ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 13/02/2012/2012 Issue 14382

 14382 الأثنين 21 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تسليم الهيمنة الصينية على العالم أصبح مكتملاً: الرئيس الأمريكي (الفقير) يقود وفد بلاده لإقناع المدير الإداري الصيني لصندوق النقد الدولي من أجل قرض لإنقاذ أمريكا.. هذا السيناريو تخيله آرفيند سبرامانيان لعام 2021، واعتبره متوقعاً واعتبرته صحيفة وول ستريت جورنال كابوساً مرعباً.

سبرامانيان الباحث السابق في صندوق النقد الدولي، والآن في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، هو مؤلف كتاب الانحدار: العيش في ظل هيمنة الاقتصاد الصيني» الذي صدر حديثاً وأثار ضجة ونقاشات محتدمة. يتوقع الكتاب بأن الصين ستهيمن على العالم قريباً.. وأن العملة الصينية ستحل محل الدولار كعملة للاحتياط العالمي.. وأن التفوق الاقتصادي لأمريكا لم يعد بيديها كما نحب أن نعتقد ولكن بيد الصين...

يستند تحليل سبرامانيان على بيانات وجداول مدهشة وبطريقة مبتكرة تحدد فهرس الهيمنة الاقتصادية وفق منظور تاريخي، مشبهاً تقدم الصين على أمريكا مع تقدم أمريكا على بريطانيا سابقاً. ويلخِّص الباحث سايمون جو (زميل سبرامانيان في معهد بيترسون) هذا التشبيه، بأن بريطانيا كانت القوة الاقتصادية العالمية المهيمنة منذ أوائل القرن التاسع عشر، لكنها تراجعت تدريجياً خلف أمريكا التي أصبحت بلا منازع رائدة الاقتصاد العالمي، على الأقل منذ عام 1945. ورغم أن أمريكا كانت متفوقة على بريطانيا في الإنتاج الصناعي مبكراً منذ نهاية القرن التاسع عشر، لكن ذلك لم يكن كافياً لترجيح كفة الميزان. فلم تنتقل الهيمنة الاقتصادية إلا عندما واجهت بريطانيا عجزاً كبيراً في الحسابات الجارية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، فقد كان عليها الاستدانة الضخمة من أجل تمويل جهودها في الحرب، وكانت الواردات أضخم كثيراً من الصادرات. وانتهى الكثير من احتياطي الذهب في العالم بيد أمريكا، ليدفع بالدولار الأميركي إلى المقدمة.

الآن جاء دور الأمريكان لمواجهة عجز كبير في الحسابات الجارية، والشراء من بقية العالم أكثر مما يبيعونه. ومن هذا المنطلق، يبدو أن أمريكا تتوجه نحو إعادة الخطأ البريطاني. وفي الوقت نفسه فإن الصين خلال العقد الماضي اتبعت إستراتيجية تقتضي توجيه حسابات جارية ضخمة من الفائض النقدي وزيادة احتياطي تبادل العملة الأجنبية، وأصبحت الصين تقود الاقتصاد العالمي.. هذا ليس توقعاً بل حقيقة راهنة لا يريد كثيرون تصديقها حسبما يقول سبرامانيان.

هل هذه مبالغة تهدف للإثارة أو ربما للتحذير؟ المفكر فوكوياما يعتبرها سيناريو معقولاً لإحلال الهيمنة الاقتصادية الأمريكية بالصينية.. «إنها تحدد بشكل مقنع حاجة واشنطن لإنجاز العمل المطلوب». أما داني رودرك أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفرد فلا يرى في الكتاب إلا أنه جذاب للقراءة ومثير للجدل، لكن به إمكانات لتحديد شروط مناقشاتنا المستمرة حول ما يبدو أسخن قضايا الاقتصاد العالمي وهو الدور الصيني.

صحيفة وول ستريت ذكرت أن أجزاء من الكتاب يشبه نسخة مهزوزة من كتاب «الشمس المشرقة»، لمايكل كريشتون الذي ظهر عام 1992 ليروي قصة الهيمنة اليابانية على أمريكا، عندما كان يُنظر لليابان وهي منطلقة بسرعة لتصبح الرقم الأول في العالم. إلا أن هذا السيناريو لم يعد مقبولاً فقد تراجعت اليابان للترتيب الثالث بعدما خرج نظام الائتمان لديها عن السيطرة، مع الكثير من الإقراض للقطاع الخاص.

لكن سبرامانيان كما تقول وول ستريت جورنال، اقتصادي من الدرجة الأولى استخدم كتابه لمناقشة استفزازية بشأن العلاقة الأمريكية الصينية وطبيعة القوة الاقتصادية. لذا أجرت الصحيفة معه حواراً بدأته بسؤال: هل تعتقد فعلاً أن أمريكا سوف تشحذ قريباً من صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات؟ فردَّ: لقد كتبت بهذه الطريقة جزئياً لإحداث صدمة وجعل الناس تهتم. ولكن هناك احتمال فعلي أن تكون أمريكا بمثل هذه الحالة الصعبة التي قد تضطر إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي.

ورغم أن سبرامانيان يعتقد بأن الاقتصاد الصيني سيواجه أزمات إلا أنه في نهاية المطاف سيكون الأول عالمياً، ولن يعرقل ذلك إلا احتمال عدم الاستقرار السياسي، فالنظام السياسي في الصين لم يتحول بعد إلى نظام أكثر ديمقراطية. إنها سحابة تخيم على كل شيء في الصين. فهناك فجوة طبقية، وانقسام جغرافي، وافتقار إلى الحرية السياسية. فإذا اندلعت الأمور فإنها ستكون سيئة للغاية حسب سبرامانيان. لذا يختتم سبرامانيان كتابه بسلسلة من المقترحات السياسية للدول للتوفيق بين صعود الصين مع استمرار الانفتاح في النظام الاقتصادي العالمي، وللتأمين ضد أن تصبح الصين قوة مهيمنة «خبيثة»، عبر ربط الصين إلى نظام عالمي متعدد الأطراف فلا يصبح لبلد وحده النفوذ.

حسناً، ما هو المستقبل السياسي للصين؟ الرأي الشائع يفيد بأن ازدهار الاقتصاد الصيني سيقود حتماً إلى التغير السياسي والدمقرطة واحترام حقوق الإنسان وتحسن العدالة الاجتماعية، لأن الازدهار الاقتصادي والانفتاح في التعاملات التجارية يؤدي حتماً إلى انفتاح النظام السياسي. لكن هناك من يناقض هذا الطرح متوقعاً أن الصين تتجه إلى نوع من الكارثة، لأنها لم تعمل على إصلاح نظامها السياسي، مما سيؤدي حتماً إلى عدم الاستقرار السياسي ومن ثم إلى الانهيار الاقتصادي.

مقابل ذلك يقترح جميس مان (الخبير بالشأن الصيني) سيناريو ثالثاً قلما يحكى عنه، ففيه يستمر التقدم الاقتصادي دون تغير سياسي.. يستمر الحزب الحاكم محكماً قبضته لجيل قادم قامعاً الإعلام والتنظيمات السياسية ومغلقاً نظامه السياسي وفي الوقت نفسه فاتحاً نظامه الاقتصادي ومنفتحاً على العالم الخارجي عبر التجارة والاستثمار. فالصين ليست كتايوان أو كوريا الجنوبية لأن جيشها مستقل ولا تستطيع الحكومات الغربية الضغط عليها، ومن ثم تستطيع الجمع بين الانفتاح الاقتصادي والانغلاق السياسي على الأقل لفترة جيل واحد.

أن توجد دولة عالمية مهيمنة هو من طبيعة التاريخ، حتى الآن، فلماذا علينا أن نقلق إذا هيمنت الصين؟ ربما الخشية من أن تشكل الصين نموذجاً سياسياً سيئاً يحتذى به.. نظام لا يراعي حقوق الإنسان ويتحول إلى قوة عسكرية مهيمنة انعزالية تهدد الاستقرار العالمي وتهدد جيرانها كتايوان، وتشكل دعماً للأنظمة الشمولية ككوريا الشمالية، وآخر مثال الأسبوع الماضي حين استخدمت الفيتو ضد مشروع قرار الأمم المتحدة الذي يدين القمع الدامي في سوريا.. وقبل أيام قضت محكمة صينية بالسجن سبع سنوات على المنشق زو يوفو لنشره قصيدة سياسية في الإنترنت بعنوان «حان الوقت»!

alhebib@yahoo.com
 

أمريكا تشحذ الصدقات من الصين!
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة