ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 23/05/2012/2012 Issue 14482 14482 الاربعاء 02 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إنّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسولُه، أما بعد:

فإننا في هذا الوطن الغالي والبلاد المباركة بلاد التوحيد والسنّة نتفيّأ ظلال ولاية راشدة، وحكم عادل يقوم على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وينهج نهج سلف هذه الأمة، وهذه من أجلّ النعم وأولاها بالرعاية والعناية، وشواهد هذه النعمة في واقع هذه الدولة أشهر من أن تُذكر، ولا غرو فهذه دولة الإسلام، ومهبط الوحي، وقبلة المسلمين، ومأزر الإيمان، ومهوى الأفئدة، اصطفاها الله واختارها وحباها من الخصائص والميزات ما يجعلها قلب المسلمين النابض على مر العصور، وولاتها أدركوا عظم هذه المكانة، ومصدر العز والنصر فقامت هذه الدولة المباركة على رعاية الدين والعقيدة، وتأسست منذ اللقاء التاريخي بين الإمامين العظيمين الإمام محمد بن سعود، والإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - على نصرة توحيد الله، وتحكيم شرع الله، ومنذ هذه اللحظة التاريخية وهي سائرة على هذا المنهج الرشيد، والموقف السديد، تنصر كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحكمهما في شؤون الحياة، مع الأخذ بمعطيات التطور والنمو والارتقاء، في توازن مدروس، ووسطية تمثل الفهم الحقيقي لهذا الدين، ولذا فإنّ أي عمل إسلامي يقوم على خدمة الأصلين والمنبعين الصافيين، ويحقق نشر هدايتهما ويدعو إلى التمسك بهما، فإنّ ولاة أمرنا على رأس من يدعم هذا العمل، ويؤيده ويوجِّه به لتتحقق الثمار المرجوة منه، ويأتي في هذا الإطار الذي يُعد جزءًا من سياسة المملكة العربية السعودية، وأساسًا من ثوابتها تلك المبادرة الرائدة لأمير السنّة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية - حفظه الله وأمدّ في عمره على الطاعة والإيمان - التي تمثلت في الجائزة العالمية للسنّة النبوية، تلكم الجائزة النوعية الرائدة التي بدأت انطلاقتها في دورتها الأولى، وها هي في هذا العام المبارك تنهي دورتها السابعة من عمرها المديد بإذن الله، واكتسبت بُعدًا عالميًا، وشهرة واسعة، ونجاحًا باهرًا، وتميُّزًا في المضامين، واهتمامًا كبيرًا لا بين أبناء هذا الوطن فحسب بل في أرجاء المعمورة، وتنامت في مجالاتها وأعمالها واهتماماتها وطوّرت أهدافها بما يحقق عالميتها، فبعد جائزة واحدة أصبحت ثلاث جوائز، لتضم جائزة الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنّة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، وجائزة الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعد التقديرية لخدمة السنّة النبوية، ومسابقة الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود لحفظ الحديث النبوي، كما أقرّت الأمانة العامة برنامجاً وفعاليات متنوّعة تتمثل في النشاط العلمي والثقافي، والذي أدرج تحته فعاليات متنوّعة تحقق الفائدة على المستوى الداخلي والخارجي، وهذه الجائزة في فروعها الثلاثة تجتمع على خدمة المصدر الثاني للتشريع، وخير الهدي، وجوامع الكلم سنّة الحبيب المصطفى، والرسول المجتبى صلى الله عليه وسلم، وتخصيص هذه الجائزة العالمية بفروعها للسنّة النبوية والعناية بها، وبما يحقق استمرارها من مصادر التمويل وأوقاف تجعل عملها يستمر ويخدم أجيالاً، وما من شك أنّ لذلك مؤشراته ودلالاته الخاصة والعامة، فعلى المستوى الخاص يعكس شخصية فذة، تشرّبت الإسلام بصورته الوسطية، وانتهجت منهج سلف الأمة، حتى غدت محبة للسنّة النبوية، مدركة لأهميتها في معالجة القضايا والنوازل والأحكام والمستجدات، مؤمنة بأنّ الأمن الشمولي عمومًا، والأمن الفكري خصوصًا ينبني على التمسُّك بالمصدرين الأساسيين الكتاب والسنّة.

وهذا في شأن راعي الجائزة، ولكنه ديدن ولاة أمرنا عمومًا، كما أنه له دلالته على المحبة الخاصة لخليل الله ورسوله، نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنّ من دلائل محبته نصرة شريعته، ونشر سنّته، والعمل بها، وإحياؤها، وما هذه الجوائز العالمية إلاّّ حوافز وبواعث على تنشيط الهمم، وتوجيه المسلمين وناشئتهم على وجه الخصوص إلى هذا المصدر العظيم، لتكون العناية به حفظاً وعناية واستنباطاً جزءاً من الجهود العلمية والعملية التي يقومون بها، وتشكيل هيئة الجائزة العليا برئاسة سموه الكريم وعضوية عدد من أنجاله البررة الأوفياء بعد آخر يدل على الحرص وغرس هذه المحبة في نفوس أبنائه وأحفاده - حفظهم الله - .

أما الدلالة العامة فإنّ من العواصم المنجيات والمسؤوليات التي يتحملها المسلم تجاه هذه الشريعة الغرّاء الأخذ بالسنّة وفهمها، والعناية بها علمًا وفهمًا ونشرًا ونصرة، كيف لا وهي هدي من أمرنا الله بالاهتداء والاقتداء به في كل الأحوال، فقال جلّ شأنه: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}، والتزام الهدي النبوي هو السبيل للسلامة من الفتن والمشكلات والأزمات، والبعد عن البدع والخرافات، والرد على أهل الشبهات الذين حادوا عن الصراط المستقيم، فالعناية بذلك من أسباب العز والنصر، وهذا ما يعزى إليه ما تعيشه بلادنا، ولله الحمد ومن أبعاده ودلالاته العامة: إبراز مكانة السنّة ، وإظهار كنوزها وذخائرها ولا يخفى على أحد هذه المكانة العالية للسنّة النبوية المطهرة، إذ تُعد السنّة النبوية المطهرة كما هو معلوم المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية، بل قد تكون المصدر الأول في كثير من الأحكام، والرسول صلى الله عليه وسلم أوتي القرآن والسنّة معًا، قال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب:34]، وقال سبحانه: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:2].

وقد ذكر الشافعي، ويحيى بن كثير، وقتادة، وغيرهم: أنّ المقصود بـ»الحكمة» السنّة؛ لأنّ ما يتلى في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم إمَّا القرآن وإمَّا السنّة.

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: بيننا وبينكم القرآن فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه»، وقد أخبر الله عزّ وجلّ عن نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4].

فجعل الهوى قسيماً مبايناً للوحي فإما اتباع لهوى الرسول صلى الله عليه وسلم وأما وقوع في الهوى، ويؤكد هذا المعنى قول الله سبحانه: { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ }ـ ولهذا متى ما صحت السنّة ، وثبت النقل لم يكن للمسلم الخيرة في الخروج عنها، قال سبحانه: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب:36].

وجعل ذلك من أصول الإيمان فقال عز وجل: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء:65].

وفرض على المؤمنين طاعته، لأنها من طاعة الله، فقال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} [النساء:80].

وإذا كانت هذه منزلة السنّة النبوية فنحن في هذه العصور بأمسّ الحاجة إلى مثل هذه الأعمال الجليلة التي تقدم هذه الشخصية العظيمة التي بهرت الألباب والعقول، واختصها الله عزّ وجلّ بما يجعلها قدوة للمسلمين وحجة على العالمين لا سيما ونحن نشاهد خللاً في التعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع سنّته وهديه، بلغ أن تجاسر من ضعف عقله وعلمه ودينه على مقامه العلي؛ وتطاول على سنّته وأورد عليها الإيرادات التي تنم عن ضحالة في الفكر، أو سوء تنشئة، والعجب أن يكون أولئك من أبناء المسلمين، ناهيك عن استهداف الرسول صلى الله عليه وسلم وسنّته من غيرهم، والحق أنّ هذه الأمة تتحمّل المسؤولية عن هذا التقصير الذي أوجب مثل هذه الصور الغريبة المسيئة للإسلام وأهله، فلدينا خلل في التربية والتنشئة، وفي تجسيد القدوات أمام الأبناء، وفي الانفتاح المذموم الذي أوجب مثل هذه الانعكاسات السلبية التي أشرت إليها، ومن هنا فنحن مطالبون بأعمال تتجاوز الدفاع الذي يضعف فيه الخطاب، وقد لا يقدم شيئاً يُذكر إلى تقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، وأخلاقه العظيمة، ومواقفه الجليلة، وكذلك سنّته المطهّرة إلى المسلمين وغير المسلمين، والبدء يكون من الداخل، فما أحوجنا إلى أعمال وجهود متضافرة تحقق هذا الهدف، ويقيني أنّ هذه الجائزة العالمية قدمت شيئاً كثيراً مما يصب في خدمة هذه الأهداف السامية الجليلة.

ولكي يتبيّن شيء من أبعاد قيمة هذه الجائزة لابد من الإشارة إلى علاقة السنّة بكتاب الله جلّ وعلا فهي مع القرآن كالشهادتين لا تتم إحداهما إلاّ بالأخرى، وقد بيّن الشافعي - رحمه الله - أنه لن تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد} [إبراهيم:1].

وقسّم - رحمه الله - الأحكام إلى أقسام:

الأول: ما أبانه الله لخلقه نصًّا، كذكره لمجمل فرائضه: من الزكاة، والصلاة والحج، وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتحريم الزنا، والخمر، وأكل الميتة، ولحم الخنزير، وبيان فرائض الوضوء.

الثاني: ما جاء حكمه مجملاً، وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم بسنّته القولية، والفعلية، والتقريرية، كتفصيل مواقيت الصلاة، وعدد ركعاتها، وسائر أحكامها، وبيان مقادير الزكاة، وأوقاتها، والأموال التي تزكّى، وبيان أحكام الصوم، ومناسك الحج، والذبائح والصيد، وما يؤكل وما لا يؤكل، وتفاصيل الأنكحة، والبيوع والجنايات، مما وقع في القرآن مجملاً في القرآن.

وهو الذي يدخل في الآية الكريمة: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [النحل:44].

الثالث: ما سنّه الرسول صلى الله عليه وسلم مما ليس فيه نص حكم بالقرآن، حيث فرض الله في كتابه طاعة رسوله، والانتهاء إلى حكمه في قوله: { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِين} [المائدة:92]، وقوله: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء:80]، فمن قبل هذه السنة امتثل أمر الله جل جلاله.

وقد تعرّض ابن القيم - رحمه الله - في بيان وجوب اتباع السنّة ولو كانت زائدة على ما في القرآن إلى مثل هذا التقسيم فقال: «والسنّة مع القرآن على ثلاثة أوجه:

أحدها: أن تكون موافقة له من كل وجه؛ فيكون توارد القرآن والسنّة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتضافرها.

الثاني: أن تكون بياناً لما أريد بالقرآن وتفسيراً له.

الثالث: أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه.

ولا تخرج عن هذه الأقسام، فلا تعارض القرآن بوجه ما، فما كان منها زائداً على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم: تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديماً لها على كتاب الله، بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى، وسقطت طاعته المختصة به، وإنه إذا لم تجب طاعته إلاّ فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه لم يكن له طاعة خاصة تختص به، وقد قال الله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء:80]، وكيف يمكن أحداً من أهل العلم أن لا يقبل حديثاً زائداً على كتاب الله؛ فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب؟».

وعلى هذا فسنّة رسول صلى الله عليه وسلم ثروة خصبة في بيان مجمل القرآن، وتخصيص عامه، وتقييد مطلقه، وتشريع أحكام لم يأت لها نص في القرآن، وهي مادة غزيرة تغذي مقاصد الإسلام، وتنمي أحكام شريعته، ومن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله عزّ وجلّ أشدّ قبولاً؛ لأنّ الله فَرَض طاعة رسوله، ولا يحل لمسلم عَلِمَ ما في الكتاب أو السنّة أن يخالف واحدًا منهما.

وبهذا ندرك أنّ الحرص على إظهار السنّة، وحفظها وحمايتها من التغيير والتبديل، وحفز الهمم على الاهتداء بما فيها من حكم وأحكام، ومقاصد ومعانٍ يُعد من حفظ الشريعة، ونصرها، ومن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يظهر ما حبا الله به أمير السنّة، وما وفقه إليه من عمل جبار، لا يمكن أن يقادر قدره، ونحتسب على الله جلّ وعلا أن يكون أميرنا المبارك أمير السنّة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ممن يحيون السنّة النبوية، ويعملون على نشرها، وأن يكون يوم القيامة ممن يرزقون شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويردون حوضه لقاء ما يقوم به من هذه الأعمال الجليلة المباركة، وحقًا فإن هذه هي النصرة التي يكون لها أثرها الفاعل لمواجهة خصوم الإسلام، والذين وقعوا في عرض المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما أننا نحتسب على الله أنّ يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء).

والمتأمّل لهذه الجائزة العالمية يلحظ أمرًا تتميّز به عن كثير من الجوائز، فهي الفريدة في هذا المجال المتعلّق بالسنّة النبوية، وفيها من الشمولية وتنوّع المستويات ما هو مثار إعجاب كل مسلم، فتشمل البحث العلمي الذي يعنى بموضوعات غاية في الأهمية مرتبطة في السنّة النبوية، وتشمل تكريم العلماء العاملين في مجال نشر السنّة المطهرة وخدمتها، وتشمل تشجيع الطلبة والطالبات على حفظ السنّة وتدارسها، كما وأن إطار نشاط الجائزة يشمل نشاطات متنوّعة دائمة من محاضرات وحلقات بحث، وكل ذلك يصب في خدمة السنّة النبوية.

ومن التوفيق في شأنها اختيار مكانها ومجالاتها وموضوعاتها المتفرّعة عنها فمكانها اختير أن يكون في مهاجر صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ، إشارة إلى أنّ هذا الارتباط يحمل أبعادًا مهمة، فالمكان مبارك بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن البركة أن يكون ما ينطلق من أنشطة وجهود يباركها الله، ثم هي مشع النور، ومنها انتشرت سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعني العلماء بها قديمًا وحديثًا، فكان المسجد النبوي المكان الأمثل لانعقاد حلقات العلماء يؤهلون طلبة العلم بما ينهلونه من سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى بلغ العلم الآفاق، بل إنّ العلماء - رحمهم الله - يقررون أنّ للمكان أثرًا في التصور والحكم، ولهذا عدّ الإمام مالك - رحمه الله - عمل أهل المدينة حجة، وسبب ذلك بأنهم على حسن حالهم وقرب عهدهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم لا يتفقون على غير ما مضت عليه السنّة عملاً، فاعتبر أنّ للمكان أثرًا على التصور والحكم.

وأما مجالاتها فكل ما يخدم هذه السنّة من صور وأنماط الجهود، وتشمل الجهود البحثية والعلمية القديمة والحديثة، وتشمل تنشئة الأجيال على استظهارها والتعلق بها والارتباط بهدايتها من خلال مسابقات يحدد فيها عدد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأما موضوعاتها فقد أسندت إلى ثلة من العلماء الذين يحددون في كل عام عملاً علمياً يحقق أهدافاً جليلة في هذه الجائزة.

وهذه الجائزة العالمية بحسن نية راعيها ودعمه حققت تطوراً مذهلاً، سيما في هذه الدورة السابعة، وأثبتت جدارتها، وانتشر صيتها وسمعتها، فمن جائزة واحدة إلى ثلاث جوائز كما مرّ، وفي انطلاقتها تشهد حراكًا وفعاليات متنوّعة كلها تصب في خدمة سنّة النبي صلى الله عليه وسلم لتمثل هذه الجهود صورة مثالية رائعة في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ونشرها وإحيائها، وإثارة اهتمام المختصين والعلماء والكافة بها.

هذا في عموم فروع هذه الجائزة، أما ما يتعلق بالمسابقة فهي جزء من هذه المنظومة المباركة يتم في كل عام اختيار عدد من الأحاديث وتطرح ميداناً للتنافس، لتثير اهتمام الناشئة ويقومون باستظهارها، وما هذه الصورة إلا رائقة من روافع أميرنا - سدده الله - وإن ذلك ليذكرنا بعهود سلف الأمة حينما كانوا يعنون بناشئتهم ليحفظوا السنّة ويعتنوا بها ، فيكفي أمير السنّة فخرًا هذا العطاء الذي يحفظ سنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويربط الأجيال الحاضرة والمستقبلة بها، ويستثير كوامن الإبداع ويستثمر الطاقات لترتقي الأمة إلى مكانتها في الصدارة والريادة، ونرجو الله أن يدخل فيمن قالَ فيهمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيما أخرجهُ ابنَ ماجه والترمذيُّ وحسَّنهُ منْ حديث عمرو بنِ عوفٍ المزني رضي الله عنه: (منْ أحيا سنّةً منْ سنّتي فعملَ بها الناسُ كانَ له مثلُ أجرِ منْ عملَ بها، لا ينقصُ منْ أجورهِم شيء).

ومنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه الذي أخرجه الترمذيُّ وحسَّنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (ومنْ أحيا سنتي فقدْ أحبني، ومن أحبني كانَ معيَ في الجنَّة).

فالحمد لله الذي وفّق أمير السنّة لهذا العمل الرشيد، والنهج السديد، والحمد لله على نعمة الولاية التي تبارك كل عمل يخدم الإسلام والمسلمين، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجزل الأجر والمثوبة لخادم الحرمين الشريفين، ولسمو ولي عهده الأمين الأمير نايف بن عبد العزيز لقاء هذه الأعمال الجليلة، وما قاموا ويقومون به لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن يجعل ذلك رفعة في درجاتهم، وبركة في أموالهم وأعمارهم، ونسأله أن يحفظهم ويبقيهم ذخرًا وفخرًا وعزًا للإسلام والمسلمين، والحمد لله رب العالمين..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
 

جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية جهودٌ تحقق الآمال وتسطّر لأمير السنّة على مدى الأجيال
أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة