ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 13/05/2012/2012 Issue 14472

 14472 الأحد 22 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في “خطفة رجل” أو “قدم”، وبعد ساعتين وعشرين دقيقة من التحليق فوق متن الطائرة اللبنانية.. اختتمه قائدها بـ “الترحيب” بنا في مطار (رفيق الحريري) في بيروت.. كنت أغادر مقعدي عبر بوابة الخروج من الطائرة.. فممرها الذي أفضى بي إلى داخل المطار،

استجابة لدعوة كريمة من صديقين عزيزين.. أرادا -بدعوتهما- أن أتذوق شيئاً من جمال أيام (آيار) في (بيروت)، وجمالها وربيعها وزهورها ونسائمها وشمسها الناعمة، فما كان لي أن أعتذر عن “دعوة” هذه أسبابها ودوافعها، على أن الصديقين لم ينسيا وضع مشوِّق خامس أو عاشر.. يتمثل في لقاء صديقنا المشترك الأستاذ أحمد عدنان.. الصحفي والكاتب الشاب، الذي هاجر إلى بيروت قبيل ست أو سبع سنوات.. بحثاً عن فرصة تخرجه من (قمقمه) الصحفي في جدة.. ليجد الطريق هناك واسعة مرحبة ومحفزة لمواهبه التي سرعان ما انطلقت، ليغدو خلال تلك السنوات القلائل.. واحداً من أبرز كتابنا الشباب، وأكثرهم شجاعة في رصد لمحات من حياتنا الفكرية والسياسية المعاصرة، والتعبير عنها بجرأة وطلاقة.. ولعل كتابه الأخير (السعودية البديلة)، الذي صدر خلال أيام معرض الكتاب الدولي الأخير بالرياض.. خير دليل على شجاعة تناوله لـ”المسكوت” عنه: رصداً وتحليلاً وربما استقراءً لـ(الغد).. بعد أن أصبح عضواً أو مساهماً في دار (التنوير للطباعة والنشر والتوزيع)، التي أصدرت عدداً من الكتب.. كان من بينها كتاب الشيخ الدكتور سلمان العودة (أسئلة الثورة) الذي ربما ألهمته إياه رياح ربيع الحرية التي هبت على كل من تونس ومصر، فكان هدف التشويق بلقاء صديقنا المشترك (أحمد عدنان).. هو حسم موافقتي -من عدمها- على طباعة قصتي الطويلة (على قمم الشقاء)، التي كتبتها في مطلع الستينات الميلادية من القرن الماضي خلال سنوات الابتعاث إلى جامعة الإسكندرية، ونشرتها (مجلة الرائد) آنذاك.. عن طريق الدار التي يشارك أو يسهم فيها (دار التنوير)، لا.. لأن القصة عظيمة لا مثيل لها، ولكن لأنها ربما تضع سؤالاً مفصلياً حول فكرة (التنوير) ذاتها.. وأين كنا منها آنذاك، وأين أصبحنا معها.. بعد قرابة خمسين عاماً..؟.

على أنني أحسب أن وجود أخي عدنان.. كوجود زميله، وصديقنا المشترك فيما بعد (عبدالكريم العفنان).. الذي كان مندوباً صحفياً لجريدتنا (الجزيرة) ثم غادرها قبل سنوات ليلتحق -مع صديقه عدنان- بقناة الـ(LBC) الفضائية اللبنانية.. ويقدمان من على شاشتها واحداً من أفضل برامجها وبرامجهما (عيشوا معنا).

لكأن وجودهما في بيروت أو هروبهما إليها.. يحمل في طياته نغمات التأسِّي بمن سبقاهما من طلاب الحرية، والساعين إليها من أمثال (القصيمي) الذي هرب بـ(فكره)، أو علامتنا حمد الجاسر.. الذي هرب من رقيبه الصحفي وتعنته، فلم ترد رأسه -كما يقولون- إلا هذه المدينة (بيروت).. مرفأ الحرية وملجأ المبدعين، وملتقى أصحاب الرأي والرؤى الخلاقة، ليواصل من فوق أديمها إصدار مجلته (العرب).. بعد أن اضطر إلى ترك (يمامته) في الرياض وحيدة تتذكر بانيها ومؤسسها وصاحبها (المهاجر): شيخ الصحافة الأول في نجد.. العالم والعلامة حمد الجاسر.

لقد انتهت لقاءات أمسياتنا في مقاهي بيروت.. بـ(الاتفاق)، ليس على طباعة (القصة) وحدها.. ولكن على إعادة طباعة كل ما صدر لي من كتب في نصوصها الأصلية، دون تلك الحذوفات التي قبلت بها اضطراراً: ربما اتقاءً.. أو مداهنة لـ”الرقيب” وسطوته..!؟.

ومعذرة لقرائي الأعزاء.. -الذين يُحصي عليَّ بعضهم أنفاسي فيما أكتب- من هذه الإطالة التي قد يعتبرونها ذاتية.. غير موضوعية.. بل ولا ضرورة لها، ولكنني أستميحهم العذر.. فقد أردت أن أقول من وراء هذه الإطالة، بأن (بيروت).. التي أصبحت منذ انتهاء العدوان الثلاثي على مصر، وطرد المارينز الأمريكي منها.. وقد جاؤوا إليها عام 1959م لمنح الرئيس كميل شمعون.. دورة رئاسية (ثالثة) غير مستحقة دستورياً: (نادي الحرية العربية).. ظلت على ما صارت إليه، وإلى يومنا هذا.. رغم الصراعات الطائفية والنزاعات المذهبية والخلافات الحزبية: نادي الحرية والأحرار، وملتقى رجال الأعمال والسياسة من كل الأطياف والألوان: من الرأسمالي إلى الاشتراكي إلى الإسلامي المستنير.. إلى الليبرالي والماركسي ومن لا دين له، ولن تعدم في كل الأحوال.. المتشددون بين كل هؤلاء، إلا أنهم يتجاورون.. ويتحاورون.. ويختلفون، وقد يتفقون أو لا يتفقون.. ثم ينفض مجلسهم دون أن يطل عليهم (دركي) أو شرطي.. ليذهب كل منهم إلى بغيته..؟!

***

لفتت انتباهي عند (القدوم).. تلك الدرجة العالية من نظافة الممرات و(مراكن) الزرع الخضراء وزجاج المعروضات.. وكأنه تم تنظيفها في “التو” واللحظة استعداداً لاستقبال أحد الحكام أو الرؤساء أو كبار الشخصيات، لأدرك عند (المغادرة).. بأن تلك النظافة.. هي من طبيعة المكان.. بل ومن طبائع الإنسان اللبناني نفسه، فقد تكررت مشاهدها حيثما ذهبت.. في وسط المدينة.. كما في كورنيشها وفي شوارعها.. كما في مقاهيها ومطاعمها، وقد كنت أتساءل قلقاً عندما غادر رئيس وزراء (المستقبل) الأستاذ سعد الحريري مقعده: تُرى كيف سيكون حال (بيروت).. بعد أن وقعت في وهم الاعتقاد بأنه ربما كان يدعم ميزانيتها من أمواله الخاصة!! فماذا ستفعل بعده..؟ لأكتشف أن شيئاً لم يتغير عما كان عليه.. بعد قدوم رئيس الوزراء الحالي الرئيس نجيب ميقاتي، بل.. إن بيروت اليوم، وفي الصورة.. التي رأيتها عليها هي أجمل وأنظف بشوارعها وجسورها وتماثيلها وحدائقها وعماراتها الفاخرة معمارياً والمتقنة هندسياً.. والتي تحمل في تصاميمها بصمات معمارييها من الفنانين والمبدعين اللبنانيين.. بحق.

بعد جولاتنا الصباحية اليومية في شوارع (الحمرا) ومنطقة السوليدير، وساحة البرج.. ورياض الصلح والشهداء.. كان يتأكد لي أن جهوداً كبيرة قد بذلت من قبل حكومة الرئيس ميشيل سليمان ونجيب ميقاتي.. لتكون (بيروت) على هذه الصورة الجميلة اللامعة المتسقة، وأن أبناءها قد جعلوا منها عروساً تنتظر لحظة زفافها. لحظة قدوم سواحها، لتقدم لهم جميعاً.. هذا الجمال، وهذه المطاعم، وهذه الفنادق وهذه المقاهي النضرة.

***

بين مكتبات بيروت.. التي علمتنا نقرأ سارتر وألبرتو مورافيا وتولستوي وديستوفسكي.. ونتخاطف منها دواوين نزار قباني والحاوي والجواهري.. ونسأل عن الكواكبي وكتابه.. وعن جمال الدين الأفغاني وحياته.. وعن المعري ورسالته، ودانتي و(كوميدياه الإلهية)، وبين مقاهيها الكثيرة الجميلة المرحبة.. والتي تكاد من كثرتها لا تعد، كنا نقف لنستريح في مقهى (الروشة).. المواجه لصخرتها التاريخية الفريدة، لأسأل أحد الندلاء.. بعد أن راعني وأمتعني وأسعدني منظر تلك الصخرة وبحرها الأزرق النقي الخلاب: وكم يدفع الواحد منكم لصاحب المقهى.. حتى يسمح له بالعمل فيه؟

فضحك.. وهو يقول مستنكراً: (شو عيني..!! إحنا اللي بندفع.. واللا هو اللي يدفع)؟!

ولكنني كنت أسأل.. سؤالي ذاك على قاعدة ما كنا نسمعه في الإسكندرية.. عما كان يفعله الندلاء.. قديماً في مقهى (اتينيوس).. بـ”ميدان محطة الرمل” بالإسكندرية، إذ كان الواحد منهم، كما كانوا يقولون لنا.. يدفع لصاحب المقهى راتباً شهرياً.. ليأذن له بـ”العمل” فيه طوال موسم الصيف، أما مرتبه.. فإنه يتقاضاه من (البخاشيش) التي ستنهال عليه من باشوات وأفندية ما قبل ثورة يوليو، الذين كانوا يشكلون معظم (زبائن) مقهى اتينيوس.

***

لقد كان صوت (فيروز).. بعذوبته وملائكيته ومفرداته اللبنانية المتميزة.. وهو ينقل لك صورة المكان والناس.. والضيعة والشحرور والوادي، يملأ سمعي وروحي ووجداني.. طوال الوقت وهي تغني بـ (حبك يا لبنان). فـ(لبنان) يُحب حقاً.. في الشتاء، وفي الصيف، وفي الربيع.. كما اقتطعني من أيامه الصديقان العزيزان تلك الأيام الثلاثة.

dar.almarsaa@hotmail.com
 

البحر والجبل والناس.. و”بيروت”.؟
د.عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة