ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 11/02/2012/2012 Issue 14380

 14380 السبت 19 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

على طاولة في حديقة فندق ماريوت الرياض، التقيت العام قبل الماضي رئيس القسم العربي الأسبق في الـ «BBC» الصديق حسام السكري، الذي كنت قد أجريت معه حواراً خاصاً مطولاً بمجرد اعتلائه منصب المدير في الـ «BBC» قبل أن ينتقل لرئاسة بوابة موقع الياهو الإلكترونية.

روى لي السكري حين كنا نتحاور حول مفهوم الإعلام الجديد، قصته مع مدير عام الـ «BBC» الإنجليزي وقتها، «لا أذكر اسمه»، كيف كان متحمسًا لفكرة برنامج تواصلي عرضه عليه خلال رحلة طيران، وفي الطائرة، التقط السكري «كما روى لي» الكيس البلاستيكي المخصص للتقيؤ، ورسم عليه فكرة البرنامج التفاعلي «تليفزيون وإذاعة، وإنترنت» مع شرحها، فما كان من المدير إلا أن وقّع على الكيس البلاستيكي بالموافقة بمجرد أن اقتنع بالفكرة.

وحين ارتسمت على وجهي علامات الاندهاش، قال لي «لا تندهش، العمل أهم من شكليات الأوراق، والبوستة التي تعرض على المدير ليوقّعها، حين تتكلم عن الإعلام الجديد، أنت تتكلم على ثوان معدودة هي الفرق بينك وبين أي وسيلة أخرى من وسائل الإعلام في نقل الخبر، وحين تتكلم عن التواصل، لا يمكنك أبداً أن تتجاهل الطفرة التقنية الهائلة في دنيا الاتصالات، ولا يمكنك تجاهل ذكاء الشباب في التواصل».

وبخفة المعتاد، فتح السكري الإنترنت، وصفحته على الـ «فيس بوك»، وأشار إلى مجموعة من الشباب المشاركين في برنامجه من جميع أنحاء العالم، وكيف أنهم أثروا فكرة التواصل، وأنهم «هايلين» على حد وصفه، رغم أن أكبرهم لم يتجاوز الـ22 عاماً.

ازداد اندهاشي، ورغم أن احتفالية الجنادرية العام قبل الماضي كانت قبل «الربيع العربي»، وكانت مليئة بأساتذة وعلماء ومفكرين وفنانين، إلا أن هذا الفكر لم يصادفني بين من صادفت في عقول كبار المفكرين في العالم العربي على رغم كثرة أسفارهم، إلا أن أكثرهم ما زال عالقاً بالورقة والقلم، والنقل البريدي التقليدي، والكثيرون دخل مؤخراً عالم الـ «فيس بوك»، و «تويتر»، وعالم تبدأ فيه العلاقات وتنتهي بـ «كبسة زر».

حين تسمع عن مدير يوقّع على كيس بلاستيك لتنفيذ فكرة برنامج فضائي تواصلي، تعرف كم يساوي الوقت لدى القائمين على الإعلام الجديد، الحقيقي في تلك المؤسسة الضخمة التي لا تزال تتردد في الآذان كلمتا «هنا لندن»، ويأتي مصاحباً صورة ذهنية عن المقولة التي كانت شائعة منتصف القرن الفائت «إذا أردت أن تعرف خبراً وقع في القاهرة، فاسمعه في لندن».

ليست هذه الكتابة نوعاً من أنواع جلد الذات، وانتقاص الذات العربية في مقابل الآخر الأوروبي، لكنها حقيقة جاهل من ينكرها، على الرغم من وجوه العنصرية الفاقعة اللون ضد الآخر العربي في الغرب الأوروبي، إلا أن تفعيل العقل العربي في اتجاه الحداثة في مختلف مناحي الحياة، أصبح مطلباً رئيساً، في الوقت الذي يبحث فيه الكثيرون عن عالم يعتنق «الماضوية» حسب تعبير أستاذنا الدكتور جابر عصفور، ليكون عنواناً لحياة أصبحت تتخطى حدود الأرض بكبسة زر لا تضغط على تلك العقول العربية المقيمة في العزلة الاختيارية.

تختلف لغة التواصل مع النماذج العربية المقيمة خارج الحدود، فالوقت والكلمة، والاحترام، هو أسلوب حياة، وليست العنجهية المصطنعة المبنية على لا شيء هي المعيار للنجاح.

«كيس التقيؤ» الذي وقّع عليه المدير، ذكَّرني، بكم الإهمال والتجاهل الذي يصادف المبدعين في عالمنا العربي، ويجدونه تقديراً في الخارج.

قالت لي الناشطة اليمنية توكل كرمان عبر الهاتف عقب حصولها على «نوبل» من خيمتي ألعب مع أولادي، وحين يعرفون أن ما أقوم به لصالحهم يسعدون لأني أتركهم مع أبيهم وأسافر حول العالم لعرض قضية شعبي.

وقالت لي العالمة السعودية حياة سندي عبر الهاتف أيضاً، لا معنى للحياة من غير إفادة البشرية، وأسست مؤسسة لالتقاط العقول المبدعة في أي مكان في العالم.

كثيرون تظهر شخصياتهم من خلال أعمالهم المفيدة للعالم، ومن خلال إتقانهم للغة التواصل الجديد، التي هي المعيار الأصيل لإنجاح ما يُسمى بالإعلام الجديد.

هناك جهد كبير يلعبه المبدعون، في المقابل يصادفه عنهجية وتجاهل وصلف البعض، وحين تهب عواصف الربيع العربي، يتذكّرون أن هناك شباباً أصبحت لغتهم التي لا يعرفون غيرها «كبسة زر» للحذف، وأخرى للإضافة.

aboelseba2@yahoo.com
 

توقيع على كيس... وكبسة زر لم تضغط على العقول العربية
حسين أبو السباع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة