ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 30/03/2012/2012 Issue 14428

 14428 الجمعة 07 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

اقتضت حكمة الله البالغة أن يكون في الأرض خير وشر، ولكل منهما أهل يسلك الطريق الذي يسَّره الله له، فيرغب أهل الخير في عمل الخير، ويميل أهل الشر لعمل الشر والشقاوة.. ألم يقل سبحانه في سورة البلد: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ، قال أبو السعود في تفسيره، أي الطريقين: طريق الخير وطريق الشر. (5: 536)

فطريق الخير ما يحبه الله بشرعه الذي شرع لعباده، وطريق الشر ما بان التحذير منه في شرعه، من كفر وغيره، وهو سبحانه لا يرضى لعباده الكفر؛ لأنه خلق عباده حنفاء، فاجتالتهم الشياطين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” الحديث.

وأول ما وصلنا علمه بعدما خلق الله الأرض أنه - جل وعلا - خلق الملائكة، وأسكن الجن الأرض فأفسدوا فيها، كما قال سبحانه في إخباره للملائكة بخلق آدم وذريته بقوله الكريم: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ , وليس هذا اعتراضاً منهم على مشيئة الله وقدرته، ولكن معهودهم من سكان الأرض قبل آدم وذريته هذا العمل، فقال جل وعلا: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ، وقد وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ إلى آخر ما جاء في الآيات.

فاعترفوا بقصورهم قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ .

فقد استعرض ابن كثير في تاريخه وتفسيره هذا الأمر، ولما وصل إلى وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ أورد عن أبي العالية والربيع والحسن وقتادة أن ما يكتمونه هو قولهم: (لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه، وأكرم على الله فيه) التاريخ (1: 92). وفي سورة الحجر فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ، قال ابن كثير: فهذه أربع تشريفات خص الله بها آدم، خلقه بيده الكريمة، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له، وتعليمه أسماء الأشياء (1: 92).

فالله - جل وعلا - يختص أولياءه وأنبياءه بكرامات، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكرمه خالقه بأمور كثيرة، ذكرها المختصون، منها الشفاعة الكبرى وآية الكرسي وفاتحة الكتاب (السبع المثاني)، وأُعطي خمساً لم يعطهن أحد قبله، وقد سأله رجل بقوله يا رسول الله أي آية في كتاب الله أعظم؟ فأجابه عليه الصلاة والسلام بأنها آية الكرسي اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُُ وتلاها عليه، وهي الآية 255 من سورة البقرة، ثم قال السائل فأي آية في كتاب الله تحب أن تصيبك وأمتك، قال “آخر سورة البقرة؛ فإنها من كنز الرحمة من تحت عرش الرحمن، لم تترك خيراً في الدنيا والآخرة إلا اشتملت عليه” (الدرر المنثور للسيوطي 2: 6). ولعظم آية الكرسي فقد توسع المحدثون والمفسرون لكتاب الله في الحديث عنها وتفسيرها وذكر فضلها والوقائع فيها ومعانيها، فقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يكن بينه وبين أن يدخل الجنة إلا أن يموت، فإن مات دخل الجنة”، كما أخرج الفيافي شعب الإيمان عن ابن مسعود مرفوعاً أن أعظم آية في كتاب الله اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ البقرة 255.

أما أبو عبيدة وغيره فقد أخرجوا عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار أعظم من آية الكرسي {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} الآية. وآية الكرسي حصن منيع لمن يقرؤها من الشياطين ومردة الجن ومن الحسد والسحر؛ فقد أخرج ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان ومحمد بن نصر الطبراني والحاكم والبيهقي، كلاهما في الدلائل، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ضم إليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمر الصدقة، جعلته في غرفة لي، فكنت أجد فيه كل يوم نقصاناً، فشكوت ذلك إلى رسول الله، فقال لي: هو عمل شيطان فارصده، فرصدته ليلاً، فلما ذهب جزء من الليل أقبل على صورة فيل، فلما انتهى إلى الباب دخل من خلل الباب، على غير صورته، فدنا من التمر فجعل يلتقمه فشددت عليّ ثيابي، فتوسطته فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وعبده، جئت إلى تمر الصدقة، فأخذته وكانوا أحق به منك، لأرفعنك إلى رسول الله فيفضحك، فعاهدني ألا يعود.

فعدوت إلى رسول الله، فقال ما فعل أسيرك؟ قلت عاهدني ألا يعود، فقال عليه الصلاة والسلام “إنه عائد، فارصده”، فرصدته الليلة الثانية فصنع مثلما صنع، وصنعت معه كذلك، فقلت: يا عدو الله عدت لأرفعنك إلى رسول الله، فعاهدني ألا يعود فخليت سبيله، ثم غدوت إلى رسول الله فأخبرته، فقال “إنه عائد، فارصده”، فرصدته الليلة الثالثة فصنع ما صنع في الليلتين فأمسكته، وقلت له: يا عدو الله عاهدتني مرتين وهذه الثالثة، فقال: إني ذو عيال، وما آتيتك إلا من (نصيبين)، ولو أصبت شيئاً دونه ما آتيتك، ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بُعث صاحبكم، فلما نزلت عليه آيتان أنفرتنا منها، فوقعنا بنصيبين (اسم موقع) ولا تُقرآن في بيت إلا لم يلج فيه الشيطان ثلاثاً، فإن خليت سبيلي علمتكهما؟ قلت: نعم، قال: آية الكرسي، وآخر سورة البقرة آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ.. إلى آخر السورة (الآية 285)، فخليتُ سبيله، فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بما قال، فقال صلى الله عليه وسلم “صدق الخبيث وهو كذوب”. قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: فكنت أقرؤهما بعد ذلك كل ليلة، فلا أجد نقصاناً في تمر الصدقة (الدرر المنشور للسيوطي 2: 9).

أما تفسير آية الكرسي ومفرداتها فقد جاء عند الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (الله لا إله إلا هو) يريد الذي ليس معه شريك، فكل معبود من دونه فهو خلق من خلقه، لا يضرون ولا ينفعون، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

وعند السيوطي قال: أخرج أبو عبيد، عن عبدالله بن رباح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: أبا المنذر أي آية في القرآن أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، فقال: أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، وفي الثالثة: قال له: أبا المنذر أي آية في كتاب الله عز وجل أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، فقال له اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ . قال: فضرب رسول الله صدر أبي بن كعب: “ليهنك العلم أبا المنذر”.

وأبيّ بن كعب من أحبار وعلماء اليهود، الذين أسلموا، ولعل التكرار من باب التأكيد والتمكين.

وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة والدارمي ومحمد بن نصر وغيرهم عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ما أرى رجلاً ولد في الإسلام، وأدرك عقله الإسلام، يبيت أبداً حتى يقرأ هذه الآية: اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الآية. ولو تعلمون ما هي إنما أُعطيها نبيكم من كنز تحت العرش، ولم يعطها أحد قبل نبيكم، وما بت ليلة قط حتى أقرأها ثلاث مرات، أقرؤها في الركعتين بعد العشاء الآخرة، وفي وتري، وحين آخذ مضجعي في فراشي.

وأخرج ابن السني عن أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال “من قرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة عند الكرب أغاثه الله”، وقد أخرج الطبراني عن أبي أيوب، قال: كنت مؤذَى في بيتي من الجن والشياطين، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت روزنة في البيت لنا، فقال لي رسول الله “ارصده فإذا أنت عاينت شيئاً فقل: أجيبي، يدعوك رسول الله صلى الله عليه وسلم” فرصدت، فإذا شيء قد تدلى من روزنة، فوثبت إليه، وقلت: اخسأ يدعوك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذته فتضرع إليّ، وقال لي: لا أعود، فأرسلته، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله، فقال: “ما فعل أسيرك؟” فأخبرته بالذي كان، فقال “أما إنه سيعود”، فقلت ذلك ثلاث مرات، كل ذلك آخذه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالذي صار، ويقول رسول الله “أما إنه سيعود”، وفي المرة الثالثة أخذته وقلت ما أنت بمفارقي حتى آتي بك رسول الله، فناشدني وتضرع إلي، وقال (أعلمك شيئاً إذا قلته من ليلتك لم يقربك جان ولا لص: تقرأ آية الكرسي)، فأرسلته ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: “ما فعل أسيرك؟” فأخبرته.. وقد فعل هذا ثلاث مرات، وعلَّمه شيئاً إذا قاله لا يقربه جانّ ولا لص (تقرأ آية الكرسي).

والأحاديث في هذا المعنى وفضل آية الكرسي كثيرة؛ فيا ليت الناس يواظبون عليها؛ ليحفظوا أنفسهم وأولادهم وأهلهم، وهي سهلة ميسَّرة، لكن المهم الانتظام.

أما الطبري في تفسيره فإنه عندما مر بالجملة لا تأخذه سِنة ولا نوم قال: إن موسى عليه السلام سأل الملائكة هل ينام الله؟ فأوحى الله إلى الملائكة وأمرهم بأن يؤرقوه ويُسهروه ثلاثاً، فلا يتركونه ينام، ففعلوا، ثم أعطوه قارورتين فأمسكوه، ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما، قال: فجعل ينعس وهما في يديه، في كل يد واحدة، قال: فجعل ينعس وينتبه، وينعس وينتبه، حتى نعس نعسة فضرب بإحداهما الأخرى فكسرهما.. قال معمر إنما هو مثل ضربه الله، قال: فكذلك السماوات والأرض في يديه سبحانه، ولذلك قال النبي إن الله لا ينام ولا ينبغي له (الطبري 5: 393).

ومن حياة الناس فقد قرأت من مجلة التربية الإسلامية التي تصدر في بغداد مقالاً للواء محمود شيت خطاب عن بيت كان مسكوناً بعفاريت من الجن، يؤذون كل من يسكنه؛ فتحاشاه الناس، فجاء طالب علم فاشتراه بثمن بخس، ولما دخله وجد في وسطه ديكاً أسود، يأتي بأصوات وحركات تستفزه، فصار كلما قرب يأتي بأصوات، فقرأ آية الكرسي، ويكررها، وإذا وصل إلى قوله تعالى: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} رفع بها صوته ويكررها، وهذا الديك، يضرب بنفسه الأرض وهو يقول بلسان عربي جهوري، بل يؤوده بل يؤوده ويكررها حتى مات، فسكن طالب العلم بعد ذلك هذا البيت، ولم يشعر بشيء بعد ذلك يؤذيه.

 

من فضائل آية الكرسي
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة