ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 04/03/2012/2012 Issue 14402

 14402 الأحد 11 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

نحن الآن في وقت متطور جداً في تاريخ البشرية. بل هو الأعظم علماً وتطوراً. لماذا إلى الآن لم نرَ سيارات طائرة؟ لماذا لا نرى أرصفة متحركة؟ لماذا لا نرى مصعداً عمودياً يصعد بنا إلى الفضاء الخارجي؟ أسئلة كثيرة كهذه تمر على أذهاننا، ولعلنا نعتقد أن السبب هو أن التقنيات اللازمة لا زالت في مهدها أو حتى لم تولد بعد، لكن الحقيقة أن البشر قد عُرِفوا أنهم يسبقون أزمانهم في الكثير من الأحيان. خذ مثالاً الصين القديمة. الصينيون القدماء كانوا أول من اخترع الصواريخ. لا أقصد صواريخ العيد («الطراطيع!») وإنما أقصد نماذج بدائية من الصواريخ الحربية، واعتمدوا فيها على تقنية قديمة شبيهة بقذائف المدفعية، فكانوا يأخذون حماماً ويُلبِسونه جراباً يضعون فيه جمرة ثم يطلقون الطير على جيوش ومدن العدو، وبعد فترة تبدأ الجمرة في خرق الجراب وتسقط، وهذا ما أحرق خيام ومدن الأعداء، لكن ظهرت مشكلة لما رجعت الطيور تحلق فوق مخيمات الصينيين وانقلب السحر على الساحر! هذا ما اضطرهم لتطوير السلاح، فأخرجوا الطيور من المعادلة وأدخلوا البارود والسم، فصنعوا قذائف من الخيزران على هيئة غربان وحملوها بمسامير مسمومة وقذفوهم بالمجانيق، ولما وصلت إلى ارتفاع معين انفجرت وأطلقت المسامير الملتهبة السامة في كل مكان، وكان الانفجار يُرى على بعد عدة كيلومترات. نحمد الله أن العلاقات الإسلامية الصينية لم تكن مشوبة بالكثير من العدوانية، ولكن على الطرف الآخر فإن حروب المسلمين مع الروم رأت تقنية متطورة صنعها الروم، فلما أرسل معاوية رضي الله عنه جيشاً بقيادة ابنه يزيد للقسطنطينية كان هذا أول حصار للمدينة العريقة، وبعد عدة سنوات من الحصار نجح الروم في صنع سلاح جديد اسمه «نار الإغريق» - وكلمة إغريق تعني قدماء اليونان - وكان هذا السلاح نظير قاذفة اللهب التي نعرفها اليوم، وهو عبارة عن نار سائلة يقذفها المدافعون إما من الحصون أو من السفن لتحرق العدو، وجعلوا التركيبة بالغة السرية لدرجة أنه لمئات السنين لم يعرفها إلا الأسر المالكة وأحفاد المخترع، وإلى يومنا هذا لا يدري أحد ما هي المواد التي كوّنتها.

الأشياء السابقة لأوانها لا تقتصر على أسلحة الأمم الماضية بل إلى اليوم و نحن نرى أشياءً تبزغ وتختفي. هل تعرفون «سايمون»؟ تعاونت شركة آي بي إم مع شركة بل ساوث وعرضتا جهاز «آي بي إم سايمون» عام 1992م في معرض كومدكس التقني في لاس فيغاس ثم طرحتاه للبيع في السنة التالية. ما هو هذا الجهاز؟ إنه هاتف متنقل. قد تعتقد أنه بسبب إنتاجه قبل فترة طويلة كهذه فهو لا يحوي ما تحويه الأجهزة اليوم من تقنية، ولكن ما أبعدك عن الصواب لو كان هذا ما تظن! هذا الجهاز رغم أنه أتى في فترة تعتبر بدائية في تقنية الهواتف المتنقلة إلا أنه حوى من المميزات الشئ العجيب، فزودوه بوظائف لا توجد حتى في أجهزة اليوم المتطورة. تأملوا بعض مميزات سايمون، فإضافة إلى أنه كان هاتفاً خلوياً فقد كان يحوي تقويماً، دفتر عناوين، ساعة عالمية، حاسبة، بريد إلكتروني (!)، ألعاب، وكان لا يحوي أزراراً بل تضغط على الشاشة نفسها لتنفيذ المهام. تقنية مذهلة! غير هذا فقد كان يحوي خاصية بيجر، مساعد رقمي شخصي، بل كان يستطيع إرسال الفاكسات مباشرة وذلك بأن تكتب على الشاشة أو تضغط على أزرار لوحة مفاتيح ترتسم عليها وترسلها للرقم المرغوب! جهاز سابق لأوانه، وربما حال دون انتشاره هو أن سعره آنذاك 900 دولار وهو ما يعادل قرابة 1600 دولار وذلك حسب قيمة العملة عام 2010م، أو 6000 ريال.

في أحيان كثيرة تكون التقنيات متوفرة ولكن تمنع التكاليف العالية دون تحويلها إلى سلع للاستهلاك العام، وهي تكاليف لن تستطيع الشركات تعويضها إلا برفع سعر السلعة بحيث لا يستطيع عليها معظم الناس، وهذا السبب كان من أسباب فشل جهاز «مسج باد»، فعندما تتلفت اليوم وترى الأجهزة الذكية وقد انتشرت فإن مُلهِم هذا الهوس هو هذا الجهاز الذي أصدرته شركة أبل عام 1993م وهو أبو الآيفون وإخوانه، و يحوي الكثير من مزايا جهاز سايمون إضافة إلى بعض خصائص أجهزة اليوم الظريفة مثل دوران الشاشة بزاوية 90 أو 180 درجة حسب رغبة المستخدم، ولكن فشل الجهاز فشلاً ذريعاً بسبب السعر العالي والحجم الكبير (الوزن كان يصل إلى نصف كيلو) وكذلك عدم دقة التعرف على الكتابة اليدوية على الشاشة، أوقفت أبل تصنيع الجهاز إلى أن عاد اليوم بصورته الجديدة بعد أن صار التصنيع والتقنية أقل كلفة.

لعل هذا يلقي بعض الضوء على أسئلة بديهية لا نملك إلا أن نفكر فيها، مثل «نحن الآن في عام كذا وكذا، كيف لم يخترعوا الشيء الفلاني إلى اليوم؟»، فالآن نعرف الجواب: التقنية موجودة، لكن الأرباح محدودة!

 

الحديقة
أسئلة معقولة لكن الإجابة لا تتغير!
إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة