ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 24/02/2012/2012 Issue 14393

 14393 الجمعة 02 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

      

لا ينفك دعاة رفض التغريب من التحذير من خطورة الاندفاع الممنهج لتغريب قِيم المجتمع المسلم، وأخلاقياته، ونظامه الأُسري والاجتماعي، ونحله وعوائده، وتهيئته لتقبل الأنماط الغربية، وصولاً إلى عَلْمَنة الحضارة، وعَقْلنة المجتمع وفق المنهج التجريبي.

والتغريب مصطلحٌ صاغه الكتَّاب والمفكرون في العصر الحديث، لوصف حالة تبني أساليب الحضارة الغربية بكل عناصرها المادية والثقافية.

ومفهومه وأبعاده قد لا يكون محل اتفاق وتفاهم لجهة الخائضين في سبر أغواره.

على أيَّة حال ليس المجال هنا للخوض في التغريب وتأصيله فكراً ومنهجاً، ولكن الأمر الذي دفعني إلى أن أحوم حول الحمى محاولة بعض الأقلام المجتهدة إسقاط بعض الإشكالات والقضايا المجتمعية على مسألة رفض التغريب، وتحميله أكثر مما يحتمل أو يستوعب! من هذا القبيل إسقاط إشكالات التنمية واستمرار بعض مظاهر التخلف الاقتصادي والمعرفي النسبي على القواعد المُقاوِمة للتغريب! في تقديري أنَّ هذا الإسقاط غير موضوعي، وغير منطقي، والشواهد التاريخية للحضارة الإسلامية تُفنده، فقد كانت في كل عصورها الغابرة سبَّاقة لمد جسور التواصل والتفاعل الثقافي والحضاري والمعرفي والتنموي مع الشرق والغرب، والاستفادة من المخرجات الحضارية وحركة الإبداع الإنساني في البناء والتنمية وعلوم التقنية، في إطار ما يُعرف بالتلاقح الحضاري الذي ميَّز العلاقات الإنسانية منذ الأزل.

ومع هذه الحركة والمد الحضاري ظلت الهوية والثقافة الإسلامية إلى حدٍ كبير نسبياً تحتفظ بسماتها وخصائصها الأساسية, مستوفية للشروط الموضوعية للبناء الحضاري السليم، فالحضارة هي مزيج توازني يربط بالضرورة بين شروطها المادية والأخلاقية، في بوتقة واحدة، تتفاعل معاً، لأداء وظيفة التنمية والعمران.

وإشكالية الحضارة في بعض المجتمعات الإنسانية، خاصَّة في الغرب، تكمن في غياب النظام الاجتماعي القادر على حراسة القِيم والمبادئ الأخلاقية لهذه المجتمعات، وخلال العقود الزمنية الأخيرة تردَّت منظومة القِيم، وأُطر العلاقات العائلية والاجتماعية، وبلغت في ذلك مبلغاً تجاوز كل الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة، فأنظمة القيم العائلية التقليدية تصدعت، وأضحت أشبه بالمؤسسات (القشرية) واتسعت على ضوء ذلك دائرة النشاط الجنسي خارج نطاق مؤسسة الزواج، فهل رفض هذا المحتوى الأخلاقي المترَّدي الذي يحمل بذور الانحلال والتَّفسخ المطِّرد، هو من يعيق مشاريع التنمية ويسهم في استمرار التخلف الاقتصادي والمعرفي النسبي! إنَّ التحليل المنطقي والطرح الموضوعي ينبغي أن يحيل الأسباب إلى مسبباتها، فإشكالات التنمية ومعوقاتها وفق الأدب الإنمائي تتمحور أساساً حول عدة أمور، أبرزها:

- الفشل الإداري والفني النسبي في إدارة برامج التنمية، الأمر الذي أسهم في تفريغ جزء مهم من عناصر البناء الاستراتيجي من مضمونه وأهدافه.

- الفشل النسبي في إدارة وتطوير الموارد البشرية، والتحفيز المادي والأدبي للقدرات والمهارات الإبداعية في المجالات العلمية والتقنية التي تحتاجها برامج التنمية المستدامة.

- الانخفاض العام في حجم الاستثمارات العامة والخاصة في صناعة البحث العلمي والتقني، وتعزيز بنيتها التحتية والفوقية الداعمة لبرامج اقتصاد المعرفة، مقارنة بتجارب العديد من دول المنظومة العالمية، في أمريكا وأوروبا والصين واليابان وكوريا وماليزيا.. إلخ، فضلاً عن الفشل النسبي في إدارة واستخدام وتطوير الموارد المتاحة المخصصة لهذه الصناعة المهمة بكل مساراتها وفق معايير الجودة والشفافية.

- الفشل النسبي في تبني بيئة علمية تستقطب المهارات والعقول في الداخل والخارج.

فالمسألة إذن تتعلق بعناصر وشروط موضوعية دون سواها، تقف حَجَرَ عَثْرةَ أمام مشاريع التنمية والبحث العلمي والمعرفي.

وأمَّا بالنسبة للنشاط المُقاوم للتغريب، فهو نشاط يستهدف منتجات وقشور المنظومة الاجتماعية والأخلاقية للحضارة الغربية، ولا يستهدف بالقطع مخرجاتها العلمية والمعرفية.

إذ لا يوجد -من حيث المبدأ- مانعٌ إطلاقاً للشراكة مع الغرب وسواهم في صناعة التنمية، والاستفادة من مزاياها وفوراتها العلمية والمعرفية، ونقل وتوطين مخرجات الإبداع الإنساني، وتركيم المكتسبات المعرفية.

إذن لا ينبغي خلط الأوراق، والرؤى، وتحميل مالا يُحتمل، والقفز فوق الحقائق والوقائع، وإثبات ما لا يمكن إثباته، وفق هذا الطريق والمنحنى.

فأمانة الكلمة تفرض على أصحابها المجاهرة برؤاهم دون مواربة، ودون ربطها بقضايا تنموية أو غير تنموية، لإخفاء طبيعة وأهداف دعواهم، وهو يعني فيما يعني غياب الجرأة والشفافية والمصداقية عن طرحهم، وذلك مؤشرٌ سلبي يُعرقلُ انسياب المعلومات والحقائق بسلاسة إلى جمهور المتلقين.

كلمة أخيرة: إنَّ التعامل مع معطيات الحضارة والثقافة الحديثة على نحو صحيح وملائم، والإفادة من معطيات التجربة الإنسانية، لا يكون إلا عبر إطلاعٍ انتقائي شديد الوعي يحفظ للمجتمع نظامه الاجتماعي، وتراثه الثقافي، ومكتسباته الحضارية.

فائدة:

يصف ابن خلدون في مقدمته، الحضارة وقد اختلت شروطها الموضوعية «بأنَّها غاية العمران ونهاية لعمره وأنَّها مؤذنة بفساده «وعن وظيفة الحضارة يقول المفكر الجزائري مالك بن نبيّ هي «جملة العوامل المعنويَّة والماديَّة التي تتيح لمجتمع ما أن يوفِّر لكلِّ عضوٍ فيه جميع الضمانات الاجتماعية اللازمة لتطوّره».

 

التنمية والتغريب وإسقاطات غير موضوعية
د. عبدالمجيد محمد الجلال

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة