ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 25/02/2012/2012 Issue 14394

 14394 السبت 03 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من ضمن التداعيات التي انفجرت بتفجر قضية الكشغري هو الاستعمالات المطروحة لوسائل الاتصال الالكتروني بيننا كسعوديين وخاصة للتويتر والأبعاد الاجتماعية والثقافية التي ألقيناها على هذه الوسائل تحت وطأة تاريخ وحاضر مأزوم. أشعر أننا بالضبط كمن حمل شاشة أو مرآة كبيرة ثم ذهب في وسط المدينة

واخذ يصرخ: أنا هنا... شوفوني.. فركض الغرباء والأصدقاء خلفه وكل يقول:من الشاطر اللي يمسكه!!.

التويتر الذي خلقته مجتمعات غربية قصيرا في تغريدته بما لا يتجاوز 140 حرفا ولمعرفة ماذا يحدث الآن وفعلا أينما كنت سواء في المطار أو الشارع أو مع أصدقاء العمل حولناه بيننا الى آلة مخيفة تطحن الأفراد والجماعات وتصنفهم وتهددهم شخصيا أو فكريا تحت مسمي الأمن والحماية الاجتماعية والثقافية. كمية الغضب العارمة التي تحملها تغريدات السعوديين (وخاصة الرجال..مع الاعتذار لكل الذكور عن هذه الملاحظة العنصرية !!) تجاه المواضيع المختلف عليها تدل على حجم الفرقة والانشقاق الفكري بين جماعات لا تختلف على أصول وثوابت، بل على تفسيرات بشرية لهذه الأصول فتنذر بتبعات تهدد سلامة البناء الاجتماعي. إننا في النهاية أمة واحدة يهمها استقرار وأمن هذا الوطن الذي هو أمن طفلي وطفلك وبيتي وبيتك، فلماذا حولنا التويتر الى ساحة للمنازعات الفكرية والسياسية بحيث لم يعد محققا لهدفه وهو أن تعبر ببساطة عن نفسك دون الدخول في صراعات أيدلوجية، ودون أن يلاحقك سيف التصنيف أو مباحث الدولة او سلطة حراس الفضيلة او حتى أفراد القبيلة والأسرة. خلال السنة الأخيرة، وبالتحديد بعد الربيع العربي، هلل المحللون للقوة الهائلة التي تمنحها التكنولوجيا للبشر وتنبئ بأنها عامل حاسم في نشر الديمقراطية رغما عن الحكام حين تمكن الشباب العربي من إسقاط عدد من الحكومات في فترة قياسية...رغم أن الكثير من الباحثين مثل ليوفغيني موروزوف في كتابه: The Net Delusion: How not to Liberate the world)

أوضحوا المخاطر المتوقعة من تضخيم دور التكنولوجيا في حياة الشعوب الحاضرة؛ فليوفغيني ينادي بأن نكون حذرين للغاية إذ إن قوة الديمقراطية التي نعتقد أنها تأتي مع وسائل الإعلام الجديدة لا تجلب الديمقراطية والحرية فعلا ولكنها تعمل على ترسيخ الأنظمة الاستبدادية؛ حيث يمكن لشبكة الانترنت السيطرة على الناس مثل ما في وسعها أن تثقفهم؛ فيمكن للحكومات مطاردة المعارضين وتتبع بريدهم الإلكتروني وتغريداتهم من خلال أرقام حواسيبهم التي تصدرها، كما هي الحال مع صورهم من خلال الصور التي يلتقطونها لأنفسهم وأطفالهم على هواتفهم النقالة! وبهذه الطريقة وكما يري مورزوف تمكنت الصين مثلا من السيطرة على الانترنت، فلا يمكن لك مثلا البحث في جوجل هناك وأغلقت الكثير من المواقع السياسية النشطة !! بل تمكنت الدولة من منع الأفراد من الوصول الى المواقع الإباحية والمخلة بإغلاق أي موقع يضم كميات غير عادية من اللون الوردي (لون البشرة)!!! إلا أن ذلك بالطبع لم ينجح مع المواقع الإباحية لأصحاب البشرة الداكنة فتسللوا الى الصين رغم أنف الرقابة !!! والأسمر يكسب !

ولأن السعودية كباقي دول الخليج تتميز بتوافر البنية التحتية للشبكة العنكبويتة لتصل الى من يرغب بأسعار تعتبر تنافسية وهي تميل إلى الانخفاض يوما بعد يوم إضافة إلى توافر القدرة الشرائية لدى الأفراد لملاحقة أحدث الابتكارات واستخدامها واذا أضفنا الى ذلك كمية الفراغ الذي يحيط بالشباب لفقر الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية من حولهم فيما عدا الأهل والأقارب وبعض المطاعم المحاصرة فيمكن لنا تخيل سطوة وسائل الاتصال الحالية التي يقضي فيها معظم الشباب جل وقتهم، وشعورهم بأنها هي الأسهل للتواصل مع الغير فإذا كان الكويتيون يذهبون للديوانية والمصريون للمقهى فالسعوديون لا يملكون الا الانترنت ليقضي فيها طفلهم وشابهم وشايبهم معظم أوقات فراغهم وفي دراسة أجريتها بالتعاون مع احدي الزميلات العام الماضي على شباب وشابات في المرحلة الجامعية أفاد أكثر من70% منهم أنهم يقضون ليس اقل من ثلاث ساعات مع وسائل الاتصال المختلفة بما فيها البلاك بيري والايميل والفيس بك وتويتر.

إذن هي قوة هائلة استفاد منها الشباب في تحسين لغتهم والاطلاع على الكثير من المواد والتفسيرات والطروحات مما كان من (اللامفكر فيه) كما عبر عنها الفيلسوف الإسلامي الراحل محمد أركون وهو ما وسع رؤيتهم الثقافية أو (ضيقها) حسب من يؤمنون به أو يتبعونه. هي ساوت بين الأعمار والمكانات ، فليس من الضروري ان تفني عمرك في الاشتغال بالفكر والسياسة حتى تكون مؤثرا فالكثير من صغار الشباب لديهم مئات الآلاف من المتابعين والأصدقاء حول العالم. سقطت الأمجاد القديمة المرتبطة بالإعلام والمشاهير وظهر سحر الكلمة او الفيلم القصير عبر اليوتيوب والتقطه شبابنا (وكما العادة) بحماسة وشطارة منقطعة النظير !

هل هي استراتيجيات الإلهاء كما يقول علماء اجتماع التكنولوجيا ؟ (أنظر موقع نيو أمريكا فاونديشن). يمكن للأنترنت أن يعطي وهما مستمرا بالمساهمة في الفعل والنضال عبر المساهمة في الصراع (الكلامي) لكنه لا يعني أبدا أن (المناضل) الأنترنتي يعرف واقعه ويشارك في صنعه فعلا ! إنه وسيلة ممتازة تفرغ شحنات الطاقات السلبية والايجابية معا فيختفي تدريجيا معنى الفعل ونتصلب أمام الأجهزة التي تدير رؤوسنا وحساباتنا دون أن نعي !

من استراتيجيات الإلهاء أن ننشغل بقضايا جزئية يتم تضخيمها عبر الإنترنت فتملأ فضاءه وتنفخ عقولنا ورؤيتنا لنصبح مثل حبة (الفشار) كبيرة من الخارج ولكنها فارغة من الداخل فلا نتمكن من تمييز الأسباب الحقيقية التي أدت إلى وضع ما ليستمر أو يمر دون محاسبة.

هي وسيلة إلهاء جيدة تستخدمها جماعات ضد جماعات أخرى فتظهر الحزبية والمناطقية بكل صورها البشعة. هل نصل من ذلك أن المشكلة ليست في الأداة وهي التكنولوجيا بل في الأسس الثقافية لمناخ ثقافي صيغت بنيته الفكرية والاجتماعية على سياسات الإقصاء والتفضيل على أساس القبيلة والمنطقة والأسرة والمذهب، وها هو يجني ثمار ذلك عبر وسيلة منطلقة بجنون دون ان تفرمل لتدرك أنها تدمر!!

 

قبل أن تغرد.. فكر.. أنت في السعودية ؟!
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة