ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 06/04/2012/2012 Issue 14435

 14435 الجمعة 14 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

قراءة بين العنوان والنص.. قراءة في رواية أنثى الرغبة

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

علي المالكي

من الأعمال التي تناولتها وكانت تجربة جديدة بالنسبة لي مقارنة بما قرأت من أعمال روائية على المستوى المحلي أو العربي، ألا وهي تجربة الكاتبة بدرية البليطيح في روايتها «أنثى الرغبة» التي ناقشت من خلالها مشكلات اجتماعية، على عكس ما يوحي به العنوان الذي قد يظنه القارئ كغيره من العناوين التي تندرج داخل هرم «التابو»، الهرم الذي سكب الكثير من الروائيين أعمالهم الروائية داخله ما أدى ببعض الأعمال إلى غموض الفكرة وضياعها عن المتلقي في كثير من الأحيان.

إن هذه الرواية التي أتناولها في ورقتي بصفتي قارئاً للواقع المحلي الذي أرهقه الكتاب بتلك الأعمال الروائية التي لعبت بدورها على رغباته وأفكاره دون أن تتضح الرؤية في كثير منها على المشكلات وربطه بواقعه المعاش، ما لفت انتباهي لعمل البليطيح الذي تنازل عما يطرقه الكثير وذهب ليهتم بالمشكلات المطروحة بلغة سهلة بعيدة تماماً عن الرمزية، وهذا يجعلك تلمس في العمل الاهتمام باللب دون أن تفقد جماليات الأسلوب.

وكما أسلفت فإن العنوان يوحي بغير ما يتوقع إلا أنه سرد لنا الكثير من الأحداث التي أصابت المجتمع جعلت النص بمجمله سلسلة لا تكاد تنفك عن المتلقي، سواء كان ذلك في الأرواق الأولى التي رسمت فيها الكاتبة نظرة تصالح بين طبقة النخبة والمجتمع ممثلاً ذلك في شخصية الدكتورة، وحملها للأمانة مروراً بالورقة الأخيرة في الرواية التي تؤكد اهتمامها، وهذه نظرة تأتي على خلاف ما يتوقع المجتمع من نخبة الأكاديميين الذي عرف عنهم المجتمع تعاليهم وعدم التفاتهم للتفاصيل التي يعشها ويعانيها المجتمع العام.. إلى غير ذلك من الأحداث ثم تتركنا هنا بعد ذلك لنعيش مع العمل الذي جاء على شكل رسائل كل رسالة تحمل عنواناً وفي ذيل كل عنوان مقولة أو بيت شعر أعتبرها أنا مرايا لما ينطوي تحت كل عنوان من صراع مثال ذلك «مثل ياباني.. مقولة لشكسبير.. شازال.. أوسكاروايلد.. نابليون» وغيرهم، ونجد هنا الرواية جاءت على لسان المتكلم -البطلة- التي كتبت أولى رسائلها بحرقة طفل تحمل أخطاء والديه وما يترتب على انفصالهما من لوعة وألم لا يشعر بها إلا تلك الشريحة التي عاشت الموقف ونجد ذلك في قولها: «كم رددنا الأناشيد بمدرستنا النموذجية عن الأم. رددوها بسعادة ورددتها بألم الفقد الموجع الذي يعجز عن حمله جسد طفلة ضئيل كجسدي «ص 14 ويزيد الصراع مع الحزن هنا بوفاة الأم الأخرى -الجدة- التي كانت هي الأب والأم بالنسبة للبطلة، وهنا تقدم لنا صورة جديدة عن الولي لتأتي بعد ذلك بالعكس ثم تتوالى الأحداث لترسم لنا صورة لولي أخر على النقيض مع الجدة ألا وهو العم الذي تولى حياة «سارة» وأختها وهنا أقول إن النص الأنثوي مازال يعش في صراع دائم مع الواقع الذي أحكم فيه الرجل سلطته على الأنثى وهذه ليست بصورة غريبة على الكاتبة لكونها تتكرر في أي نص أنثوي.

هنا وقبل أن تغرق ورقتي في قراءة الأحداث أحب أن أشير أيضا لشيء قلما نجده في عمل، ألا وهو أن الكاتبة جاءت بفكرة رئيسة تتشظى من خلالها الكثير من المشكلات الاجتماعية ألا وهي الزواج من أجنبية إبان فترة السياحة، وما يترتب عليه من مشكلات انفصال.. ضياع أبناء.. الولاية.. المشكلات الاقتصادية التي مر بها المجتمع.. تحمل المرأة مسؤولية الأسرة في غياب الرجل.. تكسر الأحلام.. الزواج دون تكافؤ الأطراف وما يترتب عليه من مشكلات لمجرد الهروب من كابوس الفقر والحاجة، كلها هذه جاءت في رسائل «سارة» لوالدتها التي كانت هي نتيجة لرغبات لم يحسب لتبعاتها، فكون «سارة» ابنة لأب بحث في الأول عن اشباع رغباته وما حدث للبطلة من معاناه بدأت بفقدها لحنان الوالدين لم يعفها ذلك من مواجهة الحياة منذ أن توفي الولي الذي عاشت تحت كنفه رخاء ورغدعيش لتجد بعد ذلك الأيام تخبئ لها نظرة مجتمع تشبع بمفردة «العيب» نقلت على إثرها لبيت العم الذي قاست في الحياة معه جل فصول العمل بداء بانغلاقه الفكري وهذه أيضاً صورة تبين بها البليطيح إجحاف الأحقية في ولاية الرجل بغض النظر عن وضعه والظروف التي سيعشها الأبناء تحت ولايته وهذه تتجلى في كثير من المواقف منها إعطاؤه الحق في ولايتها وأختها تحت وطأة الفقر، لأن ذلك أهون عليه في نظر المجتمع، والهرب من مفردة العيب. الرسائل جميعها رسمت بلغة الخيال والأحلام كما قالت البطلة لكنها جميعها تبين لنا معانة «سارة» بعد انتقالها تحت كنف عمها.. العم هنا لم يكن شخصية عابرة في العمل، بل يعد منحى جديداً ليس في حياة البطلة فحسب، بل في تخطيط جديد بدءاً من كونه ولي وسلطة مروراً بخوفه من النظرة السائدة إلى كونه شخص أيضاً عاش معاناة الانحدار الاقتصادي والنكسة المالية التي شهدها المجتمع السعودي، وصولاً إلى رغباته هو الآخر وبحثه عن إشباع الرغبات التي تجذرت من خلالها للكاتبة مواقف عدة منها على سبيل مثال مدى انتصار المرأة وتحملها كثيراً من المسؤوليات يأتي في مقدمتها الأسرة وتوفير المستوى المعيشي لها والذي نشهده في مواقف «أم عبدالله» التي تحولت من أنثى وضعها المجتمع تحت سلطة وقمع الرجل إلى خروجها لتثبت جدارتها وانتصارها في قيادة الأسرة، وهنا في نظري أن القارئ توقع أن «أم عبدالله» ستكون مثالاً للمرأة التي أقحمتها الظروف لأخذ صورة مشوهة للمرأة متى ما وجدت تحررها من قيود الذكورة، إلا أن البليطيح عادت لتكتب لافصول «سارة» وقوة صبر المرأة وهذا لم يقف عند صراع «أم عبدالله» مع البيع، بل أيضاً في تحمل «سارة» للزوج بدءاً بقبولها بالزواج من شخص يكبرها سناً إلى تحملها للمشكلات وإن كانت قد بينت للصبر صورة أكثر دقة في شخصية «أم عبدالله» ومعاناة البطلة مع الجامعة، وتمنيت هنا لو أن الكاتبة عندما تطرقت لفكرة الزواج أنها جاءت بقضية تزويج القاصرات وذلك لو ان « سارة تزوجت في عمر أقل لكانت أكثر إثارة.

أما دور المتلقي -القارئ- فإنه في فصول هذا العمل سيعيش نوعاً من الخداع، أو بالأصح حالة من الترقب لما ألفه في الأعمال الأخرى التي تعج بها الساحة الثقافية وفي فن الرواية على وجه الخصوص فقد يظن أن الكاتبة تخبئ له نهاية مألوفة إلا أنها جاءت على غير المتوقع إذ لم تتطرق من خلال ملامح التشرد والانفصال الأسري سواء «لسارة» أو لبيت عمها نوع من الشذوذ ليلعب دور الرغبة المنتظرة من العنوان، بل سارت بأبطالها إلى نهاية كلها تنم عن لحظة إنتصار مصحوب بالأنكسار مما يولد لدينا الكثير من التساؤلات جلها يصب في مضمون العمل يأتي في أولى هذه التساؤلات:

- لماذا لم تكن «سارة».. «أم عبدالله» رمزاً للأنثى كأداة رغبة مع العلم بأن المرأة تعرضت للحب.. للمعاناة؟

- مع ما قدمته الكاتبة من أقوال الآخرين دليلاً قاطعاً أنها تعاملت مع الرواية كقارئة قبل أن تصبح كاتبة لها فأين أثر ذلك في روايتها؟ إذا ما سلمنا بأن القارئ الكاتب متأثر بما قرأ من أعمال.

وفي الختام أقول إن كل ما ورد في قراءتي المتواضعة للعمل ليس إلا انطباع لما خلفته الرواية وعنوانها من طريقة جعلتني أغير معتقد رسخته الأعمال السابقة من أنه ليس من الضروري أن أقحم عملي جماليات ما تحد من هدفي الأسمى ألا وهو المشكلات الاجتماعية التي لو رسمها الكاتب لوجد له جماهيرية متصالحة مع عمله أكثر استهدافاً من أقلام نقدية تنبش في أديم نصه عن خلافات تحط من قدر عمله أو تعلي من شأنه كعمل فني اهتم بالقشور وتجاهل اللب الذي هو رأس الهرم لدى المتلقي.

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة