ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Wednesday 07/03/2012/2012 Issue 14405

 14405 الاربعاء 14 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ما إن يقترب المغيب إلا وأجدني دون أن أدري وبدون سابق إنذار غير دقات النهاية أو تحسبها أبدأ بعد أضلعي. تقع يدي على أعواد نحيلة يابسة نحتتها أزاميل التجارب ونصال الزمن لولا ما تبقى في كأس الأجل من ندى الأحلام المؤجلة ورشفات مختلسة مما مر بنا من حب أو أخيلته

أو تمنيه. أنقل يدي في الفراغ المزدحم وأتركها بكرم حاتمي تتحسس قلبي، عنقي، ساقي، أصابع كفي فأجدني ممتقعة في كل أنحاء جوفي وجسدي بكدمات غامقة وصدمات صارخة وأفراح مبرحة وأحزان خجولة من كل صنف. دون أي محاولة إلا فيما ندر لتطيب خاطر تلك الطفلة التي تكاد السنون تخطفها مني، ودون التفكير في تطبيب أي من جراح الحواس الفاغرة أفواهها في كل أنحاء حسي، أحاول فيما تبقى من رمق أخير تدبر ما زال عالقاً في ذمة الوقت والشغف من أمري وعمري.

ومع ذلك ففي «حركة بطيئة» كما تسمى سينمائياً، وبوجل يشبه وجل تجربة أولى، مع أنني أقوم لحظياً بمثل هذه الطلعات أو أدعي ذلك، أجدني ألج إلى ضميري، وأبدأ النبش والتفتيش في جولة متوجسة وكأنها غير مسبوقة، ولا يستبعد أن تكون الأخيرة. أجوب ضميري بدهشة الاكتشاف وبنشوة الاستجواب في البحث عن ضالة ثمينة. ألمس منحنيات الضمير الحادة البالغة الإغراء بما يصيبني بمس من حيث لم أحتسب. أصعد تخومه الشامخة وأنا أسند طولي بكل ما أعطى الله النساء من بأس لئلا تتقصف قامتي. أخوض في رماله المتحركة حتى لأكاد أختفي أو ألمس أغوار الأرض السابعة. ألوح أمام رياحه المتكبرة العاصفة بأشرعتي وراياتي الممزقة والمجعدة والمتماسكة والجديدة دفعة واحدة وكأنني شعب ينتفض.

يسقط في يدي وأنا أواجه عيون ذلك الضمير الصاحية الفاحصة التي لا تفوتها شاردة ولا واردة في نومي وصحوي، إلا أنني أتركه يكتب بكل أريحية ممكنة تقريره عن حركاتي وإيماءاتي وسكناتي وكلامي وصمتي وثورتي وجبني وعشقي وصدي وولعي، وأكتفي بشرف أرق القراءة.

نفرح بنهاية اليوم أياً كانت؛ فقد بلغنا نهاية الماراثون لذلك النهار، ولا يعود الفوز أو الهزيمة هو السؤال؛ إذ إن السؤال حالة متغيرة، تتحول من حال إلى حال في الصيغة أو المضمون أو في الاثنين معاً مثلما تتغير المفاهيم بمرور الوقت وتحت ضغط التغيرات. المهم أننا تحلينا لآخر النهار بحلية الصبر أو تبلغنا بخبزه القارس فلم نسمح لأنفسنا بالانسحاب أنى كانت ضراوة النزال اليومي أو أي كانت روتينيته ولزوجته. ففي تلك اللحظة الفاصلة الرهيفة المتخفية فينا عنا بين أمس مضى وغد آتٍ لا يعود بالمستطاع إلا أن نحمد الخالق على نعمة الشجاعة أن وصلنا إلى المطاف الأخير من نهاية يومنا، ولم ينتهِ أملنا بالحياة مع المغيب. كما أنه لا يعود هناك فسحة في الوقت إلا وقت قليل وهو ليس لنا بل هو وقت الضمير ليحاسبنا على أفعالنا في يوم يغيب وليعدنا بضمير نظيف ليوم في الغيب.

أصحو صباح الثلاثاء الساعة الخامسة إلا ثلث فجراً من نومي القصير بعد أن تقرحت عيوني من قراءة الصحف والمواقع والكتب العتيقة وتلك التي لم أعد أستطيع اللحاق بعناوينها، وأتعمد وأنا أغسل وجهي ألا أعالج تقيح سمعي من أصوات الاختلاف على المبادئ الأساسية في قضايا ضميرية وليست مصيرية فقط. أكتب مقالي أو بالأحرى أنزف مقالي عن الربيع العربي بمشتقاته من مكونات الأمل وعناصر اليأس، وأستعد بعد السير ثلاث ساعات في تهلكة تلك الهواية للذهاب إلى عملي بالجامعة.

أتأبط نشاطي الصباحي ومحمولي وكتبي وأقبع في «المقعد الخلفي» 45 دقيقة. أستفيد من «الرفاه الإجباري لمشوار» بقراءة الصحف والطرقات والمؤشرات الاجتماعية للازدحام وللمخالفات المرورية والاستخفاف البشري بأمن البيئة الاجتماعية وبتصفح تلك الابتسامات المتسربة عبر ملامح محافظة أو تحاول الالتزام بعادة التحفظ

أدخل محاضرتي الأولى للبحث الاجتماعي الميداني بموضوعها «الرسالة السياسية والاجتماعية لإنتاج الشباب السعودي المرئي الجديد». ثم محاضرات أخرى نقد في النظريات ونقد في المناهج ونقد للشكل والمضمون في محاولة تريد أن تنجح في إتقان مهارة الحس النقدي الهادف والمسؤول والموضوعي، يستخدم العقل بدلاً من النقل، ويوظف الحوار بدلاً من المصادرة، ويعتمد على المشاركة بدلاً من التهميش أو الاستفراد. أحضر اجتماع القسم المنقسم بين مركز الدراسات الجامعية للبنات بعليشة والمبنى الرئيسي لجامعة الملك سعود بالدرعية، بين مبنى 25 لقسم الدراسات الاجتماعية ومبنى 16 لكلية الآداب. فيما يتمسك كل من رئيس القسم د. حميد الشايجي ووكيلة القسم د. نوف آل الشيخ بشعرة معاوية عبر أسلاك «الاجتماع اللاسلكي» للقسم الواحد بين قسم الطلاب وقسم الطالبات في محاولة لرأب الصدع الجيوسياسي بالبحث الأكاديمي.

محاضرة أخرى في تحليل لعمل روائي من أعمال الشابات السعوديات من منظور علم اجتماع الأدب . ثم «أووووووبس» لم يبقَ إلا ساعة أقضيها في الطريق من عليشة إلى بيتي قبل أن أذهب لمبنى الماجستير الموازي شمال شرق الرياض لمواصلة محاضراتي المسائية في علم الاجتماع الوطني.

أربع ساعات أخرى لا تشق كدها المتواصل إلا التماعات عيون الطالبات في النظر على مد الرؤية لمستقبل لعلي أساهم في صنعه ولو بالحلم، ولعلي أعد سرباً من بنات المطر والسراب لهذه البلاد؛ ليقفن في يوم قريب في هذا الموقع المشحون بعذابات المعرفة وعذوبتها وبأسئلة قد أغادر المكان ولم أشفَ منها. أدخل البيت الساعة العاشرة إلا ثلث مساء. أتناول عشاء عاجلاً مع أبنائي، فيما أكتفي معهم بأحاديث البصر، لأهرع للفراش. ولكن... قبل أن أتلذذ بالاستسلام لسلطان النوم تناديني أجراس الضمير بغوياتها الباهظة لبدء السهرة معي بعد يوم لم أرَ فيه نفسي بل بالكاد كنت أحاول اللحاق بأشواقها. يبدو الأمر مضحكاً، كأني أرسم صورة من «ليل وطل لسوبر ومن»، أي المرأة الخارقة، وربما ليس ذلك إلا في الخيال.

 

يوم آخر من ضرب الخيال
د.فوزية أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة