ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 19/04/2012/2012 Issue 14448

 14448 الخميس 27 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أشير في البداية إلى أنّ القوّة العسكرية بمفردها لا يمكن أن تحقق الأمن أو الاستقرار المطلوب لأي دولة، بغضِّ النظر عن طبيعة التحديات. ولكن القوة العسكرية تُعَد عنصراً مهماً وفاعلاً من عناصر قوة الدولة الأربعة المكملة لمفهوم

القوة. وبغضِّ النظر عن ما يُعرف بمصادر القوة التي تتوفر لكل دولة بتنوُّع ونسب مختلفة, فإنّ هنالك تفاوتاً بين الدول في قدرة هذه الدول على تحويل مصادر قوّتها إلى عناصر قوة فاعلة ومتكاملة ومحققة للرّدع. وفي هذه المقالة سوف أعرض وجهة نظري عن مفهوم القوة العسكرية في مواجهة تحديات تحقيق السلم والاستقرار حاضراً ومستقبلاً.

والقوة بمفهومها الشامل معادلة معقّدة تُعَد من السهل الممتنع, وتحتاج إلى تحليل وعرض مطوّل ليس هذا مكانه. وبصفة عامة فإنّ مفاهيم تكوين القوة وبناء التنظيمات الحربية والأمنية الفاعلة أمر غير مستقر، وينطلق من فلسفات وتجارب متعدِّدة؛ وللإسهام بوجهة نظري في هذا الموضوع، فإنني أعيد تحرير هذه المقالة التي سبق نشر بعض مضامينها, استجابة إلى تساؤلات متكررة. وبداية فلعلِّي أذكر بالعناصر الأربعة المكوّنة للقوة بمفهومها الشامل؛ وهي: القوة الدبلوماسية, والقوة المعلوماتية, والقوة العسكرية, والقوة الاقتصادية؛ وهي عناصر تكمل وتعزِّز بعضها البعض، ولا يمكن لعنصر واحد منها بمفرده أن يحقق قوة مستدامة وفاعلة.

إنّ تحقيق مستوى معتبر من القوة شأن حساس, لأنّ القوة تحتاج إلى صيانة مستمرة لاستدامتها وجعلها سبّاقة في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، عبر استدامة الحفاظ على الجاهزية في مستوى من استعراض القوة يعتد به ويعتمد عليه في تحقيق الردع المفترض.

ومن أبرز مقوّمات القوة العسكرية؛ مقدرتها على تنفيذ مهمّاتها بكل فعالية تجعلها تنتصر في أي مواجهة بأسرع وقت وأقل خسائر ممكنة، وتستند في كفاءتها إلى ما لديها من رجال وعتاد وما تمتلكه من تميُّز مستوى, وحسن توظيف ذلك من خلال الموروث العسكري والتقاليد الوطنية، وخطط التدريب، والمهارات الحربية والفنية؛ لتدوم فعالياتها عبر التخطيط الدقيق والرؤية المستقبلية المستشرفة التي تستهدف التطوير الدائم والتطبيق الجاد والمسيرة المتزنة.

إنّ من أبرز مؤشرات ارتفاع كفاءة القوات أنها توازن بين الرجال والمعدّات. فقد لا تكون أحدث المعدات الحربية وأفضلها تقنياً وأشدها فتكاً ذات جدوى؛ عندما يمتلكها جنود تنقصهم المهارات الحربية والمقدرة الفنية للاستخدام؛ أو ويفتقرون إلى وجود الكفاءة القيادية. ثم إنّ سوء التنظيم وانعدام التدريبات المشتركة, وغير ذلك من المعطيات, شئون لها عواقب وخيمة عند أول اختبار للقوات حين يطلب منها تنفيذ الواجبات والمهام.

ويعدُّ بناء وتأسيس القوات المسلحة من الأولويات التي يجب على الدول أن توليها أهمية كبرى، لأنّ خطأ بسيطاً في إكمال ذلك البناء سوف يخلّف تأثيراً بالغ الأهمية في مدى فعالية القوات، ويبرز ذلك جلياً في زمن الأزمات. وعندما يعوز القوات المسلحة بعض المتطلّبات الضرورية، فإنّ عملياتها التدريبية أو الحربية ستظل أقل من المستوى المطلوب، ويخشى معه عليها من الفشل أكثر مما يعوَّل عليها لتحقيق النصر.

وليس من الضروري أن يكون هناك عدوٌّ معروف ومحدّد حتى تؤَسس وتجهَّز الجيوش، بل على العكس، إذ إنّ بناء القوة وإعدادها مطلب ضروري في كل زمان ومكان، لتحقيق الردع ومواجهة تحديات السلم غير المتوقعة وصيانة السلام, وتحقيق الاستقرار الذي لا تنمو الدول أو يزدهر اقتصادها بدونه.

ولعلّ من أكبر المخاطر التي تهدد الجيوش وتؤثر في أدائها، وجود قادة لها ومخططين لا يملكون الإمكانات الكافية لمعرفة المقدرة القتالية الفعلية لقواتهم، ولا يحسنون تقدير قوة خصمهم. ومن أبرز الأمثلة على ذلك المفهوم ما فعلته القوات العراقية أثناء احتلالها لدولة الكويت بدءاً من الثاني من أغسطس 1990م وحتى خروجها في نهاية فبراير 1991م. فقد ظلّت قيادتها تناور بها وتراهن عليها حتى وهي في أسوأ حالات الهزيمة والانكسار. ولهذا فإنّ بناء قوات مسلحة غير فاعلة يأتي نتيجة مباشرة للسبب أعلاه. ولا تكفي التصريحات الرنّانة والبيانات القوية المنفصلة عن واقع الجاهزية العسكرية الحقيقية, والمستوى المأمول لتكامل عناصر القوة الوطنية.

وعلى العكس مما سبق، كانت حرب تحرير الكويت 1991م اختباراً لقدرات بعض قوات التحالف لتحرير الكويت، بإمكاناتها وتسليحها وتدريبها وجاهزياتها في شتى مجالات الجاهزية. فخلافاً لما تملكه من قطع حربية وأسلحة متطوّرة، فإنّ بنيتها الأساسية تتميّز بتكامل تجهيزاتها.

ولما تقدم، فإنّ التخطيط السليم لبناء القوات المسلحة وتجهيزها وإعدادها، من شأنه أن يقلل من فرص تحديات الحرب في الحاضر والمستقبل؛ وبخاصة عندما يستند التخطيط والبناء إلى ما تم اكتسابه من دروس التاريخ وخبراته، ويمثل بجلاء دور القيادة العراقية في احتلالها الكويت وما أعقبه خلال تلك الأزمة، ما كان معروفاً من أنّ الخصم الجاهل غالباً ما يكون سبباً وسبّاقاً في إثارة الأزمات، ومتسبباً في توتُّر العلاقات واندلاع الحروب، ثم تصبح الخسارة من نصيبه دائماً.

وفي الوقت الذي كانت بعض القيادات تسيء التقدير للمتغيّرات الدولية وتفشل في التعامل مع الواقع، كانت هنالك قيادات موفّقة في قراءتها للأحداث، متفوّقة في إدارتها للأزمات؛ وليس على دارسي إدارة الأزمات إلاّ التقصِّي والمقارنة. ولا شك أنّ القيادات الفاعلة تستفيد من الأزمات والأحداث الدائرة في محيطها أو بعيداً عنها زماناً ومكاناً. ويهتم المراقبون وذوو الاختصاص بملاحقة مسار الأحداث ونتائجها للاستفادة منها. ومن ثم فستكون أزمات وحروب الخليج المتتابعة في العقود الثلاثة الماضية, وما نتج عنها أكبر مرشد في مجال الدفاع والأمن في منطقة الخليج، حيث دارت أحداثها ومسرح عملياتها.

ولابد للحكومات الناجحة أن تتميّز بالجمع بين الحزم والحكمة, وبهذا الجمع تتحقق الكفاءة المطلوبة لاتخاذ أخطر القرارات وأصعبها بأسلوب صائب وشجاع وفي الوقت المناسب. ولأهمية هذا الأمر فإنّ الجيوش، مهما كبر حجمها وتعاظمت قوّتها ومهارتها، فإنها تُهزم شر هزيمة حين تكون قياداتها غير مؤهّلة لإدارة الصراع المسلح واستخدام القوات الاستخدام الأمثل لحماية البلاد وتدعيم قواعد الأمن؛ وهذا ما حدث للجيش العراقي الذي صُنِّف قبل غزوه للكويت في سنة 1990م بأنه رابع أقوى جيش في العالم.

أخيراً, لا بد من الإشارة إلى أنّ النصر في الحروب لا يمكن - ولم يسبق له - أن منع اندلاع الحرب من جديد، غير أنه بكل تأكيد يغيِّر من ميزان القوى في المنطقة التي دارت فيها الحرب. فقد اندلعت الحرب العالمية الأولى حتى لا تكون بعدها حرب أخرى، فتلتها الحرب العالمية الثانية في وقت ليس ببعيد، لتكون حاسمة ويبدأ بعدها عهد السلام الدائم، لكن ما تلاها كان حقبة طويلة من الحرب الباردة، حيث شهدت كثير من مناطق العالم أزمات وحروباً مختلفة الكثافة، وكان بينها الحروب العربية الإسرائيلية، التي كان يؤمل في كل حرب منها أن تجلب السلام عندما تسكت مدافعها. وهكذا فما إن تهدأ حرب حتى تنطلق شرارة الأخرى، إلى أن توقفت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران في العام 1988م، ثم فجأة انطلقت حرب الخليج الثانية لغزو وتحرير الكويت 1990م - 1991م. ولم تلتقط المنطقة أنفاسها حتى غزت أمريكا وحلفاؤها العراق في 2003م, ولا تزال المنطقة تعاني من تبعاتها. واليوم, نشهد سلسلة جديدة ومتلاحقة من الحروب والأزمات في المنطقة العربية بمسمّى الربيع العربي, ولا تزال تتدحرج يميناً ويساراً. وهكذا, فمن حرب إلى أخرى، وهذه سنّة من سنن الله في الكون. ومن هنا أخذت الحكومات على عاتقها بناء قواتها المسلحة, لتكون قادرة على تحقيق مستقبل أفضل, طمعاً في الاستقرار وأملاً في الازدهار, واستعداداً لمستقبل مجهول, حتى وإن لم يعرف لها عدو أو تهديدات.

mabosak@yahoo.com
* عضو مجلس الشورى
 

القوة العسكرية وتحديات السلم في الحاضر والمستقبل (1 /2)
محمد أبو ساق

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة