشة أن قريشاً قد أسلمت، وأنهم قد سجدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قرأ سورة النجم، فأقبلوا ومن شاء فيهم منهم، وهم يَرَوْنَ أنهم قد تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دنوا من مكة بلغهم حقيقة الأمر، فثقل عليهم أن يرجعوا، وتخوَّفوا أن يدخلوا مكة بغير جوار، فمكثوا حتى دخل كل رجل منهم بجوارٍ من بعض أهل مكة، وقدم عثمان بن مظعون بجوار الوليد بن المغيرة (أسد الغابة 3-598). ومن محبته لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وصلابته في دينه، فقد آثر ردّ جوار الوليد بن المغيرة، قال: والله إنَّ غدوي ورواحي آمن بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحاب وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، لنقص كبير في نفسي. فمشى إلى المغيرة، فقال له: يا أبا عبد شمس، وفت ذمتك، قد رددت إليك جوارك. فقال له: لِمَ يا ابن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله، ولا أريد أن أستجير بغيره؟ قال فانطلق إلى المسجد فاردد علي جواري علانية، كما أجرتك علانية. قال: فانطلقنا فخرجنا حتى أتينا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري، قال: صدق قد وجدته وفياً كريم الجوار، ولكنني أحببت ألا أستجير بأحد غير الله، فقد رددت عليه جواره ثم انصرف عثمان.

ولبيد بن ربيعة في مجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان، فلما قال لبيد: (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) قال عثمان: صدقت. قال لبيد: وكل نعيم لا محالة زائل. قال عثمان: كذبت؛ نعيم الجنة لا يزول. قال لبيد: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم، فمتى حصل هذا فيكم؟ فقال رجل في القوم، إن هذا سفيه من سفهائنا، قد فارقوا ديننا، فلا تجدن في نفسك من قول. فرد عثمان حتى شرى أمرهما، أي زاد وعظم.

فقام إليه ذلك الرجل، فلطم عينه فخضرها، والوليد بن المغيرة قريب، يرى ما بلغ من عثمان، فقال: أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية، لقد كنت في ذمة منيعة. فقال عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله، وإني لفي جوار من هو أعز منك، وأقدر يا أبا شمس.

فقال له الوليد: هلم يا ابن أخي، إن شئت فعد إلى جوارك، فقال: لا. (السيرة 2: 9-10).

وقد توسع في سيرته ابن سعد في طبقاته، والذهبي في سيره، وغيرهما، ووردت له فضائل في كتب الحديث، قال عنه الذهبي: من سادة المهاجرين، ومن أولياء الله المتقين، الذين فازوا بوفائهم في حياة نبيهم فصلى الله عليهم، وكان أبو السائب رضي الله عنه أول من دفن بالبقيع، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رأسه حجراً.

وقد توسع المفسرون رحمهم الله في القول على الآية 87 في سورة المائدة، وسبب نزولها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

فأورد ابن جرير الطبري ما يزيد على عشرين قولاً في سبب النزول، وأن عثمان بن مظعون رضي الله عنه وأناساً من المسلمين حرموا على أنفسهم النساء، وامتنعوا عن الطعام الطيب، وأراد بعضهم أن يقطع ذكره، فنزلت الآية، ومن تلك الأقوال ما روى بسند إلى السدي، عن سبب نزول الآية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوماً فذكّر الناس ثم قام يزهدهم على التخويف، فقال أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا عشرة، منهم علي وعثمان بن مظعون: ما خفنا إنْ لم نُحدِثْ عملاً، فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم، فنحن نحرّم، فحرّم بعضهم اللحم والودك، وأن يأكل في النهار، وحرّم بعضهم النوم، وحرم بعضهم النساء.

فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء، وكان لا يدنو من أهله، ولا يدْنُون منهم، فأتت امرأته عائشة رضي الله عنها، وكان يقال لها الحولاء، فقالت لها عائشة ومنْ عندها من نِساء النبي: ما بالك يا حولاء، متغيّرة اللوم، لا تمتشطين ولا تتطيبين؟ فقالت: وكيف أتطيب وأمتشِط، وما وقع عليَّ زوجي ولا رفع عني ثوباً منذ كذا وكذا، فجعلْنَ يضحكن. فقال رسول الله: وما يضحككن؟ قالت عائشة يا رسول الله الحولاء سألتها عن أمرها؟ فقالت: كذا وكذا؟ فأرسل رسول الله إلى عثمان فدعاه، فقال: ما بالك يا عثمان؟ قال: إني تركته لله لكي أتخلى للعبادة، وقص عليه أمره. وكان عثمان قد أراد أن يجبّ نفسه، فقال رسول الله: أقسمت عليك إلا رحَبْت فواقعتَ أهلك، فقال يا رسول الله إني صائم، قال: أفْطر. فأفطَرَ، وأتى أهله.. فرجعت الحولاء إلى عائشة قد اكتحلتْ وامتشطَتْ وتطيبتْ، فحكت عائشة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام حرّموا النساء والطعام والنوم، ألا إني أنام وأقوم وأفطر وأصوم، وأنكح النساء فمن رغب من سنتي فليس مني»، فنزلت الآية إلى قوله: {الْمُعْتَدِينَ}. يقول لعثمان: لا تجبّ نفسك فإن هذا هو الاعتداء، وأمرهم أن يكفروا عن إيمانهم، فقال سبحانه: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ} (البقرة 225) (تفسير الطبري 517 - 518).

ولما توفي إبراهيم ابن رسول الله قال صلى الله عليه وسلم: «أُلْحِقَ بالسلف الصالح، عثمان بن مظعون».

قال ابن الأثير: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لابنته زينب رضي الله عنها، وقد أعلم رسولُ الله قَبْره بحجر، وكان يزوره. (أسد الغابة 3-600).

وعن وفاة عثمان بن مظعون رضي الله عنه أخذ الفقهاء رحمهم الله أحكاماً عَديدة، منها:

- أنه أُجيز تقبيل الميت، ويرونه لم يُمنعوا، مستدلين بقول عائشة رضي الله عنها: رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقبِّل عثمان بن مظعون وهو ميت، حتى رأيت الدموع تسيل. أخرجه أبو داود في باب تقبيل الميت (المغني لابن قدامة 3-390).

- الاستحباب لمن حضر الجنازة بعد إلقاء التراب عليها أن يقوم إلى القبر فيُحثى عليه ثلاث حثيات، ثم يرجع إلى مكانه، فقد روى الدارقطني أن رسول الله صلَّى على عثمان بن مظعون فكبَّر عليه أربعاً ثم أتى القبر فحثا عليه ثلاث حثيات وهو قائم عند رأسه (المغني لابن قدامة 3-429).

- أنه لا بأس من تعليم القبر بحجر أو خشبة ليُعرف بذلك؛ لما روى ابن ماجه أن رسول الله لما مات عثمان بن مظعون أمر رسول الله رجلاً بأن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله؛ فقام رسول وحسر عن ذراعيه ثم حملها فوضعها عند رأسه (المغني لابن قدامة 3-436).

رضي الله عن ابن مظعون؛ فقد كان من السابقين للإسلام، ورسول الله يحبه، حتى أن عينيه صلى الله عليه وسلم دمعتا عليه بعد موته.

 

رجال صدقوا: عثمان بن مظعون
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة