الجزيرة - د. حسن الشقطي

يشكل سوق الأسهم بوتقة أساسية لتقديم التمويل اللازم لإنشاء وتأسيس المشروعات الضرورية لعملية التنمية الاقتصادية.. وينطوي هذا السوق على عدد من القطاعات السوقية مقسمة حسب النشاط.. وأحد هذه القطاعات هو قطاع المصارف المتخصص أصلا في التمويل.. ويتصف السوق السعودي أساسا بوجود فوائض وسيولة مالية عالية على المستوى، وقد كانت هذه السيولة تتحرك بشكل سلس من أصحاب الفائض إلى أصحاب العجز خلال فترات طويلة، وحتى 2008م، في عمليات إقراض رسمية دخل الجهاز المصرفي وأخرى غير رسمية خارجه.. إلا إنه مع ظهور وتفاقم الأزمة العالمية في 2008-2009م، فقد تغير الوضع تماما، حيث أنه مع تضرر البنوك جراء هذه الأزمة، فقد لجأت إلى إتباع سياسة أكثر تشددا في شروط الإقراض، بعد تعرضها للكثير من القروض المتعثرة. هنا برزت أطراف جديدة بالسوق خارج النظام المصرفي تؤدي دور المقرض، ولكن باشتراطات أكثر إجحافا للمقترضين، في ضوء الغياب الجزئي للقناة المصرفية الرسمية.. وهنا الكلام عن المشاريع العادية وذات درجات المخاطرة غير المرتفعة، أو لنقل بالنسبة للمشاريع القائمة وذات السمعة. فما بالنا بمشاريع شباب الأعمال الجدد التي تنطوي على قدر من المخاطر.. إن التساؤل الذي يطرح نفسه : هل القناة المصرفية أو حتى القنوات خارج الجهاز المصرفي أو حتى سوق الأسهم ككل لديه الآليات أو أدوات خاصة لتمويل مشاريع رأس المال المخاطر للشباب الجدد؟

تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة

إن نشر ثقافة العمل الحر يمثل الحل السحري لكثير من المشاكل، أهمها البطالة.. فالشباب السعودي يمتلك الحس والاستعداد للعمل الحر بطبيعته، فالحس التجاري موجود وطبيعي بحكم النشأة.. وقد توصلت كثير من الدراسات إلى أن مشكلة العمل الحر هي التدريب، وبعضها قال التأهيل، وبعضها قال الخبرة، وبعضها قال البيروقراطية، وبعضها قال التمويل، ولكني أحدد المشكلة عنصر هام ورئيس، هو نقص أو غياب التمويل.وليست المشكلة في عدم وجود مؤسسات تمويلية، ولكن المشكلة في تمويل رأس المال المخاطر أو الجرئ لمشاريع الشباب.. ولابد أن نعرف أن كافة مؤسسات التمويل لا تمتنع عن تمويل مشاريع الشباب، ولكن في الحقيقة فإنها تتباطأ في تمويل رأس المال الذي ينطوي على قدر من المخاطر.. وينبغي القول صراحة أن كل مشاريع الشباب الجدد هي مشاريع بها درجة من المخاطرة.. أولا كمشروعات جديدة.. ثانيا لأن صاحب المشروع يعتبر جديدا على النشاط، وثم لأنه لا يمتلك الضمانات الكافية لرد المال المقترض في حالة فشل المشروع أو تعثره.هذه هي المعضلة التي تواجه الشباب الذي يرغبون في ريادة الأعمال لأول مرة.. كثيرون يلفون ويدورون حولها وكثيرون لا يرغبون في التحدث عنها صراحة.. وهي أن مؤسسات التمويل القائمة لا تمول مشاريع رأس المال الجرئ أو لا تمول المشاريع التي تنطوي على المخاطر.. من أين يمكن أن يأتي الشاب بمشروع لا يوجد به مخاطر ؟ فكونه شابا يرتاد الأعمال لأول مرة يعتبر في حد ذاته نوع من المخاطر التي تكتنف مشروعه.إن الحالة الوحيدة التي لا ينطوي فيها المشروع الجديد على المخاطر، تتمثل في أن يتحول الشاب المبتدئ -بقدرة قادر- إلى رجل أعمال يمتلك الخبرة الذاتية ويمتلك الخبرة بالنشاط ويمتلك الضمانات التي تغطي مخاطر اقتراضه.. وهذا غير ممكن.. من هنا تنبع مشكلة العمل الحر لرواد الأعمال الجدد..لماذا لا توجد مثلا مشاكل في تمويل المشاريع الكبيرة؟لسبب واحد لأن كافة رجال الأعمال حتى لو أقدموا على مشروع جديد به مخاطر، فإنهم قادرون على تغطية هذه المخاطر من خلال خبراتهم السابقة أوأصولهم المملوكة أو من خلال تقديم ضمانات أخرى.. بل أن مؤسسات التمويل تقبل تمويلهم بدون ضمانات، اللهم إلا أسمائهم التجارية أو شهرتهم تكفي.إذا أردنا حلا لتعزيز العمل الحر بالمجتمع المحلي، فلابد من إيجاد حلول عملية لتمويل رأس المال المخاطر للشباب الجدد. لنسأل سؤال كم عدد المشاريع التي مولها برناج كفالة منذ نشأته على سبيل المثال؟ سنجدها قليلة.. ما هو السبب ؟ لأن البرنامج يكفل المشاريع التي تقبل البنوك المحلية تمويلها.. والبنوك المحلية لا تقبل تمويل مشاريع جديدة غالبا لأنها تنطوي على مخاطر ذاتية بصرف النظر عن النشاط.. لذلك، فإن البرنامج في اعتقادي أنه يمول كل المشاريع باستثناء مشاريع رأس المال الجرئ، وبالتالي يمكننا القول بأنه لا يمول المشاريع الجديدة للشباب الجدد البادئين (إلا في حالات خاصة) مهما كانت جدوى مشاريعهم.. إنه الخوف من المجهول أو المخاطر.إننا في حاجة لإيجاد مسارات لتمويل رأس المال المخاطر حسب معايير واشتراطات معينة، ولكن لابد لهذه الاشتر اطات أن تتحمل قدر من المخاطر المرتبطة بتأسيس مشروع جديد لشاب يدخل عالم الأعمال لأول مرة.

هل سوق الأسهم يمول مشاريع رأس المال المخاطر للشباب ؟

سوق الأسهم أداة فاعلة لتمويل كافة الشركات بكافة أنواعها، إلا إن هناك من يرى بأن هذا السوق موجه للشركات الكبرى، بل أنه لا يمكن اختراقه إلا من قبل بعض الشركات الكبرى فقط.. بمعنى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة قد تواجه صعوبات جمة في إدراج أسمهما في سوق الأسهم.. وكلمة شركة صغيرة أو متوسطة لا تعني شركة برأس مال 100 ألف ولكنها تعني شركة قد يصل رأسمالها إلى 10 مليون ريال.. هذه الشركات غالبا لا تجد من يمولها رغم أنها قد تكون ذات جدوى اقتصادية عالية ورغم أن أفكارها رائدة ومبدعة.. للأسف فإن الجهاز المصرفي لا يوافق كثيرا على تمويل هذه المشاريع، رغم تكالبه على التمويل الشخصي.. كما أن التمويل خارج الجهاز المصرفي لا يبدو متخصصا بالشكل الكافي ليمول هذه المشاريع، لأن التمويل خارج الجهاز المصرفي يعتبر أقرب ما يكون للقروض الشخصية، فضلا عن أن متوسط قيمة التمويل لا تتعدى المليون ريال غالبا. أي أنه تظهر لدينا فجوة لتمويل مشاريع بعضها هام للغاية لتنمية الاقتصاد الوطني، تصنف تحت مسمى رأس المال المخاطر.. ولا يتبقى أمام أصحاب هذه المشاريع سوى سوق الأسهم للتمويل، فهل يمولها ؟

ما أدوات سوق الأسهم لتمويل مشاريع الشباب الجدد ؟

رغم أن نظام الشركات في آخر تعديلاته نص على أنه يجب ألا يقل رأس مال شركة المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام عن مليون ريال.. إلا أنه عمليًا لا يمكن للشركة التي رأسمالها في حدود هذه القيمة أن تخترق سوق الأسهم.. بل إن أصغر قيمة حقوق مساهمين لشركة مدرجة تصل إلى 27 مليون ريال، وأقل رأس مال شركة يصل إلى 100 مليون ريال تقريبا.. وهنا نطرح السؤال حول مدى احتياج السوق لأدوات وآليات جديدة لتمويل بعض مشاريع الشباب المجدية أو تجميعها ودمجها معا أو طرح تأسيس شركات جديدة متخصصة في تمويلها.. إنها أفكار تستحق النظر.