ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 03/03/2012/2012 Issue 14401

 14401 السبت 10 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

حمص.. مدينة صار يعرفها الجميع لها رائحة الدم والبارود وبشاعة الحرب والدمار والهلاك تعيش إيقاع القذائف الحارقة وضربات راجمات الصواريخ القاتلة ويهطل عليها الرصاص من كل حدب وصوب - حمص - يحتويها الظلام وعتمة الدروب والأقبية السرية وتعيش عكس

النمو وعكس الاستطالة وعكس التمدد الأفقي وعكس الحلم حتى صار لها واقع الدم والسواد والأبواب المستباحة والنوافذ المشرعة حق مصان، مصابة هي - حمص - بالجدل واليأس والهزال وحدها عارية إلا من أصوات النشاز والبهتان والأشرار واللصوص الكبار - حمص - تضمر، تضمر حمص تبكي بحرقة، تترنح، يموت فيها الإنسان والنبات والحيوان وأحلام الطفولة البريئة وارتواء الأرض - حمص - تجلدها القذائف بلا انقطاع حتى أحالتها إلى مدينة أشباح تموء فيها القطط وتتشرد فيها الكلاب ويقفز فيها الرجال بلا هدف وحتى النساء ثكلى تبكي بألم محرق ودموع نازفة بالوجع، زلزلهم واقع القتل حتى أعادهم بلا عقول - حمص - تنبعث منها رائحة العفونة والدم والأجساد الميتة العارية - حمص - أصبحت كظل متهالك، وكاستقامة أخذت شكل الانحناء، جسدها البلوري صار مثل لون الفحم، وعطرها كرائحة الشواء، وجهها الصافي صار أسود داكن وبه عتمة، نورها المشع بدأ يتلاشى، ونهاراتها المضيئة صار لها شكل الظلام، وحتى رياحها المنعشة أصبحت مثقلة بالرطوبة، دفئها الأخاذ أخذ بالانكماش، وتسلل إليه برودة الطقس العاتي، - حمص - أصبحت مثل زهرة نمت بزهو ثم حاول اللصوص المحترفين قطفها بخيبة، صوتها العميق بدأ يخفت، صار منهكا، يمتزج فيه ذرات الغبار، وهلام الظلمة، ووحشة البيد المقفرة، - حمص - صارت مرهقة ومتعبة وبها وجع ثقيل بفعل مصاصي الدماء ولاعقي الجروح، ولابسي الأقنعة، ومخربي الأرض، والمرتزقة، والمنافقين، والشنفونيين، وأصحاب الهوى، ومعاقري الكذب والبهتان، والطائشين والمراهقين والحمقى وملاك الأحصنة المريضة، وفرسان الحروب السوداء وأهل الرؤى الضبابية والأصوات الضائعة وجلادي الشعوب والمارقين ومنادمي العهر ومعاقري الفجر والراكضين عكس الضياء وعكس البهاء وعكس النقاء والذين يشبهون نقار الخشب والخفافيش وخنافس الجعل - حمص - أصبحت محصورة بين دفتين: دفة هبة الريح، ودفة لهب الفتيل المشتعل، - حمص - مثبتة الآن في عنق زجاجة، موضوعة على خشبة مسمرة في الحائط مابين الأرض والسقف، لها انتفاخ الحيطان، ونتوءات الأرض، وقشور تربة بعد يوم عاصف بالمطر، - حمص - تجلس الآن على أخمصيها، مادة بصرها نحو الخارج، يتصادى صوتها مترددا في فراغ كبير، لا هي قادرة على المنام فتنام، ولا هي قادرة أن تتمدد خوفا من الخفوت الكبير، - حمص - علينا أن نفتح لها نوافذنا الموصدة، وأن نزرع حدائقها المحروقة بالنرجس وبالياسمينواللوتس، وأن نرتق ثيابها الممزقة بخيوط الحرير، وندخل عليها من زوايا لا يلاحقها الهم والغم ورائحة الحانات والبارود، ونهطل عليها مثل نجمة جديدة، وقمرا جديدا، وعصفورا ملونا يجيد الغناء، ونمنحها ربيعا وفراشات وبدرا مكتملا ومواقد للشموع وقوارب للنجاة، حمص أيتها - العذية - يا مدينة التاريخ والقلاع والنهر والهواء العليل والربيع الذي يبلغ العالية، يا الأرض والتراب والهواء والكواكب والحقول والمواسم والساحات والأرصفة والوجوه والحدائق، يا حسناء، يا جديلة مزينة بالعطر والحناء، يا بهاء البهاء، يا العين التي بها حور، يا مزارع الحنطة وحقول التفاح ودالية العنب والتين والرمان والزيتون، يا الدفء، يا الرابية، يا المناخ الجميل، يا الهواء الندي، يا مطاب المقام والغفوة والمنام، حتما سيسقط الطغاة وسيتم اجتثاثهم، وسيكونون في الطرقات تائهون هائمون وحيدون بلا أنيس كالأرصفة والتماثيل والأعمدة المائلة، وسيتسولون الرغيف والزبدة والقصب من شوارع التيه والأزقة الضيقة، وستكون الأبواب والرياح والأزهار في وجوههم مغلقة، وستبقى أجسادهم عارية ملطخة بالعار والسواد، وسيدفنهم الناس في البراري القاحلة البعيدة بلا نحيب ولا بكاء ولا دعاء، وسيمر الناس على قبورهم النائية مر السحاب بلا دعاء ولا كلام ولا سلام.

ramadanalanezi@hotmail.com
 

حمص.. رائحة الدم والبارود والفتيل المشتعل!
رمضان جريدي العنزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة