ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 23/03/2012/2012 Issue 14421

 14421 الجمعة 30 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

صحافة العالم

 

أفغانستان: عندما تتحول الحرب لمرض.. لنخرج فورًا!

رجوع

 

* ريتشارد فولك

آخر جرائم الاحتلال في أفغانستان كانت نوبة القتل التي وقعت في الحادي عشر من مارس على يد جندي أمريكي مارق في محافظة قندهار حيث قتل 16 مدنيًا أفغانيًا، بما فيهم نساء وأطفال، وكلهم تعرضوا إلى القتل في جوف الليل بدون أي ذريعة لوجود نشاطات قتالية في المنطقة. ومثل تلك الفظائع تعد تعبيرًا جديدًا عن الاستجابة المرضية من أحد الجنود لحقيقة عسكرية غير مفهومة، وهي حقيقة تبدو أنها تقود الجنود الأمريكيين على الأرض إلى الجنون. فالمجرم الرئيس هنا ليس مطلق النار، ولكن القائد السياسي الذي يصر على استمرار المهمة في مواجهة تلك الدلائل.

ما يطلق عليه حوادث فردية أو «انحرافات» ليست شيئًا من ذلك على الإطلاق، فما يحدث الآن هو ردود فعل مرضية من رجال ونساء محصورين في فخ موت صنعوه بأنفسهم، بيئة أجنبية تصطدم بصورة قاتلة مع مشاعرهم الطبيعية ومع أخلاقهم، فإلى جانب احتلالهم واستباحتهم لأراض أجنبية وبسبب هويتهم الثقافية، فإن القادة السياسيين الأمريكيين قد وضعوا الشباب الأمريكي لأكثر من عقد من الزمان في مواقف لا يمكن احتمالها من المخاطر والعداوة. الأكثر كشفًا هو تلك الدراسات التي صدرت مؤخرًا والتي توثق تاريخيًا نسب الانتحار العالية في الرتب المنخفضة من الجيش الأمريكي.

فالحروب المرضية التي بلا مشاعر تنتج سلوكًا مرضيًا بلا مشاعر، فأفغانستان، مثل فيتنام من 40 عامًا، أصبحت حقلا يزرع ويحصد الموت، ففي فيتنام، قام البيت الأبيض في النهاية بتسريع الانسحاب عندما أصبح واضحًا أن الجنود أصبحوا يقتلون ضباطهم، وهو نمط أصبح منتشرًا للغاية لدرجة أنه صك عبارة جديدة وهي «تفجير الضباط».

مهما كانت الذرائع بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فإن الحرب الأفغانية كانت حربًا خاطئة منذ بدايتها، فالقصف الجوي كان يهدف إلى تدمير كبار قادة تنظيم القاعدة، ولكن بدلاً من ذلك، فإن كبار القادة في التنظيم كانوا يهربون عبر الحدود، كما أن تغيير النظام في كابول عن طريق زعيم يهبط من واشنطن على أفغانستان للمساعدة في تنسيق الاحتلال الأجنبي لبلاده فقد أثبت أن تلك وسيلة فاشلة لمكافحة التمرد أثبتت عدم فاعليتها مرارًا وتكرارًا.

ما الذي نحن بحاجة إليه؟ لا يزال أمام الولايات المتحدة والناتو فرصة للانسحاب من أفغانستان فورا بدلا من الانتظار في الدخول في عملية الانسحاب المرسومة طبقا للمسار الحالي، وهو التفاوض حول وثيقة تفاهم طويلة الأمد تقوم بتحويل سلطة الاحتلال وقيادة البلاد إلى الحكومة الأفغانية بينما تترك الولايات المتحدة المتعاقدين الأمريكيين - مرتزقة القرن الحادي والعشرين - وتسحب بقية القوات من البلاد بنهاية 2014.

فكما الوضع في العراق، فإن ما تم «إنجازه» في أفغانستان هو عكس الأهداف التي وضعها مخططو البنتاجون ودبلوماسيو وزارة الخارجية الأمريكية: فالبلاد تدمرت بدلاً من أن يعاد بناؤها، والتوازن الإقليمي تحول في اتجاه التطرف ، كما أن الولايات المتحدة أصبحت مكروهة أكثر في المنطقة، وعززت الولايات المتحدة من صورتها على أنها أكبر مشكلة في عصرنا.

الولايات المتحدة يبدو أنها غير قادرة على فهم الأمراض التي أحدثتها في مواطنيها أنفسهم، فالصور المقززة لعام 2004 للجنود الأمريكيين وهم يركلون ويعذبون ويهينون المسجونين العراقيين العراة في سجن أبو غريب كان يجب أن توضح بجلاء تام للقادة وللشعب الأمريكي أن الوقت قد حان لإعادة الجنود الأمريكيين إلى ديارهم، وإبقائهم في بلادهم إذا كنا نخشى على سلامتهم. فما جلبه ذلك النمط هو ليس فقط اللامبالاة الإجرامية بسلامة «الآخرين»، ولكن عدم الاعتبار بسلامة الشعور الجمعي للأمريكيين أنفسهم، فالمرشحون الجمهوريون الحاليون للرئاسة الأمريكية الذين يدعون إلى الحرب ومهاجمة إيران فإنهم يريدون استكمال الطريق ذاته باتخاذ خطوات كبرى إلى الأمام باتجاه الانفجار الأمريكي الداخلي. فإدارة أوباما تمثل نصف خطوة إلى الوراء، والتي تتميز بالصبر الحكيم، ولكنها نفسها غارقة في الاتجار بالحروب، سواء من أجل مصلحتها أو من أجل مصلحة إسرائيل، لذا فإن اتجاهها ليس واضحًا تمامًا.

نقل عن الرئيس أوباما مؤخرًا قوله عن أفغانستان: «الآن لقد حان الوقت لنا بأن ندخل في مرحلة الانتقال». ولكن الأمر ليس كذلك، فيجب أن يكون «الآن حان الوقت للمغادرة»، ليس فقط لمصلحة الشعب الأفغاني، ولكن لمصلحة الشعب الأمريكي الذي تم انتخاب أوباما لكي يخدمه.

* أستاذ القانون الدولي بجامعة برينستون/ «طهران تايمز» الإيرانية

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة