ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 04/06/2012/2012 Issue 14494 14494 الأثنين 14 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

 

العقل ومدى حرية الرأي
صالح بن فوزان الفوزان

رجوع

 

الحمد لله الذي خلق الإنسان وميَّزه بالعقل من بين سائر المخلوقات ليميّز به بين الحق والباطل. وبين الضار والنافع. فالعقل نعمة من الله منّ بها على هذا الإنسان.. وسُمي عقلاً لأنه يعقل الإنسان عمَّا يضره مما لا يليق به، وسُمي حجراً كذلك قال تعالى: هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ . أي ذي عقل يعرف عظمة هذا القسم الذي أقسم الله به في سورة الفجر. ولكن هذا العقل محدود لا يدرك كل شيء. ولو كان العقل يدرك كل شيء لما احتجنا إلى بعثة الرسل وإنزال الكتب. وإنما العقل يدرك المضار والمنافع في الجملة. كما أن علم الإنسان محدود فهو لا يعلم إلا ما علّمه الله: وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً . وقال لنبيـــه: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ . وقالت الملائكة: سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . ويقول الأنبياء إذا جمعهم الله يوم القيامة وسألهم مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ . ثم علم الإنسان قليل بالنسبة لما لا يعلمه قال تعالى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ , وقال لنبيه: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً . ثم علم الإنسان على قلته مهدد بالزوال إما للعوارض التي تعرض له من الإعاقات المرضية وإما الخرف في نهاية العمر قال تعالى: وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً . فعلم الإنسان له بداية ونهاية وله نهاية وهو فيما بين ذلك محدود قليل وهناك أشياء كثيرة في هذا الكون لا يعلمها الإنسان مهما أوتي من القدرة على الاكتشافات والاختراعات فهو لا يعلم ما في البر والبحر والجو والسماوات والأرض لا يعلمها إلا علاَّم الغيوب سبحانه وتعالى. وأقرب شيء إلى الإنسان روحه التي يحيا بها ويتحرك ما دامت فيه، فإذا خرجت منه أصبح جثة هامدة لا حراك بها ولا إدراك فلا يعلم الإنسان حقيقة هذه الروح قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً . فالله هو الذي خلقها وهو الذي يوجدها في جسم الإنسان وهو الذي يقبضها في النوم وفي الموت، قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَليْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، ولا يستطيع مخلوق مهما أوتي من العلم بالطب أن يبقيها في الإنسان إذا حان أجله قال تعالى: فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . فتقبض من بينهم ولا يستطيعون إرجاعها واليوم نسمع من يعظّم من شأن ما يسمونه بالعلم الحديث ومنهم من يقدّمه على الوحي فما وافق العلم الحديث من الوحي صدقه وما خالفه كذبه أو أوّله بغير معناه الصحيح. ومنهم من لا يؤمن من الأمور الغيبية إلا ما يصدّقه العلم الحديث وقد قال تعالى عن الأمم السابقة: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً . وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ . وقال عمر رضي الله عنه يا أيها الناس اتهموا الرأي في الدين فلو رأيتني يوم أبي جندل أن أرد أمر رسول الله وأجتهد ولا آلوا. وقال الإمام أحمد رحمه الله: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان. والله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وهناك أشياء لا مجال للرأي فيها مثل أمور العقائد وأمور العبادات وأمور الغيبيات وهناك أشياء يكون للرأي فيها مجال وذلك في أمور الأحكام الفقهية التي لا نص فيها بشرط أن يكون الرأي منطلقاً من ضوابط أصولية وضوابط اجتهادية ويكون صاحب الرأي مؤهلاً بها بشرط أن لا يخرج الرأي عن دائرة ما تحمله الأدلة من الكتاب والسنة. ومن لم يكن مؤهلاً بتلك الضوابط فلا مجال لرأيه ولا اعتبار له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران. وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) والمراد بالحاكم الفقيه المؤهل. ولا يقبل من اجتهاده إلا ما أصاب فيه وهو ما يوافق الدليل وما أخطأ فيه لا يقبل ولو كان مأجوراً على اجتهاده ما دام ذلك في محيط الأدلة فما بالك بالرأي الذي يخترق الأدلة ويخترق مجالات الاجتهاد الشرعي ويُسمى بالرأي الحر، بل هناك آراء اخترقت جانب الرببحانه ونازعته في تدبيره وتشريعه. وهناك آراء اخترقت جانب النبي صلى الله عليه وسلم فعارضت أحاديثه التي لا توافق أهواءها. وقد قال تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ . وقد قرأنا وسمعنا في هذه الأيام من ذلك الشيء الكثير من كتَّاب وكاتبات تبنوا الحرية في هذا المجال وعارضوا حد الردة محتجين بقوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ . المراد به الإكراه على الدخول في الدين. وأما الخروج منه فهو فساد يجب منعه لأن المرتد عرف الحق وقبله ثم تركه بعد معرفة فاستحق العقوبة لئلا يقتدي به غيره فيصبح الدين ملعبة للكفار كما قال تعالى: وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . وقتل المرتد حد من حدود الله لا بد أن يُنفذ إذا توفرت شروط لا يجوز تعطيله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وإيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) وحد الردة أعظم من حد السرقة.

إن الإنسان عبد لله، فليس هناك حرية مطلقة إلا عند الملاحدة، ثم هم ليسوا أحراراً لأنهم يكونون عبيداً لأهوائهم وشهواتهم، فمن لم يكن عبداً لله صار عبداً للشيطان، كما قال ابن القيم رحمه الله:

هربوا من الرق الذي خلقوا له

فبلوا برق النفس والشيطان

هدانا الله صراط المستقيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

(*) عضو هيئة كبار العلماء

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة