ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 10/03/2012/2012 Issue 14408

 14408 السبت 17 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أصاب الكاتب البارز الدكتور عبدالعزيز الجار الله كبد الحقيقة في مقالته المنشورة بصحيفة الجزيرة في 7-3-1433هـ، التي عالج فيها موضوع الإسكان فرأى أن (ربط الاقتصاد بالنفط ساعد على استمرار بقاء النمط الاستيطاني القديم الانتشاري المتناثر غير المستند إلى معايير.....

الكثافة السكانية والمرتكز الاقتصادي؛ ما جعل المجموعات البشرية لا تجد نفسها مضطرة إلى التحرك تجاه الاقتصاد الحديث). ذلك أنه من طبيعة اقتصادنا الريعي الذي يعتمد - في معظمه - على دخل الدولة من النفط أن تقوم الدولة مركزياً بتوزيع الثروة المتجمعة من هذا الدخل في شكل خدمات ومشاريع ورواتب ومنح وقروض وإعانات.. إلخ. وهذا النمط من الاقتصاد - مضافاً إليه إرث التقاليد العائلية والقبلية - ينمّي ويرسخ الرغبة في الدعة والاستقرار عند الناس، ومن ثم - وهذا مربط الفرس - يصبح تملك المسكن المستقر الذي يوفر الاستقرار العائلي والاطمئنان النفسي أولوية قصوى.

وهذا أمر منطقي وحاجة إنسانية طبيعية. وقد أفاضت الصحف المحلية في الأشهر الماضية - ولا تزال - في الحديث عن أزمة الإسكان، وانطلق الكثير في الكتابات والتقارير من أن ما بين 60 % إلى 70 % من السكان السعوديين لا يملكون مساكن. ولم أطلع على ما يوضح نصيب كل شريحة سكانية من هذه النسبة. مثلاً كم نسبة متوسطي الدخل أو قاطني الأحياء العشوائية في المدن المهاجرين من مناطق مختلفة؟ وكم يمثل سكان القرى الصغيرة أو الأرياف مقابل سكان المدن الصغيرة والكبيرة؟ لعل معرفة ذلك ستكون ممكنة من خلال تحليل نتائج التعداد السكاني الذي أُجري عام 1431هـ.

الشيء المعروف هو أن بعض أسباب الحرمان من تملك المسكن (أو حتى استئجاره) تكمن في غلاء أسعار الأراضي وتكاليف البناء أو الاستئجار بالنسبة لمتوسطي الدخل، وبعضها يكمن في الفقر المدقع الذي لا يقدر المبتلى به على مجرد التفكير في استملاك بيت بأبخس ثمن. والشيء المعروف أيضاً أن النسبة الكبرى ممن لا يملكون مسكناً توجد في كبريات المدن التي هي من حيث عددها تُعَدّ على الأصابع، لكنها تحتضن أكثر من ثلثي سكان المملكة. وخير نموذج لها مدينة الرياض بملايينها الخمسة. الحصول على أرض في هذه المدينة داخل النطاق العمراني دونه خرط القتاد وسعر لا يُطاق، لا من قبل الفقراء ذوي الدخل الضعيف ولا من متوسطي الحال والدخل وفيهم مهنيون ومعلمون وموظفون في القطاعين العام والخاص. وليس من الحصافة أن نجادل خبراء الاقتصاد في أسباب غلاء الأسعار؛ فبعضهم يرى في ذلك تطوراً طبيعياً يتماشى مع تطور أسعار سلع أخرى مثل السيارات، أو جزءًا من ظاهرة عالمية أو لانخفاض القيمة الشرائية للريال نتيجة لربطه بالدولار، وسوى ذلك من التبريرات، لكن الشيء المؤكد الذي لا مبرر له أن محدودي الدخل لا قدرة لهم على شراء الأراضي أو المساكن الجاهزة، وأن هناك مساحات واسعة من الأراضي البيضاء المحتكرة توجد داخل النطاق العمراني. ولا يفارقنا - نحن البسطاء غير المختصين - الشعور بأن الغلاء ليس طبيعياً بفعل عوامل السوق، بل هو مفتعل عن طريق الاحتكار وإبقاء تلك الأراضي البيضاء دون حراك. فهي إن لم تكن السبب الوحيد لأزمة الإسكان فإنها أحد أسباب نشوئها. وقد اقترح بعض الكتّاب فرض رسوم على الأراضي البيضاء لحفز ملاكها على تحريرها، إلا أن هذا الاقتراح قوبل بمعارضة من البعض الآخر (د. محمد العبداللطيف بصحيفة الجزيرة) في 29-3-1433هـ، حيث فصل أسباب الغلاء المشار إليها آنفاً، ود. ناصر الصالح بصحيفة (الاقتصادية) في 20-1-1433هـ، حيث أوضح أن هناك أسباباً تقف وراء بقاء الأراضي بيضاء خلاصتها:

- مشكلات تتعلق بالإرث أو مساهمات متعثرة أو عدم شراء الدولة للأراضي المخصصة للمرافق أو عدم وجود التمويل السانح المعقول. وهذه الأسباب وجيهة، لكن لعل أزمة الإسكان تكون دافعاً قوياً للتعجيل بحل هذه المشكلات وتحرير الأراضي.

- ومن الأسباب كذلك أن الاستثمار في الأراضي هو آلية ادخار لكثير من المواطنين الذين يخشون الاستثمار فيما لا يعرفون! وهذا أمر يصعب فهمه، بل هو أدعى إلى فرض الرسوم وليس إلى رفضها. كذلك يصعب فهم ما أورده سمو وزير الشؤون البلدية والقروية في تصريح صحفي بتاريخ 22-2-1433هـ كسبب لصرف النظر عن فرض الرسوم على الأراضي، وهو فتوى هيئة كبار العلماء بعدم جواز ذلك؛ لأن الأصل حرمة أموال المسلمين. إذ إن الغرض من فرض الرسوم ليس مثل الغرض من فرض الضرائب، بل هو لتحقيق مصلحة عامة، مثلما ينزع ملكية عقار يشكِّل عقبة أمام فتح طريق أو إيصال خدمة عامة؛ حيث إن احتكار مساحات كبيرة بيضاء - مع وجود الحاجة للمساكن - إنما يخدم مصلحة فئة محدودة، وهذا فيه من الضرر ما يوجب إزالته، إما بإزالة الأسباب المذكورة أو بدفع الملاّك إلى تحريك أراضيهم من خلال فرض الرسوم. وقد اقترحت اللجنة العقارية بغرفة الرياض في 6-3-1433هـ مجموعة من الحلول العملية لمعالجة أزمة الأراضي، إلا أن من بينها اقتراحاً عجيباً يدعو إلى توسيع النطاق العمراني. فهل ضاقت الرياض بساكنيها حتى تحتاج إلى نطاق عمراني أوسع؟ إن من الأجدر استغلال الأراضي البيضاء لإنشاء أحياء سكنية حديثة التصميم حافلة بالسكان ونابضة بالحياة الاجتماعية ومحققة لجدوى إيجاد مرافق الخدمة العامة ووسائل النقل العام، بدلاً من نفي السكان إلى بر المدينة. في كل الأحوال فإن بقع الأراضي البيضاء تشوه جمال المدينة الذي يتمثل في اتصال وتماسك عمرانها وتنسيق أحيائها السكنية. على أن مسألة الأراضي ما هي إلا جزء من قضية الإسكان.

أما القضية برمّتها فالظروف تتطلب أن تخضع لسياسة منسقة واستراتيجية واضحة المعالم والأهداف، وتتولى الإمساك بخيوطها وزارة الإسكان. يكفي أن نتصور ما يمكن أن نصنعه خلال السنوات العشر القادمة لكي نحقق طفرة عمرانية تفوق بمراحل ما حققه صندوق التنمية العقارية منذ أكثر من خمس وثلاثين سنة. فالملك - حفظه الله - وجَّه بإنشاء نصف مليون وحدة سكنية، وأنظمة التمويل العقاري، التي ينتظرها الناس بفارغ الصبر، ستهيئ لتوفير عشرات الآلاف الأخرى من المساكن. أما المدن الاقتصادية (والمناطق الصناعية) والمؤسسات الحكومية والخاصة في مختلف المناطق فتستطيع أن تقيم آلاف الوحدات السكنية؛ لتحقق أكثر من هدف؛ فهي من ناحية تجذب السكان إلى تلك المناطق، وهي من ناحية أخرى تربط العاملين والموظفين بمصانعهم أو مؤسساتهم؛ فهكذا فعلت أرامكو والهيئة الملكية للجبيل وينبع، وهكذا تفعل الجامعات اليوم. وهنا يجب التنويه أيضاً بجهود مؤسسات الإسكان الخيرية. هذه الطفرة العمرانية (الحضارية) فيها متسع لتنوع بدائل السكن وتوزيعها - إذا أحسن التخطيط والتنسيق - ذلك بقدر تنوع وتبدل الظروف الاقتصادية والاجتماعية للباحثين عن السكن. من ذلك تواضع القدرة الشرائية لبعض الأُسَر، وتفاقم سلبيات استخدام العمالة المنزلية بما فيها من مشكلات، وانكماش حجم الأسرة بسبب زواج أو ارتحال أحد أفرادها.

مثل هذه الظروف تجعل التوجُّه إلى سكنى الشقق المصممة لتلائم جميع الحاجات والأذواق توجه المستقبل، ليس فقط من أجل ملاءمة الظروف الأسرية بل إن بناء العمائر متعددة الأدوار المحتوية على الشقق السكنية يضفي النضارة والحيوية على الحي السكني، ويسمح بسكنى عدد أكبر من الأُسَر على مساحة أقل من الأرض. ومع أن تملك الدارة أو الشقة هو غاية المنى إلا أن هناك الذين يوطنون أنفسهم على التنقل والسعي لكسب الرزق في المكان الأفضل، وهناك الشباب الذين هم في مقتبل حياتهم أو تنقصهم القدرة المالية، وهناك أرباب الأُسَر الذين يفضلون الاستثمار على حساب بناء المنزل الخاص. هؤلاء وغيرهم يرغبون في الاستئجار وليس التملك. ولكن سواء كان المسكن للتملك أو للاستئجار فإن الساكن يريد أن يشعر بالاستقرار والطمأنينة والمتعة، ويريد من الجهة الموجهة لسياسة الإسكان أن تزيل ظاهرة الشغل التجاري الرديء الذي يسلب ذلك الشعور.

 

قضية الإسكان.. من الأزمة إلى الطفرة
عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة