ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 26/05/2012/2012 Issue 14485 14485 السبت 05 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يعد قرار مجلس الوزراء الأخير بتنظيم العمل الصحافي وإناطته بهيئة الصحافيين السعوديين هو انتقال نوعي من مرحلة العشوائية إلى مرحلة التنظيم، ومن مرحلة الاجتهادات الشخصية من طرفي المعادلة (الصحافي والمصدر) إلى مرحلة المأسسة لهذا

النشاط الإعلامي المهم.. ولا شك أن هذا القرار يأتي على خلفية من الصدامات والمواجهات بين بعض الأجهزة التنفيذية من ناحية وبين المؤسسات الإعلامية من ناحية أخرى.. كما أن القرار أعطي سلطات جديدة لهيئة الصحافيين ونفث في روحها من جديد وأعطاها مسؤوليات وطنية كبيرة.

وفي سياق هذا الموضوع، أود أن أشارك في تناول مختلف أبعاد الموضوع من ثلاث نواح، أولاها: ماذا يعني هذا القرار؟ وثانيتها: ما هي التحديات التي تواجه هيئة الصحافيين في تطبيق مثل هذا القرار الهام؟، وثالثتها: ما هي التداعيات العامة لمثل هذا القرار؟.

ماذا يعني القرار..؟

أحاول هنا أن أقدم قراءات لفحوى قرار مجلس الوزراء بتنظيم العمل الصحافي وعلاقة المؤسسات الصحافية بالأجهزة التنفيذية في الدولة:

1. القرار لا شك جاء على خلفيات معقدة من العلاقات والتداولات بين الإعلام والأجهزة التنفيذية خلال العامين الماضيين، وتحديداً خلال الأشهر الماضية.. وحدث شد وجذب بين بعض الصحف من خلال طرحها الإخباري ومقالات الرأي فيها وبين الأجهزة التنفيذية وغيرها من المؤسسات المجتمعية.

2. استشعرت عدد من الأجهزة التنفيذية في الدولة ظلماً واقعاً عليها من قبل بعض الكتابات الصحافية (أخبار وآراء)، حيث وجدت أن مثل هذه الكتابات تسيء إلى الجهاز التنفيذي أمام الرأي العام السعودي. ولا شك أن التقارير التي ترفعها تلك الأجهزة إلى الجهات التنفيذية العليا هي تبريرية وتوضيحية ولكنها هي تقارير مغلقة ولا تصل إلى الرأي العام، لأنها تستهدف المقامات العليا وليس الرأي العام السعودي.

3. القيادة السياسية تقرأ وتتابع ما ينشر في الصحف بشكل دقيق ضمن مسؤولتيها السياسية، وتقرأ ما ترفعه الأجهزة التنفيذية في الدولة، وتجد أن هناك أموراً وموضوعات وإنجازات لم يلاحظها الرأي العام وهي حبيسة التقارير وأدراج مكاتب المسؤولين.

4. لاحظ المسؤولون في الدولة أن ما تنشره الصحف من نقد ومساءلات تتم إعادة بثه ونشره في وسائط الإعلام الاجتماعي، وتظل آراء المسؤولين التنفيذيين مغيبة في تداول مثل هذه الموضوعات وتداولها في الشبكات الاجتماعية ومنتديات الإنترنت ومدوناته.

5. ولهذا جاء القرار لتشبيك المؤسسات الصحافية ممثلة في هيئة الصحافيين السعوديين مع الأجهزة التنفيذية، وتحديد مسؤوليات كل جهة، ووضع الشروط والضوابط لعلاقة صحية بين الطرفين.

ما هي التحديات أمام هيئة الصحافيين؟

رغم أن مشروع القرار قد تم تداوله في هيئة الخبراء وفي أروقة أجهزة تنفيذية عديدة قبل صدوره وبمشاركة هيئة الصحافيين السعوديين وغيرها من المؤسسات الإعلامية وغير الإعلامية، إلا أن القرار يضع تحديات - وفرصاً - كبيرة أمام هيئة الصحافيين، ومنها:

1. الانتقال من مرحلة التأسيس إلى مرحلة ما بعد التأسيس، إلى مرحلة قطف الثمار، ومأسسة العمل الصحافي، وقيادته إلى مستوى جديد من بناء النظام، واستلام السلطة والصلاحيات القائمة على مفهوم الوصاية الكاملة على شئون الصحافة في المجتمع.

2. التحول من هيئة يقف ضدها عدد من منسوبي الصحافة، إلى مؤسسة تصبح هي مطلباً حيوياً من قبل جميع منسوبي الأسرة الصحافية في المملكة. وتزداد أسهمها ومن يخطب ودها ويعمل معها خلال الفترة القادمة.

3. الانتقال من مرحلة الصمت ولا تعليق، التي كان يتبناها الجهاز التنفيذي في الدولة في كثير من مرافقه إلى مرحلة الإعلان والشفافية، وهذا سيساعد وسائل الإعلام على تحقيق أهدافها في بناء مجتمع شفاف، وقيام وسائل الإعلام بدورها الرقابي في المجتمع.

4. مع تطبيق القرار ستكون الهيئة مسؤولة مسؤولية عن مؤهلات العاملين فيها، وسيكون التدريب والتأهيل هو اللغة التي ستتحدثها الهيئة خلال السنوات المقبلة.. وينبغي أن تتشارك الهيئة كممثلة للمؤسسات الصحافية مع باقي المؤسسات الأكاديمية والتدريبية في بناء آليات عمل واضحة ودقيقة لتحقيق مبدأ التأهيل الشامل لمنسوبي الصحافة.

5. لم أجد منطقية في محاولة الهيئة -في أحد تصريحاتها- الحرص على تدريب الناطقين الإعلاميين في أجهزة الدولة، فهذا خارج اختصاصها -كما يبدو لي- وينبغى أن تكون الأولوية هي لتدريب الصحافيين، أما الناطقون الإعلاميون فأرى أن الأجهزة التنفيذية هي أولى من غيرها في سد هذا النقص ومتابعة تطبيقه بما تراه مناسباً من الناحية النظرية والعملية.

ما التداعيات العامة لقرار تنظيم الصحافة..؟

لا شك أن قرار مجلس الوزراء بخصوص تنظيم العلاقة بين الصحافة وبين المؤسسات التنفيذية سيكون له تداعيات واسعة على المدي القصير والطويل لأوضاع الإعلام في المملكة، ومن هذه التداعيات:

1. السياق الذي تم فيه استحداث مثل هذا التنظيم سيعطي مؤشرات على أنه نظام رقابي على المحتوى الإعلامي الصحافي، وهذه قراءة خارجية للموضوع، لأن السياق هو ملاحظة صاحب القرار وجود تجاوزات من قبل بعض الصحافيين والكتّاب، ولو لم يشر إلى ذلك في القرار لكان أفضل، ولما أعطى مثل هذا الفهم.

2. صياغات القرار وديباجته هي التي تعطي تفسيرات لمسبباته، وهي تشير بوضوح إلى أن التنظيم هدفه منع مثل هذه التجاوزات وهذا حق مشروع للمؤسسات التنفيذية، ولكن عدم الإشارة إليه قد لا تعطي تفسيرات رقابية مستهدفة من القرار وهذا ما يثير حفيظة مؤسسات إعلامية دولية ستضع القرار في خانة قرار رقابي يضعف من الدور المستقل لوسائل الإعلام في المملكة.

3. إذا نظرنا إلى مجموعة من التوجيهات والقرارات التي صدرت خلال السنتين الماضيتين سنجد أن وسائل الإعلام وخاصة المطبوعة قد تم متابعتها وتوجيهها إلى سياقات معينة تؤدي إلى إيقاف حراك الحرية الإعلامية كما يظهر من الشكل الخارجي لمثل هذه القرارات.

4. قد ينظر البعض من الداخل والخارج إلى أن قرارات تنظيمية كما القرار الأخير، أو قرارات تأديبية كما أشارت قرارات سابقة إلى عقوبات شديدة، أو قرارات احتوائية كما أظهر نظام النشر الإلكتروني كلها تصب في الحد من حرية الإعلام السعودي، وهو عكس ما ظهر مؤخراً في انفتاحات إعلامية كبيرة في المنطقة العربية، وهو عكس ما حاولت التجديدات النظامية والفكر الواعي للقيادة السعودية تبنيه خلال السنوات الماضية، ومنها مبدأ الشفافية وكشف الفساد وغيرها من الأنظمة التي تسعى أن تبني مجتمعاً منفتحاً شفافاً، يقوي من اللحمة ويبني النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية.

5. مع مثل هذه القرارات سيكون هناك مزيد من الترحيل للنقاشات والمداولات في الشأن العام إلى وسائل الإعلام الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك والمدونات والمنتديات وغيرها والتي قد لا تخضع لتنظيمات وزراة الثقافة والإعلام. ومن المعروف أنه كلما ضاقت حرية الإعلام التقليدي زادت مساحة الحرية في الإعلام الجديد المفتوح لكل الآراء والتوجهات والأطياف والاختلافات.. وهذا سيعزز من مثل هذا التحول الذي لا نرغبه أو نستسيغه.

6. كما ينبغي شرح وتفسير الجوانب الإيجابية التي تطغي على مثل هذه القرارات وبثها إلى الرأي العام المحلي والخارجي.. وتوضيح بعض الملابسات التي تعطي أشارات سلبية لمثل هذه القرارات.

7. وأخيراً، لابد من دراسة الظاهرة الإعلامية والاتصالية بشكل علمي ومن كافة جوانبها المحلية والخارجية للاسترشاد بتوجهات جديدة وأفكار مستنيرة في ضوء المستجدات الاتصالية والأحداث الإقليمية وفي ضوء تداعيات مثل هذه القرارات.

alkarni@ksu.edu.sa
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود
 

تنظيم الصحافة.. أسئلة وإجابات
د.علي بن شويل القرني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة