ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 06/04/2012/2012 Issue 14435

 14435 الجمعة 14 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في الأول من شهر صفر من عام 1428هـ أقرَّ مجلس الوزراء الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، والتي كانت ترجمة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-.. وتمحورت الغاية الرئيسة لهذه الإستراتيجية حول (حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره)، وكانت من أبرز آلياتها: (إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد).

وبعد أربع سنوات ونيف، وتحديداً في الثالث عشر من شهر ربيع الآخر من عام 1432هـ، صدر مرسوم ملكي بإنشاء “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”.. وكان اللافت في حيثيات هذا المرسوم ربط كيان الهيئة مباشرة بالملك، بما يؤكد الرغبة والقناعة الملكية بأنَّ الفساد بشقيه الإداري والمالي لم يعد بالإمكان التقاعس عن مكافحته، وتجفيف مستنقعاته، والضرب بيدٍ من حديد على رموزه وأدواته، (كائناً من كان) ووقف النزيف المستمر في موارد الدولة ومشروعاتها التنموية.

ومع البطء الملحوظ في ممارسة مهامها واختصاصاتها، فإنَّ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، تظل هي القناة الرئيسة للدولة لكبح جماح الفساد وكشفه في كل مهام ومشروعات القطاعات والمؤسسات والهيئات الحكومية التي قد يتواجد فيها. ومن ثمَّ ينبغي أن تحظى بأكبر دعمٍ مجتمعي ممكن لتيسير أعمالها، ومزاولة مهامها، خاصَّة وأنَّ الهيئة قد أبدت استعدادها وترحيبها بتلقي اتصالات المواطنين والموظفين والمسؤولين للتبليغ عن حالات فسادٍ بعينها، مثل ما أبدت استعدادها في الوقت نفسه على انتهاج الشفافية في آليات مهامها، واطلاع الرأي العام على ذلك تباعاً.

في الأسابيع الأخيرة المنصرمة رصدت الهيئة، عبر قنوات الرقابة والمتابعة، عدداً كبيراً من مشروعات الخدمات العامة، وهي تعاني على وجه العموم من تعثرٍ في إنجازها، وتنفيذها وفق جداولها الزمنية المحددة في العقود المبرمة بين أطرافها. ويتركز الغالب منها في مشروعات الطرق والمستشفيات والمراكز الصحية والخدمات البلدية والصرف الصحي ونحوها.

هذه النوعية من المشروعات، قد تبدو فيها الفرص متاحة أكثر -لأصحاب المصالح والمنافع الضيقة، وفاقدي الشعور بالمسؤولية وواجبات الانتماء والمواطنة- لممارسة شتى أنواع المخالفات في حيثيات العقود، وإجراءات التنفيذ، لنهب وسرقة المال العام، قدر ما يستطيعون إلى ذلك سبيلاً.. وقد لاحظت الهيئة أنَّ بعض المشروعات لا يتم تنفيذها وفقاً للمواصفات والعقود المبرمة بين طرفي أو أطراف التعاقد، بما أدى إلى ظهور حالات التشقق والتَّصدع في المباني، والهبوط في الأرضيات، أو حتى وجود بعض هذه المباني والمرافق في وضعية آيلة للسقوط، بسبب قِدمها، وانتهاء عمرها الافتراضي، ومع ذلك لا تزال مستعملة، رغم ووجود تقارير رسمية عن خطورتها، ووجوب إخلائها من السكان.

ومن الملفت للنظر أنَّ الهيئة من خلال المتابعة والمعاينة والتحليل، قد لاحظت أنَّ هذه المشروعات تتركز في الغالب في المحافظات والمراكز والقرى النائية، بحكم بعدها عن المراكز الرئيسة للجهات الحكومية، وبالتالي بعدها عن الرقابة المباشرة.. وهذا الأمر في تقديري يكشف -بدرجة عالية- عن إشكالية أخرى، وهي الضعف العام في مستويات الأداء الرقابي للمشروعات الحكومية، إذ إنَّ طبيعة مهام العمل الرقابي وفق ما تؤكد عليه أنظمة الرقابة وإجراءاتها التنفيذية، يُفترض ألا ترتبط بمسافات جغرافية، أو حدود افتراضية في داخل الوطن.. بلْه هي مهامٌ لازمة من أدنى الوطن إلى أقصاه. وهذا الضعف الرقابي العمومي يسهم في تغذية بيئة الفساد، وتوسيع دوائرها خلال الزمن.

على أيَّة حال هذا الحراك الإيجابي الذي تجتهد الهيئة في أدائه، فرصة جيدة للوقوف عن كثب على طبيعة عقود المشروعات الحكومية، وآليات وإجراءات تنفيذها، بما يتيح على المدى المنظور كشف الكثير من المخالفات، ومعالجتها، وتقديم المتورطين فيها إلى المحاكم الشرعية. وهذا الإجراء الحاسم هو سبيلنا للمحافظة على المال العام، وترشيد استخدامه وفق معايير الجودة والشفافية، مثل ما هو سبيلنا لإنجازٌ المشروعات وفق المستهدف منها، لتحقيق أكبر منفعة ممكنة للوطن والمواطن.

في المحصلة النهائية، ومع كل التقدير للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وملحوظاتها عن مشروعات الخدمات العامة، فإنَّها في المرحلة الراهنة، ووفق الدعم والرعاية الملكية والمجتمعية، بحاجة إلى القيام بمبادرات أكثر حزماً وتطبيقاً، لمعالجة إشكالية الفساد وفك خيوطه المتشابكة. وبما يساعد على إنجاز ذلك وجود قاعدة بيانات عمومية لرصد حجم الفساد، وتداعياته، وإعداد البرامج والخطط والدراسات المساندة، والتنسيق مع كل الجهات ذات الصلة، بما يخص متابعة ومراجعة وتطوير الإجراءات، والأنظمة الرقابية والمالية والإدارية، ومعالجة أوجه القصور والخلل، والتأكد من سلامة إجراءات العمل، ومطابقتها للأنظمة.

كلمة أخيرة:

من وبنود الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد: المادة رقم 3 من (ثالثاً- الوسائل): إقرار مبدأ الوضوح (الشفافية) وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة. وتحديداً الفقرة (أ): ونصها: “التأكيد على مسؤولي الدولة بأن الوضوح وسيلة فاعلة للوقاية من الفساد، وأنَّ اعتماده كممارسة وتوجه أخلاقي يضفي على العمل الحكومي المصداقية والاحترام.

من مأثور الحِكم:

نَعِيبُ زَمَانَنَا والعَيْبُ فِينَا

وَمَا لِزَمانِنَا َعَيبٌ سِوَانا

 

نحو مبادرات أكثر حزماً وتطبيقاً
د. عبدالمجيد محمد الجلال

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة