ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 28/05/2012/2012 Issue 14487 14487 الأثنين 07 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هذا العنوان ليس تعبيراً إنشائياً ولا استدراراً للعواطف، بل هو تذكير بالحقيقة الصارخة: أن بحوث الخلايا الجذعية فى بلادنا لا تعطى الأولوية التى تناسب عظمة مستقبلها الواعد فى علاج العديد من الأمراض المزمنة. فإن لم ندرك هذه الحقيقة ونعمل على قلبها فإننا نكون بهذا قد.....

..... أهدرنا فرصة سانحة للحاق بركب المتقدمين فى سباق البحث العلمي الذى لا يعطي فرصة للمتعثرين، بل هو سباق مزدحم من يتعثر فيه لا تقوم له قائمة. هل هذه مبالغة؟ ربما. ولكن دعونا ننظر إلى قائمة من الأمراض المزمنة المستعصية التى ينتهى كثير منها بالفشل الوظيفي العضوي، أي إلى تلف العضو المصاب أو فقده لوظيفته الحيوية.

فعندنا وعند غيرنا من بلدان العالم حالات كثيرة من الإصابة بأمراض مثل: داء السكري - سرطان الدم - الفشل الكلوي - التليف الكبدي - الضمور العصبي العضلي - التصلب اللويحي المتعدد - أمراض الدم الوراثية مثل فقر الدم المنجلي - شلل الأطراف من جراء الحوادث - الشلل الرعاش... الخ. وبصرف النظر عن مدى انتشار هذه الأمراض (فبعضها وبائي وبعضها نادر) ودرجة خطورتها وأسباب نشوئها فإنها تحرم المصاب بها من متعة الحياة، إلا إن حالفه التوفيق ووجد علاجا بديلا يعوض وظيفة العضو الفاشل، وهذا لا يتيسر إلا فى أقل الأحيان. على أن بحوث الخلايا الجذعية قد فتحت في النفق المظلم للفشل العضوي ثغرة لبارقة أمل فى العلاج. وذلك من خلال طرق الاستفادة من خصائص الخلايا الجذعية التى توجد بكثرة فى الأجنة ودم الحبل السري (خلايا جذعية جنينية) أو بدرجة أقل فى بعض أعضاء الجسم مكتمل النمو (خلايا جذعية جسدية). وتنبع خصائصها الفريدة من كونها باقية على حالتها منذ انقسامها فى المرحلة الجنينية بدون تمايز عضوي. من هنا يستخدم المتخصصون طرق الهندسة الجزيئية الحيوية لتكثير الخلايا عدديا وتحفيزها للتحول إلى خلايا مطابقة لخلايا العضو المراد علاجه، بحيث تكون قادرة - بعد زرعها في الجسم - على القيام بوظيفة ذلك العضو. يبدو هذا في الوقت الحاضر مجرد أمل. لكنه أمل قوي جعل علماء العالم المتقدم يتحمسون لأبحاث الخلايا الجذعية. أفلا يحق لنا أن نأمل مع بقية العالم؟ هل هناك - بين ظهرانينا- من يدعي أنه لم ير أحدا من أقربائه أو معارفه قد عانى أو يعاني لسنوات من عمره أو ربما العمركله من واحد من تلك الأمراض؟ نحن- مع الأسف- لا نملك إحصاءات دقيقة عن كل تلك الأمراض من حيث انتشارها وتوزيعها بين الشرائح السكانية. لكن التقارير الرسمية عن بعضها (السكري - السرطان - الفشل الكلوي - أمراض الدم الوراثية - الشلل الناتج عن الحوادث) تدل على أن حجم المشكلة كبير. ولو يعلم الناس مقدار ما ينفقه المجتمع والدولة على المحاولات طويلة الأمد لعلاج أو تأهيل أو تخفيف معاناة المصابين بتلك الأمراض أو مقدار ما يخسره المجتمع والدولة من جراء الحد من قدرة المصابين ببعض تلك الأمراض على العمل والإنتاج- لو يعلم الناس ذلك لأدركوا أن أي حجم للإنفاق على بحوث الخلايا الجذعية إنما هو ثمن رخيص لسلعة غالية! نعم. يوجد فى بعض الجامعات والمستشفيات المرجعية وحدات ومراكز لبحوث الخلايا الجذعي، وفى مستشفى الملك فيصل التخصصي - إلى جانب ذلك - وحدة لعلاج بعض أنواع السرطان. إلا أن تمويل هذه الوحدات محدود والتنسيق بينها مفقود. وإنما هي- على أهميتها- بدايات متواضعة لا تقارن بأي حال بما يبذل فى دول أخرى متقدمة. في الولايات المتحدة - على سبيل المثال - بلغت الاعتمادات المخصصة لأبحاث الخلايا الجذعية فى ميزانية معاهد الصحة الوطنية (nih) لعام 2011 ما يقارب مليارا وثلاثمائة مليون دولار (أي حوالي خمسة مليارات ريال). هذا بخلاف ما ينفق من مصادر أخرى. أما الاتحاد الأوروبي فقد خصص لبرنامج بحوث الخلايا الجذعية للمدة من 2007 حتى 2013 اعتمادات بلغت ستة مليارات يورو (أي حوالي ثلاثين مليار ريال). ويمكن لدولتنا العزيزة ذات الاقتصاد القوي أن تنشئ شيئا شبيها بذلك فى شكل برنامج وطني منسق يحظى بدعم حكومي سخي وتشارك فيه وتستفيد منه مراكز ووحدات بحوث وبنوك الخلايا الجذعية فى الجامعات والمستشفيات المرجعية مكونة شبكة وطنية مترابطة تنسق فيما بينها وتتكامل أنشطتها دونما إخلال باستقلاليتها الإدارية. وقد سبق لمجلس الخدمات الصحية أن شكل لجنة وطنية لبنوك الخلايا الجذعية المأخوذة من دم الحبل السري، هي نفسها اقترحت فكرة برنامج وطني. ويمكن لهذه اللجنة- إن كانت لا تزال باقية- أن تضع الخطوط العريضة لهذا البرنامج متضمنة تحديد مسؤولياته وأهدافه وطريقة عمله والاعتمادات المطلوب رصدها- ضمن نطاق زمني محدد- للإنفاق المركزي المنسق على بحوث الخلايا الجذعية، بحيث يستطيع مجلس الخدمات الصحية أن يرفع للمقام السامي طلب الموافقة على إنشاء هذا البرنامج الوطني.

إن مما يدفع للاعتقاد بجدوى هذا البرنامج الحكومي الأمور التالية:

- أنه يتوافر فى المملكة جيل من الباحثين والباحثات في مجالات التقنية الحيوية. ومن مظاهر ذلك ما نسمعه ونقرأه من أخبار الإنجازات والجوائز والشهادات العليا التي يحققها هؤلاء في المملكة وخارجها - ويمكن تأهيــل وتدريـب المزيد منهم فى إطار البرنامج.

- وجود مراكز ووحدات وبنوك للخلايا الجذعية فى بعض الجامعات والمستشفيات المرجعية تشكل بنية تحتية يمكن تطويرها وتفعيل أنشطتها عن طريق البرنامج.

- يمكن لبرنامج وطني موحد أن ينسق ويشارك بشكل فعال مع الشبكات الدولية العاملة فى المجال نفسه، وأن يستفيد من نتائج بحوثها بحيث يتحاشى التكرار والبداية من الصفر.

- إن الدعم الحكومي السخي هو المحرك الفاعل لبحوث الخلايا الجذعية. إذ إن من غير المتوقع أن يقدم القطاع الخاص على تمويل أبحاث طويلة الأمد باهظة التكاليف. وقد سبق أن تقدمت بعض الشركات الخاصة لمجلس الخدمات الصحية بطلب الترخيص لإنشاء بنوك للخلايا الجذعية المأخوذة من دم الحبل السري لحديثي الولادة وذلك لأغراض تجارية بحتة، ورفض المجلس ذلك.

- أن هناك سوابق مضيئة من الدعم الحكومي الموجه مباشرة لبرامج وطنية محددة مثل برنامج الكشف المبكر عن الأمراض الاستقلابية لدى حديثي الولادة (فى ميزانية وزارة الصحة وتشترك فى تنفيذه المستشفيات الحكومية ومختبر مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة) وبرنامج أبحاث تقنية النانو (تستفيد منه مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وبعض الجامعات). ومع أن المبالغ المرصودة متواضعة لكل منهما إلا أنهما نموذجين مشجعين.

ولعلي أختتم بما بدأت به: علينا ألا نطفئ شمعة الأمل!

 

التقصير في بحوث الخلايا الجذعية يطفئ شمعة الأمل!
عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة