ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 27/04/2012/2012 Issue 14456

 14456 الجمعة 06 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كان سهل بن هارون من أبخل الناس، وله في البخل وغيره نوادر حسنة، حكى الجاحظ قال: لقي رجلٌ سهلَ بن هارون، فقال: هبْ لي مالا ضررَ به عليك، فقال: وما هو أخي؟ قال: درهم، قال: لقد هونت الدرهم، وهو طائع الله في أرضه لا يعصي، وهو عُشْر العشرة، والعشرة عُشر المائة، والمائة عشر الألف، والألف عُشْر دِية المسلم، ألا ترى أين انتهى الدرهم الذي هوّنته! وهل بيوتُ الأموال إلا درهم على درهم! فانصرف الرجل، ولو لا انصرافه لم يسكت.

وحكى دِعبل الخُزاعىّ، قال: أقمنا يوماً عند سَهْل بن هارون، وأطلنا الحديث حتى أضرّبه الجوع، فدعا بغدائه، فأتي بصحفة فيها مَرَق، تحته ديك هَرِم، فأخذ كسرة وتفقد ما في الصحفة، فلم يجد رأس الديك، فبقي مطرقا، ثم قال للغلام: أين الرأس؟ قال: رميتُ به، قال: ولم؟ قال: لم أظنك تأكله، قال: ولم ظننتَ ذلك؟ فو الله إني لأمقت مَنْ يرمي برجله، فكيف برأسه! والرأس رئيس يتفاءل به، وفيه الحواس الخمس، ومنه يصيح الديك، ولو لا صوته ما أريد، وفيه فَرقه الذي يُتبرك به، وعينه التي يضرب بصفائها المثل، ودماغه عجيب لوجع الكلية، ولم أر عظماً قط أهشّ من رأسه، فإن كان بلغ من قبلك ألا تأكله، فعندنا من يأكله. أما علمت أنه خيرٌ من طرف الجناح والساق! انظر أين رميته؟ فقال: والله ما أدري، قال: لكني أدري أنك رميته في بطنك.

وحكى الجاحظ، أن أبا الهُذيل العلافّ المتكلم سأله رُقعة يكتب بها إلى الحسن سهل، يستعينه على ضائقة لحقته، فكتب رقعةً وختمها، ودفعها إليه، فأوصلها إلى الحسن، فلما رآها ضحك، وأوقف عليها أبا الهذيل، وإذا فيها مكتوب.

إن الضمير إذا سألتك حاجةً

لأبي الهذيل خلافُ ما أبدى

فامنحه روحَ اليأس ثم امدُدْ له

حبل الرجاء المخلف الوعد

حتى إذا طالت شقاوة جدِّه

وعنائه فاجْبَهه بالردِّ

وإن استطعتَ له المضرّة فاجتهد

فيما يضرّ بأبلغ الجهد

وانظرْ كلامي فيه فارْمِ به

خلف الثريا منك في البُعدِ

وكذاك فافْعَل غير محتشمٍ

إن جئت أشفع في أبي هند

ثم قال الحسن: هذه صفته لا صفتنا، وأمر لأبي الهذيل بمالٍ، فعاد إليه وعاتبه، فقال سهل: ترى أين عَزَب عنك الفهم! أما سمعت قولي: “ إن الضمير خلاف ما أبدى”! فلو لم يكن ضميري الخير ما قلت هذا. وهذه من مغالطات سهل وبلاغته. ومن محاسن تعريضات سهل، أنه خاطب بعض الأمراء، فقال له: كذبت! فقال: أيها الأمير، إن وجه الكذاب لا يقابلك - يعني الأمير بذلك، لأن وجه الإنسان لا يقابله.

ويروى أن المأمون كان قد انحرف عن سهل إلى أن دخل عليه يوماً فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ظلمتني، وظلمت فلاناً الكاتب، فقال: ويلكَ! وكيف؟ قال: رفعته فوق قدره، ووضعتني دون قدري، إلا أنك له في ذلك أشد ظلما، قال: كيف؟ قال: لأنك أقمته مقام هُزء، وأقمتني مقام رحمة، فضحك المأمون، وقال: قاتلك الله! ما أهجاك! ورضي عنه.

وقد رويت هذه الحكاية لغيره.

وحكي عن سبب رضا المأمون عنه أنه تكلم بكلام حسن في محفل، فقام سهل، وقال: مالكم تسمعون ولا تعون ولا تعجبون! أما والله إنه ليقول ويفعل في اليوم القصير مثل ما قالت وفعلت بنو مروان في الدهر الطويل، فأعجب المأمون قوله ورضي عنه.

ومن كلامه يعزي: التهنئة على آجل الثواب، أولى من التعزية على عاجل المصاب.

وقال في المعنى: مصيبة في غيرك لك ثوابها، خير من مصيبة فيك لغيرك ثوابها.

وقال: حق على كل ذي مقالة أن يبدأ بحمد الله قبل استفتاحها، كما بُدئ بالنعمة قبل استحقاقها.

هذه طرفة من الطرف، ومن الصعب أن يكون القائم على أمور الناس بهذه الدرجة من البخل، والبخيل لا يسود.

 

نوازع
سهل بن هارون
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة