ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 10/02/2012/2012 Issue 14379

 14379 الجمعة 18 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

أبو ياسر (صورٌ باقية) عنه كافية

رجوع

 

فقدت أسرتنا قبل أيام قليلة الدكتور فهد بن عبدالله بن إبراهيم المطلق الأكاديمي المعطاء، والواصل، واللطيف خلقاً وسحنة الخدوم الـ.. عليه رحمات الله غواد رائحات.

فـ/ طويت صفحة أثيرة من (المطلق) في أسبوع واحد.. كان عنوانه (ثلاث) شخصيات، الشيخ يوسف، والعم عبدالرحمن ثم الدكتور فهد.. الذي رحل.. بلا ضجيج وهو في ريعان عطائه، فهو من مواليد الرياض مطلع الثمانينات الهجرية.. الدراسة تخصص كيمياء.. لا عضوية (مع الدكتوراه من كندا)، وهذا طبعاً ما خُط عنه.. في البطاقة الشخصية، وتلكم هي الصورة الأولى -أو (المعتادة)-.

أما الصورة الثانية: هي تلك الآثار الزاخرة مما نعرفه نحن وتلاميذه -بخاصة- من جانب ربما خفيّ للدكتور (فهد)، أي العلمي والمرعفي..

فهو يبذل منه الكثير بيمينه ما لا تعلم شماله، بل أنه لا يعلم عن الجليل من جهده واجتهاد جُملة كبيرة ممن (هم) حوله، سوى.. ما ترك من صدى من كل من آلف تلك القسمات الجميلة اللطيفة.

ولأقول عن أبا ياسر أنه ترك في خلدهم.. لهو عندهم شيء جميل.

فهو ليس بجميل الطلّة فقط، ولكن جميل أثر، لأن أبو ياسر -يسّر الله عليه الحساب- قد ترك بيننا قدم صدق كانت هي أحد ثوابت مكانته لدينا.

الصورة الثالثة: حين أقول عنه إنه معطاء، وأنا أقصدها، فقد حدّث عنه أحدهم أنه: «حين عُيّن في أبها، قبل ابتعاثه إلى كندا، كان لا يسافر في كل مرة إلا وسيارته مليئة بالأشرطة النافعة والرسائل الدعوية، وبعض الكُتب، ثم يوزعها يُمنة ويُسرة»، أما في كندا فجهده في الدعوة مشهور -هناك- بين أنداده، حتى ذُكر عن كم ممن هداهم الله على يديه، فغنم يا فقيدنا {فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (90 سورة يوسف)، فكيف.. إن كانوا منهم إلى الهدى داعين؟

الصورة الرابعة: وهاكم إياها.. وقد تستغربونها كما استغربها هو حين ذكرتها له، فأذكر أنني كنت في ختام المرحلة المتوسطة وكنت بزيارة لخالي مطلق -يرحمه الله- في مرضه الذي بعده.. وبأقل من سنة تقريباً انتقل إلى رحمة الله، في إطلالة عليه بتلك الضحوية -أي على خالي-، و.. بينما حسبت أن زيارتي له معتادة بل هي كذلك.. (لأنه أخو والدتي) -يرحمهم الله- مع ما لقيت منه جزئية من التربية -رحمه الله- لكنني حين صادفت أو التقيت به في ذلك اللقاء..، ما تعلّمت منه حقوق الرحم، وبالذات من له حصراً الوصل والتواصل.

فلن أنسى -والله- أنه زرع فيني (والحمد لله أنها ليست بذرة غريبة على خُلقي) ولكن أكاد أن أفشي أنه ممن أنماها لدي في ذلك المشهد (وإن كان عابراً) لكن ولأثره الجليل لدي لا زلت أذكره له.

فمكمن الاستغراب هنا أني تعلمت من تلك، مع أن قليل جداً السنوات التي تفصل بين عُمرينا، وقد قلت له أني لا أبالغ،.. أو أنني أجامل، لأنه فارق العمر -كما تقدم- بيني وبينه نزراً، لكن..

وإن صغير القوم إن كان عالماً

(كبير) إذا رُدّت إليه المحافل

فـ(ذاك) به.. حسبي.

ومما زاد في إكباري له -رحمه الله- أني حينما ذكرت له هذا الموقف في يوم سلف من الأيام.. ابتسم ابتسامة الخجل مع ما حملت تلك الابتسامة استكثاراً أن أقول إثرها -له- إنه كان سبباً لإنما تلك الصفة أو أحسبها عندها استقرت -منه- لدي، أن.. كان هو أحد من سقاها في ذلك الموقف الذي زُرع فيّا وساعد على نموها.

الصورة الخامسة: التي أحب أن أتحدث عنها ببسط قليل: عن هذا المعطاء أبو ياسر، فالرجل باذل نفسه -مع علمه الذي بلغه- إلى درجة أنه يبحث عن كل ما يستطيع ليوصل (زبدة) مما توصّل إليه من جهد في خدمة وطنه، سواءاً بتخصصه أي ما بلغه من محاسن تلك الأشياء، أو الأمور التي اشتق ثمرها من تخصصه، ويكفي أنه بذل جرأها أكثر من الممكن من جهود علمت ببعضها، وخفي عني أكثرها.

إذ طرق أبواب ليبلّغ ذي الشأن.. حتى القيادة (ديوان ولي العهد)، لإبداء ما توصّل إليه في هذا العلم، وثم الاستنتجات جرائها، من ذاك سواءً أكانت حول أسباب البطالة، والمسببات التي كان يراها في انزواء المخرِّجات -في الثانوية- عنها، أو في التنبيه إلى تلك التخصصات المنسية، والتي وطننا -الغالي- بأمس الحاجة إليها، بالذات ما هو منها مهنياً، أو ما هو -أي الوطن- في حاجة إليها مباشرة، وقد وجّه ذاته وجهده تلقاء مخاطبته لمكمن القرار.. كما قلت في ذلك سبلاً، وطرق أبواب شتى، أن.. لعل وعسى، إما في ما كتب للصحافة، أو حين خرج في قناة الإخبارية -بأكثر من مناسبة- عارضاً ومستعرضاً ما لديه من طروحات، وما حمل معه من الأفكار، والتي أشهد أنه ما دفعه إلى الحماس وراءها والرغبة إلى إبلاغها إلا (مع غيرته على وطنه): شفقته على ضنى ما يلقاه اليوم.. شبابه!

بالذات العاطل منه، بل حتى تلك البطالة (المقنّعة)، خلف وظائف هي كل على الدولة، أكثر مما هي حاجة لازمة -لها-.

و.. بخاصة أولئك الذين -ربما- يذهب أحدهم إلى تخصصات إما بعيدة عن حاجة بلاده، أو ليست بذاك الجدوى الذي يصرف الوطن عليها، وقلّما تثمر له ما يرجو منها نفعاً.

بل.. وعلى رغم -وأنف- ما وجد من تثبيط من أناس، لكنه لم يحتقن عليهم، بل كان ديدنه التعذير لهم، ما يذكرك صنيعه بخُلق رسولنا صلى الله عليه وسلم، في الصفح والعفو.. والتجاوز عن حقوق الدنيا المفقودة، فلا جرم أن العبد حين يعفو عنها فإنها مكاسب في الآخرة، ومكاسب الآخرة لا تنفد -بينما مكاسب الدنيا إلى هباء-.

فيا (وطني).. كمن من فرصة ضاعت، فوّتها (مسؤول لا يُساءل، أو وجيه لا يواجه) على حد تعبير د. خيرية السقاف.

الصورة السادسة.. الأخيرة: وليست أخيراً، أن ذات أبا ياسر قد غُمرت بلطف عجابا، إلى درجة بالغة مما تجده لديه.

ليس سوى صنع الجميل محببا

ولا سوى الذكرى تظلّ وتُخصبُ

ظاهرها أن معظم كلامه موجّه لسامعه مشفّعاً بابتسامة وتلطّف، وجمال عبارات، مع استملاكه روحاً مقدمة فيما تستطيعه.

وإن أتيت لمكمن مدحنا -له- هنا، وجدته شبه ذاك لأهل غالب زماننا (وليس لزماننا.. منه مأثم).

من أن ليس العجب أن فيه تلك الصفات، لكنّ مكمن العجب هو (دواع.. فقد أمثال هذا)!، وقد كان شبه مفقود إبّان محياه..، أقصد مقولة إحداهن.. ابنة مستغانمي في عبارتها القاسية..

(إننا ننتمي إلى أمة لا تحترم مبدعيها).

فيما يُفرط الأديب العقاد في اللوم (لا خير للأفراد -مع تطاول الزمن- في عيشة يقف فيها خير الفرد عند بابه ولا يحسب فيها حساب شركائه في بيئته).

أقصد حينما كان لا يلقى كثيراً من جهده ذلك ما يستحق..

لا أدري.. أأسرد فيها، لنخرج كما من ما أزرى بنا (ولنفتح عيوننا على عيوبنا)، أم أقصر، وأدع لفطنة القارئ بلوغ مرامي!

.. بل نعطيه صورة أو أن نكتب عنه شيئاً مما يستحق، على الأقل إن لم يكن ما له في قلوبنا.

أي ما تركه بحق في مسيرة قد تكون قصيرة من الناحية العمرية آن رحيله، فهو للتوّ ختم (عقده) الخامس، لكنها عريضة من ناحية المنتج، وكما قال ابن سيناء رحمه الله (اللهم إني أسألك عمراً عريضاً.. لا عمراً طويلاً)، ولا يخفى من قبل أن ديننا استنفرنا وراء الكيف لا لاستقصاء الكم، وطلب الإحسان لا الكثرة، ومدّ أعيننا إلى البركة لا.. عن التكاثر -والله أعلم-.

إذ إن السيرة الحقيقة والتي أطبق على قياسها، بل قُل -ولن تحنث لو أقسمت عليها- ما أجمع أهل الوصف على: أن السيرة الحقيقية تكمن في: (ذاك الإنجاز الذي تعصب به جبين الدهر).. حتى يسجل اسمك في سجل الخالدين، فتبقى به خالداً، ومن لعطاء له بين يدينا شاهداً (شاخص)، أو هو نائب له عن شخص صاحبه.. آن غيابه، قال أحمد شوقي -مقرباً-: كم مات قوم، وما ماتت مكارمهم.

بل وأفيض فكم كان شمعة تحترق ليبلّغ ما بلغه من علم، فحرص حرصاً لهذا، وطوى جهده.. وجاهد لإبلاغ ذلك ما استطاع لذاك سبيلاً.

ولو أردت مبالغة -في أثره- لقلت عن ذاك (الجهد) هو سبب ما.. كان وراء نحول عمره، وانفراطه.. وهو في زهرة شبابه.

أمرٌ متمم/ أن ما قضى عليه من داء عضال، نحسبه له كما في بشرى الحديث (إذا أحب الله عبداً أصاب منه)، كيف.. وقد غاب وهو في أوج عمره.. فعسى هذا بمثابة درجة ابتلاء له يرحمه الله، ثم.. اختبار وتمحيص لآله بخاصة والدته الغالية ابنة العم (منيرة صالح المطلق)، وكذا زوجه وأبنائه، فلا حرمهم الله مقام أهل ذاك الابتلاء.

كل ذلك.. لما له في عقبه بيننا، أما ماله من حق -الآن، وكل آن-.. هو/ الدعاء اللهم ثبته واجمعنا به ووالدينا بالفردوس الأعلى.

.. وبالذات الابن ياسر -وإخوانه- فأملنا بهم له اليوم وهو بين يدي الرحمن.. من حديث (ولد صالح) فشرط منه الفعل أن (يدعو له).

أجل {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (156 سورة البقرة) فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (27 سورة الرحمن) أجل والله أجل.. فهو (الأجل) الذي إذا حل بصاحبه {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (34 سورة الأعراف).

لو أردت (يا نفس) بقاء يوم

على الأجل الذي لكِ فلن تُطاعي

وقف عمر بن عبدالعزيز يدعو لابنه عبدالملك -رحمهما الله- حين قام يصلي عليه، فقال (اللهم اغفر لعبدالملك، واغفر لكل من دعا لعبدالملك)، فضجّ من بالمسجد بالدعاء له، فاللهم اغفر لفهد ولكل من دعى لفهد.

هذه.. فقط خاطرة.. وإلا لو أردت تحصيل ما له من دين على قلمي أو سُنح لي مجالاً أن أشق عن أكمام ما تقدم لفاضت عن هذا صفحات، أما من عواطفي نحوه.. لسكبت بحور من بعدهن بحور، إنما هي نزر يـ(آل فهد).. من مُحبه يرحمه الله.

عبدالمحسن بن علي المطلق

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة