ارسل ملاحظاتك حول موقعنا   Monday 11/06/2012/2012 Issue 14501  14501 الأثنين 21 رجب 1433 العدد  

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

ما يحدث في مصر وتونس من حوار سياسي مدني حول مستقبل أوطانهم، يعني بلا جدال أن الشعوب العربية قادرة أن تتناول قضاياها الأساسية بدون حمل السلاح في الشوارع، ويبدأون الفكر الجهادي الدموي الخاسر الأكبر في هذا الحراك المدني المثير، وأن الحالة العربية الراهنة في المرحلة الأخيرة للخروج النهائي من استبداد ذلك الفكر الذي روع الآمنين في مساكنهم وأوطانهم تحت مظلة جهاد أعداء الله، لكن ما لم ننتهِ منه هو محاولة فهم ما حدث خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، وهل كان للفكر الجهادي أصول وإرث في تاريخنا القديم، أم أنها كانت فكرة غير شرعية، ولا تمتّ بصلة للجهاد الإسلامي.

لنا أن نتساءل عن ملابسات خروج الفكر المتطرف من ديارنا، وهل للسلفية المحافظة جداً دور في إذكاء التطرف الديني، أم أن الأمر لم يكن إلا مؤامرة غربية، جندت أبناء المسلمين في قتال الشيوعيين في أفغانستان، ثم قذفتهم بعد ذلك في أوطانهم، لتبدأ أكثر فصول العصر الحديث دموية في الشرق العربي، أتابع في كثير من الأحيان بعض البرامج التي ترصد تاريخ التطرف الديني في المنطقة، ولم أجد في تلك البرامج الإجابة الشافية عن جذور ذلك الفكر، وقد يكون من السهل أن نرميهم بالخوارج كمصطلح يشمل كل الذين يحاربون السلطة، لكن ذلك قد لا يكفي، ولا بد من مراجعة الأوراق القديمة من أجل الحصول على إجابة وتفسير لذلك الجنون الذي لم يتوقف عن سفك الدماء إلى الآن.

كنت ومازلت دائماً ما أتذكر تلك الليلة التي ضرب هدوءها ذلك التفجير المدوي لأحد المجمعات السكنية في الرياض، الذي فقد أبرياء حياتهم بسبب فكرة مجنونة يعتقد بها بعض الشباب المتطرف أنهم بذلك يقاتلون أعداء الله في تلك المجمعات، كان من الضحايا زملاء عرب مسلمين يعملون كأطباء وصيادلة، هكذا وبدم بارد فقدوا أنفسهم التي كرمها الله، وقد برر المتطرفون فعلتهم تلك بفتوى يعتقدون بقدسيتها، ويطلقون عليها فتوى التترس، ومصدرها مقولة لشيخ الإسلام ابن تيمية: (الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بمسلمين، وخيف على المسلمين إذا لم يقاتلوا، فإنه يجوز أن نرميهم، ونقصد الكفار، ولو لم نخف على المسلمين؛ جاز رمي أولئك المسلمين أيضاً؛ في أحد قولي العلماء) [مجموع الفتاوى: ج28/ص292]، كانت ظروف تلك المقولة في زمن آخر، إذ كان العرب المسلمون يتعرضون لغزوات من الخارج، وكان بمثابة الرأي الموجه ضد الأعداء الذين كانوا يتترسون خلف أجساد المسلمين، وقد أثبتت تلك الحادثة الخلل الذي يعيشه العقل المسلم في العصر الحديث، وأحياناً أتساءل عن طريقة تواصلهم مع الماضي الذي أصبح بالنسبة لهم بمثابة المخزن الواسع لمختلف أنواع التطرف والتفجير، فكل ما يحتاج إليه المتطرفون قد يجدون ما يلائم أغراضهم بين سطوره، ولا شك أن لديهم القدرة على إضفاء القدسية على مقاصده، وإن كان النص مرتبطاً بواقع مختلف، وظروف لا تتلاءم مع أجواء العصر الحديث.

يروي أبو داود في سننه - بسند صحيح - عن حديث أبي هريرة، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)، وقد نكون في أمسّ الحاجة لمجدد يقرب المسافات بين الماضي والحاضر، ويُذيب سلاسل الجمود عن الفتاوى الدينية، ويفرض حصاراً على التفسيرات الدموية للنصوص، وأن الحاضر يحتاج إلى أن ينطلق من قيود الماضي الفقهية، فالحاضر لا يمكن على سبيل المثال أن يقبل مرة أخرى ما ملكت أيمانكم، أو أن نشرع قتل الآمنين المسلمين وغير المسلمين من خلال فتوى التترس، أو نستخدم النصوص كمانع لكل أدوات التطور والحداثة.

جاءت فصول الربيع العربي لتقول كلمتها ضد التطرف، وأن الماضي لا يمكن أن يحكم الواقع، وقد يحاول المتطرفون إعادة عجلة الزمان إلى الخلف، لكن حتماً سيفشلون لأن الزمن الحاضر لم يعد رهناً لأحكام الماضي، لكنه بالتأكيد سيمضي إلى الأمام تحت مظلة المقاصد الإسلامية النبيلة، وأخيراً قد نستطيع القول إن فصول الربيع العربي لا تختزلها مفاهيم الانقلاب السياسي أو الخروج إلى الشوارع، ولكنها أيضاً قد تعني أن الانفتاح والتحرر من الجمود والقيود هو أهم مكاسبها، فالمستقبل لن يقبل بعد اليوم أن يعيش بعقله في الماضي، بينما يتلذذ بجسده وجوارحه وسلطاته في الحاضر، لذلك نحتاج إلى مجددين ومجتهدين في الدين، في مقدورهم تحرير أفكار المسلمين من قيود التقليد والتطرف، وإخراج الدين الحنيف من دوائر الاحتكار والاستعباد، وقبل ذلك التخلي عن مبدأ الوصاية على عقول الناس.

 

بين الكلمات
ربيع الفكر وإرث التطرف
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعة حفظ ارسل هذا الخبر لصديقك  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة جريدتي الأرشيف جوال الجزيرة السوق المفتوح الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة