ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 02/06/2012/2012 Issue 14492 14492 السبت 12 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أي رموز بليغة تشير إليها هذه الصور في قلب الصفحة الأولى؟ نساء منقبات من الباحة وأيديهن مرفوعة في وجه المسؤول، متسائلة حول عدم حصولهن على وظيفة وهن الخريجات الجامعيات منذ 15 سنة ومنشورة في الصفحات الأولى لصحفنا الوطنية؟ هذه المرأة التي لم يكن يسمح لها من قبل بالظهور في الفضاء العام. اليوم هاهي بعباءتها ونقابها تخرج صارخة ومعبرة عن حقها في العيش بكرامة الكسب الحر. لم تعد هذه المرأة المدجنة تقبل (بقدرية) السكوت..

بدأت تعرف أنها يجب أن تعامل كأي إنسان رجلا كان أو امرأة يستحق أن يجد وظيفة تحفظ له حق العيش الكريم؟ لكن هل خريجات التاريخ أو الحضارة في الباحة هن وحدهن الجامعيات اللاتي لم يجدن الوظيفة؟

بأسي نستطيع أن نقول إن 89% من العاطلين عن العمل هن نساء وهن جامعيات وأيضا من تخصصات مهمة مثل الكيمياء والعلوم هذا عدا عن خريجات الاجتماع والتاريخ والجغرافيا ورياض الأطفال وعلم النفس والتربية الخاصة الخ. من التخصصات التي قد تبدو في ظاهرها مهمة لكنها فعلا في علاقتها بالاقتصاد لا تجدي نفعا أو أن طرق الإعداد فيها غير عملية وتوقفت على النظري وغير التطبيقي أو أن ظروف الخريجة العائلية لا تسمح لها بالالتحاق بأي عمل وتشترط بيئة عمل منفصلة مما يصعب الحصول على الوظيفة أو أن الخطط التنموية لم تستوعبها إلا مؤخرا مثل ما حدث مع رياض الأطفال حيث أصبح الآن التحاق الطفل بالتمهيدي مطلبا أساسيا للالتحاق بالابتدائي مما يعزز أهمية خريجات هذا القسم وضرورتهن في سوق العمل أو أن جميع الخريجات دون استثناء لم يدربن على المهارات العامة التي يمكن أن تنتقل معهن إلى كل عمل مثل إتقان اللغة الإنجليزية والطلاقة والقدرة على كتابة المراسلات باللغة العربية (نعم باللغة الأم: اللغة العربية!!) أو القدرة على العمل ضمن مجموعات والقدرة على قبول الاختلافات والتوأم معها وقبول التنازل أو القدرة التفاوضية الخ من المهارات التي أكدت كافة الدراسات على أنها الأكثر أهمية للخريجين في عالم اليوم الذي يتوقع فيه لكل خريج وخريجة أن يتنقل بين ما يقارب ثمانية أنواع من الأعمال المختلفة خلال حياته المهنية.

كل هذه العوامل تجعل حالة المرأة السعودية حالة متفردة بجدارة.. هذه المرأة التي تدفع حاليا وتدفع الدولة معها (نصف مليون جامعية تستفيد من حافز (الوطن/ 28 مايو 2012) ثمن سياسات تنموية تميزت بالتسيس لموضوع المرأة فذهبت كل هؤلاء النساء منذ بدأ تعليم المرأة عام 1960 ضحايا لخطط أفراد وجماعات مسيسة أرادت أو (اعتقدت حسب رؤيتها الفكرية) أنها ستبقي المرأة السعودية خارج حركة التاريخ فحصرت تعليمها في تخصصات تربوية ونظرية رأت تلك اللجان والقادة المحليون والمؤثرون فيهم من قيادات مجتمعية آنذاك أن المرأة يجب أن تبقي في ظل دورها التقليدي وكما حددتها أهداف تعليم المرأة التي لم تتغير إلى الآن بأن دور المرأة يجب أن يبقي كما عرفوه (زوجة مثالية وأم جيدة ويمكن أن تعمل في أعمال تحتاج إليها المرأة مثل التدريس والتطبيب)!

أحب أن أؤكد هنا أن دور المرأة كزوجة وأم أساسي لها وللرجل فكما يحتاج الرجل إلى أن يكون زوجا (ليس بالضرورة مثاليا!!) فالمرأة تحتاج إلى ذلك وكما يحتاج إلى أن يكون أبا فالمرأة تحتاج إلى ذلك أيضا إذ كلاهما مع أطفالهما يشكلان الوحدة الرئيسية لبناء المجتمع، فإذن لا نقاش هنا. والنقاش يدور الآن هو حول باقي الأدوار التي يكن للمرأة أن تلعبها؟

اللجان والقادة الذين كانوا معنيين بالمرأة آنذاك وعلى وجه التحديد (الرئاسة العامة لتعليم البنات) افترضت أن هناك نوعا واحدا من النساء وأرادت أن تنسخ هذا النوع ملايين المرات ليكون نموذج الأسرة السعودية هو الآتي: رجل يذهب لعمله الحكومي الساعة الثامنة ومعلمة أو إدراية تذهب مع أطفالها الساعة السادسة والنصف للمدرسة جوار المنزل وتعود نحو الواحدة لتعد لزوجها الغداء قبل أن ينهي وظيفته الحكومية الساعة الثانية والنصف ظهرا وإذا تمكن من ترك العمل خلال الصلاة لالتقاط الأولاد فلا داعي للسائق لكن العاملة المنزلية ضرورية حتى لا تخسر ربة المنزل قيلولتها كما أن الأطفال الصغار الذين يشجع النظام على إنجابهم دون توقف يحتاجون إلى الرعاية خلال وجود الأم في المدرسة فترة الصباح بحيث أننا وبحلول عام 2020 سنكون وكما تتوقع الإحصاءات وتبعا لمعدل الخصوبة العام في السعودية أربعون مليون نسمة!! (مصر أخرى ويا دنيا زحمة!!).

هل ترفض أي امرأة هذه الأوضاع المثالية.. عمل حكومي مضمون بإجازات سخية (مثل إجازات الأولاد) وبإجازات حمل وولادة واستثنائية يدعمها إيجابيا النظام ويسهل الحصول عليها كفكرة مرافقة زوج أو غيره وتقريبا نصف دوام عمل (السابعة حتى الثانية عشرة ظهرا) فمن يرفض هذه الظروف الوظيفية التفضيلية؟

لكنها الآن غير موجودة.. هذه هي حقيقة الموقف شئنا أم أبينا؟ وزارة التربية والتعليم على سبيل المثال لن تكون بحاجة إلى أي معلمة وخاصة في المدن الرئيسية مثل الرياض للخمس سنوات القادمة وحتى في التخصصات النادرة مثل اللغة الإنجليزية أو الرياضيات فما شأن التاريخ والجغرافيا والعلوم والتغذية وعلم الاجتماع والشريعة وغيره؟

لن ينفع البكاء على الأطلال ولن يجعل خريجاتنا قادرات على الحصول على وظيفة وما نقوم به من ترقيع للنظام بفعل للوساطات الجانبية أو خطابات التزكية الفردية وغيرها إنما يعزز مظاهر البطالة الحكومية المقنعة التي تئن المؤسسات النسائية الحكومية تحت وطأتها منذ زمن بعيد وزادت الآن وهي غير منتجة ولا تحقق جدوى اقتصادية ولا يمكن حمايتها إلا في نظام الدولة النفطية لكنها لن تبقي؟

ما الذي إذن يمكن علمه تجاه جيوش الجامعيات غير المؤهلات من خريجات الجامعات الحكومية ومؤسسات التدريب المحدودة الإمكانات والقدرة؟

إعادة التدريب عبر مؤسسات عالمية لا تدخل في معمعة النقاش الثقافي والاجتماعي الذي لا نتوقف عن تعاطيه حين نتناول قضايا المرأة بل ما يعنيها هو تخريج متدربة قادرة على الحصول على عمل في اليابان كما هي فرصتها في السعودية أو الكويت أو ماليزيا؟

هل سنستطيع تجاوز بثور عقدنا الاجتماعية؟ نحن لا نتحدث هنا سياسة نحن مواطنون نريد تنمية وأن نعيش في بلد حر يجد الإنسان رجلا كان أو امرأة عملا شريفا وحقوقا ومواطنة نستطيع الدفاع عنها متى ما تعرض الوطن لأي من أزماته السياسية أو الاقتصادية.

 

خريجات التاريخ والحضارة يصرخن في وجه الوطن: نركض وراء وظيفة منذ 15 سنة!!
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة