ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 24/02/2012/2012 Issue 14393

 14393 الجمعة 02 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إذا كان النظام السوري قد «فات بالحيط» منذ أن راهن على الحل الأمني، فإن قسطا كبيرا من المعارضة السورية «يفوت بالحيط» أيضاً، منذ أن فشل في بناء إستراتيجية وحدة وطنية جامعة. هناك اليوم عدة جهات لا تكتفي بالتحدث باسم المعارضة، بل لا تعترف بغيرها كمعارضة. انظر إلى ما تقوله هذه الجهات عن أحدها الآخر، وستعرف لماذا يطول عمر النظام. فلغة التخوين، والسعي لاحتكار التمثيل، يجعل من كل أطراف المعارضة عاجزة عن تقديم بديل مقنع.

وبدلاً من الاستقطاب والاحتواء والضم، فإن صفوفها تتفرق، وأصواتها تع-لو على أحدها الآخر، وتسود الريبة فيما بينها.

وهذا يحصل ليس لأن نظاما قمعيا، إقصائيا لم يترك في ساحة المواجهة إلا معارضين مشابهين له، بل لأن كلا منهم، انطلاقا من شعور كلي بالاكتمال والكفاية والرضا عن النفس يعتقد أنه يستحق أن يتصدر الواجهة، وأن يقطف ثمراتها بمفرده.

ومثلما يتحدث النظام عن إصلاحاته المزعومة بأسلوب تقديم المكرمات، فإن أطراف المعارضة تلك تريد أن تقدم الديمقراطية كمكرمة أيضا، بل ترى في نفسها أنها يجب أن تكون مشكورة لأنها تسمح لغيرها بالوجود كمعارضة.

بكلام آخر، أنها تعطف علينا إذا قبلتنا في صفوف المعارضين. بل وتعطف علينا لأنها تؤجلنا من الإقصاء والتصفية.

وما لم نقل لها، شكرا، فإنها سوف تسحب شهادة الوطنية منّا، وربما تلغي أسماءنا من قيود السجل المدني إذا أتيحت لها الفرصة. وقد تطلق هذه الأطراف شعارات وتبيع تطمينات وتقول كلاما أحلى من العسل، إلا أن شعاراتها من دون دليل، وكلامها من دون برهان.

معارضة أخلاقيات إقصائية كهذه لا يمكنها أن تنتصر. وإذا انتصرت فإنها لا تعد شعبها إلا بالمزيد من سفك الدماء والخسائر.

عندما تقف أمام خصم عنيد، فالبديهي يقول لك: احشد كل ما تستطيع من جهد وطني لمواجهته. «فكل قليل ينفع».

وعندما تكون أمام معركة دامية، فالمنطقي يقول لك: أنت بحاجة إلى كل من يمكنه أن يمد يد العون.

وعندما تواجه دكتاتوراً يحتكركل شيء، فخير لك أن تبدو وكأنك تقتسم وتشارك.

ما نحتاج اليه لكي تنتهي هذه المعركة على خير، هو معارضة وطنية تتمسك بكبائر القيم المطلوبة لبناء نظام جديد؛ تتخلى عن الصغائر؛ تنظر إلى أحدها الآخر على أنه شريك؛ وتكف عن أعمال الريبة والتخوين.

هناك، بعد ذلك، الخطر الماثل بتحول معترك الحرية إلى حرب أهلية. فلكي تتحاشى خطرا مدمرا كهذا، يجب أن تمتص الدوافع إليه، وأن تقوم بتحييد كل مَنْ يمكن تحييده، وأن تكسب من صفوف الخصم، لا أن تعزز هذه الصفوف بمَنْ تستثنيه وتقصيه.

وفي أجواء الخوف من أعمال انتقام طائفي، فإن تجاهل الحاجة إلى التطمين، سيكون مثل تجاهل قنبلة موقوتة لا تعرف متى تنفجر.

الجيش في سوريا بحاجة إلى تطمين. والأجهزة الأمنية بحاجة إلى تحييد. ومؤسسة الدولة بحاجة إلى ما يبرهن على أن الفوضى ليست هي الهدف. والطائفة العلوية بحاجة إلى أن تبدو كشريك حقيقي وفاعل في معترك التغيير. والأقليات بحاجة إلى أن تتقدم الصفوف، لا أن تكون في الخلف.

إذا كان كل هذا حقيقيا، وضروريا، ومُلحا، فهناك شخصيات وطنية ورموز تحتفي بالثورة وتنخرط في معاركها، ليتقدم من خلالها البرهان الناقص على أنها ثورة للجميع.

قبل أن تقدم الجامعة العربية مبادرتها لتنحي الرئيس السوري وتسليم السلطة إلى نائبه، كان الدكتور رفعت الأسد عرض مبادرة أكثر جذرية، تقضي بتنحي الرئيس، وانشاء مجلس حكماء لإدارة المرحلة الانتقالية، وتسليم السلطة إلى الشعب عبر انتخابات حرة تشرف عليها الأمم المتحدة. وبينما يمكن لهذا الرجل أن يوفر تطمينات وضمانات لا بد منها للمؤسسة العسكرية وللطائفة العلوية ولكل الأقليات الأخرى، فإنه يمكن أن يقدم مساهمة لا غنى عنها لنزع فتيل الحرب الأهلية.

وجاءت مبادرته لتكون مبادرة للتعجيل بالتغيير، ولجعله سلميا وعاقلا، ولتحاشي المزيد من سفك الدماء.

فإذا كانت هذه خدمة وطنية مُلحة فإن الحاجة اليها لا تقتصر على معطياتها، بل تمتد إلى مدلولات ومعاني الرغبة بتحقيق الوفاق الوطني على أرضية التغيير.

وهذه أرضية تجبُّ ما قبلها، بما أنها تقصد البناء من أجل المستقبل.

ما ضاقت معركةٌ إلا وخسرت. وما اتسع نطاقٌ إلا وفاز.

ليس من الضروري أبدا أن ندع هذه الثورة «تفوت بالحيط». ويحسن بالأبصار ألا تعمى عما سيأتي إذا انفجر الموقوت.

*كاتب وناشر ورئيس تحرير «المتوسط اونلاين»

 

ما ضاقت معركةٌ إلا وخسرت
علي الصراف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة