ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 05/04/2012/2012 Issue 14434

 14434 الخميس 13 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

حسناً، كلنا يحتاج إلى الحب، من الجنين في بطن أمه حتى الكهل في أتون همه، لكننا في هذا المجتمع اليابس، ولا أقول الصلب، نتعالى بجهلنا على رقة الحياة وانتظامها بتعوجات أفكارنا وتشتتها؛ لنخلق حياة تخلو - حسب زعمنا - من خبث ما قد نستشعره من خطورة في سعة عقولنا.

نحاول أن نداري ذلك بما نسميه بالتعقل، والتعقل مشتق من العقل، والعقل يمكن فهمه بالربط والقيد والمنع، ويمكن أيضاً فهمه بالحكمة والرشد، وأياً كان التفسير فإن من أهم مقاصد التعقل الحذر من الخطأ والتحوط من المجهول والدرء بعلم الواقع عن غائبٍ مجهول، أي وكأنه بمعنى آخر رفض المغامرة أو الجراءة على الإقدام على كسر ما هو مألوف ومعتاد خوفاً وخشية من عواقب نتائج الحركة، بيد أن الحياة في أصلها حركة وتغيُّر، وحيويتها وربما روحها وقيمتها تكمن في مواصلة وإصرار الإنسان على إعمارها وتطويعها لخدمته وحفظ أمنه واستقراره. والاستقرار هنا لا يعني التوقف عن الحركة، ولكن لكي نتحرك بأمن للأفضل؛ فمن طبيعة الإنسان في هذه الحياة أن يسعى ويطمح، ومن طبيعته أيضاً متى نال واعتاد أن يمل وينفر؛ فلكي يستمر طموح الإنسان ويستمر في سعيه نحو الأفضل والأحسن تبقى حياة الإنسان حركة مستمرة ومتغيرة، ويبقى ساعياً وطامحاً فيما هو أفضل من الأفضل، فإن منعه الحذر من الخطأ والتحوّط من المجهول عن الحركة والسعي استكان وخلد حتى يصير كالماء الآسن لا حياة ولا روح فيه.

وإذا كنا حقاً نفسر التعقل بالحكمة والرشد فلا بد أن نثق بأنفسنا وقدرتنا على تحري الصواب، وأن نملك المرونة والتواضع في فهم النتائج وتدارك ما قد يشوب نجاح التجربة، ولن يكون ذلك ما لم نستفيد من اختلاف مشارب أفكارنا ومحاصيل خبراتنا؛ لنجعلها تكمل وتسند بعضها بعضاً؛ لتكون الرؤية شاملة لأوسع قدر من جوانب ما نهدف إليه، وهذا هو التحوُّط الإيجابي المنتج الذي يدخل حقاً في نطاق الحكمة والرشد، أما الإقصاء والانكماش داخل الدائرة الصغيرة للتحوط والحذر من الخطأ فهو الخطأ بذاته وعلاته، بمعنى آخر أن لا تستحوذ الصواب وتقصي الآخرين في أمر يمسهم ويؤثر فيهم أو يؤثر عليهم؛ فحينها حتى وإن أصبت فقد أخطأت في عدم تهيئتهم لهذا الصواب، ومن بديهي القول أن تهيئة الإنسان لن تكون إلا عن طريق الإيعاز أو الإيحاء لعقله بالتفكير فيما هو مراد؛ ليرتقي باستعداده إلى مستوى ما هو مطروح عليه ومناط تهيئته له.

وفي اعتقادي أن الإقرار والاعتراف بحيوية الخطأ وفائدته واعتباره جزءاً وركناً أساسياً من الصواب أو جسراً موصلاً له هو الرشاد والتعقل الذي يجب أن نعتد به ونستند إليه. وفي اعتقادي أيضاً أن الحذر من الوقوع في الخطأ لا يعني تعييب الوقوع فيه، ولكن يعني إعمال وإشغال العقل في تجنبه والبحث عن الصواب، ومن هذا الفهم أجد أننا بحاجة ماسة إلى مساحة أوسع من الحرية الذهنية للتفكير ومزيد من حسن الظن لاستيعاب الوقوع في الخطأ واعتباره من طبيعة الاجتهاد الحركي أو الحيوي للإنسان، وما ينطبق على الإنسان الفرد ينطبق أيضاً على المجتمع والأمة وإن اختلفت الأطر، إلا أن فلسفة الرؤية تبقى واحدة.

يُقال أن الحب أعمى باعتباره يسطو على العقل ويُحِدّ من حذره وتوجساته ويلين صلابته، لكن هذا في الواقع ليس عمى بل نوراً وإبصاراً يشبه الرؤية الصوتية أو المغناطيسية التي تبصر ما لا تبصره العين، وحسن الظن هو بمنزلة حب لو ساد في المجتمع لساعدنا في التخلص من كثير من عقدنا وأمراضنا الموروثة اجتماعياً في أدبيات وأخلاقيات تعاملنا ومعاملاتنا السلوكية، تلك التي تحد من تآلفنا وتناغمنا وانسجامنا داخل الصورة الاجتماعية الواحدة وتطغي بعضنا على بعض؛ فالحب وحسن الظن إذن متى آخى العقل أنتج الرشد والتعقل.

Hassan-Alyemni@hotmail.com
Twitter: @HassanAlyemni
 

رجس الحب وفصاحة العقل
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة