ارسل ملاحظاتك حول موقعنا   Friday 15/06/2012/2012 Issue 14505  14505 الجمعة 25 رجب 1433 العدد  

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

تقارير

 

حركة عالمية من أجل التغيير
بقلم بان كي - مون

رجوع

 

في الأسبوع المقبل، سيجتمع قادة العالم في مناسبة بالغة الأهمية هي انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في ريو دي جانيرو. هل سيُكتب لهذا المؤتمر النجاح؟ في رأيي، نعم. وما لا شك فيه أنّ المفاوضات كانت شاقّة. فأوجُه الخلاف تفوق ما اتُفق عليه حتى الآن في تفاصيل ما يسمّى «الوثيقة الختامية» التي ستصدر عنه. بيْد أنّ ذلك لن يكون المقياس الفصل. فما يفوق ذلك أهمية إلى حدٍّ بعيد هو ما أنجزه مؤتمر ريو بالفعل، وأعني بذلك إطلاقه حركة عالمية من أجل التغيير.

إنّ ريو+20 هو محطة رئيسية على طريق طويلة. فمؤتمر قمة الأرض الشهير لعام 1992 أدرج التنمية المستدامة في جدول الأعمال العالمي. فبات لدينا اليوم فهم أوسع وأكثر دقّة لهذه الحتمية القديمة العهد التي تقول بتحقيق توازن أفضل بين احتياجات التنمية وتزايد عدد سكان العالم - بما يتيح للجميع الإفادة من ثمار الازدهار والنمو الاقتصادي القوي - من جهة، وضرورة الحفاظ على أكثر موارد كوكبنا قيمة، كالأراضي والهواء والماء، من جهة أخرى. وسيفِد إلى ريو أكثر من 100 من رؤساء الدول والحكومات لينضموا إلى ما يقدّر بنحو 25000 مشارك، ليرسموا معاً خريطة تدلّنا على الطريق إلى الأمام. فلفترة طويلة جداً توسّلنا الحرق والاستهلاك لتحقيق ازدهارنا. إلاّ أنّ هذا النموذج اندثر. وفي ريو يجب أن نخلق نموذجاً جديداً - نموذجاً لاقتصاد القرن الحادي والعشرين يقوِّض أسطورة تحقيق مكاسب النمو على حساب خسائر البيئة، وبالعكس. وشيئاً فشيئاً، بتنا نفهم أنه باتباع سياسات عامة ذكية، يمكن للحكومات أن تنمِّي اقتصاداتها وتخفف من حدّة الفقر، وتخلق فرص عمل لائقة، وتسرِّع في وتيرة التقدم الاجتماعي، بطريقة تراعي ما تخنـزنه الأرض من موارد طبيعية مستنفدة.

وبمعنى أشمل، أعتقد أنذ الزّخم من أجل التغيير بات بالفعل قوة لا يمكن صدّها. والدليل على ذلك واضح في كل مكان حولنا، على مرأى من الجميع في بلدان العالم، كبيرة كانت أو صغيرة، غنية أو فقيرة. فقد اعتمدت بالفعل بلدان عدّة، بينها إندونيسيا وبربادوس وجمهورية كوريا وجنوب أفريقيا وكمبوديا استراتيجيات «النمو الأخضر» التي تستخدم الموارد الطبيعية المحدودة بشكل أكثر كفاءة، وتخلق فرص العمل وتروّج للتنمية المنخفضة الكربون. كما أنّ أذربيجان والأردن وأرمينيا وأوكرانيا والسنغال وكينيا وماليزيا ومصر والمكسيك ونيبال، تطبِّق تقنيات جديدة للنمو الأخضر في مجموعة متنوّعة من الصناعات، بدءاً بالزراعة وانتهاءً بالسياحة.

لقد تعهّدت الصين بأن تلبّي نسبة 16 في المائة من احتياجاتها من الطاقة من المصادر المتجدّدة بحلول عام 2020 وهي تعتزم أن تستثمر أكثر من 450 مليار دولار في إعادة تدوير النفايات والتقنيات النظيفة، في إطار خطّتها الخمسية الحالية. وفي البرازيل، يعمل في إدارة النفايات وإعادة التدوير أكثر من نصف مليون شخص يعيش معظمهم على هامش المجتمع. وبدأت الهند، في إطار القانون الوطني لضمان فرص العمل في الريف الذي اعتمدته مؤخراً، تدفع لمواطنيها أموالاً لقاء تحسين إدارة الموارد الطبيعية، كالغابات والمياه العذبة. وأينما نظرنا نرى السلطات الوطنية والمحلية آخذة في اعتماد مبادئ وممارسات من شأنها، مجتمعة، أن تساعد في نقلنا من بوادر خراب بيئي وتفاوت اجتماعي متنامٍ، إلى حقبة جديدة من النمو المستدام الشامل والمتوازن.

بيْد أنّ الحكومات والدول ليست وحدها من يقود هذا التحوُّل. ففي ريو، سينقل أكثر من ألف من قادة الشركات من جميع القارات، رسالة مشتركة فحواها أنّ العمل كالمعتاد أثبت فشله. والعديد منهم أعضاء الاتفاق العالمي للأمم المتحدة - متطوّعون في حركة متنامية انطلقت من القطاع الخاص تعي أن تحمُّل الشركات لمسؤولياتها في القرن الحادي والعشرين هو الضامن لاستمراريتها. وكترجمة عملية لذلك، أطلقت شركة نايكي Nike (وهي رائدة في ما يسمّى «حلقة التصنيع المغلقة» التي تقلل من التلوّث الصناعي إلى أدنى حد) برنامجاً جديداً أُطلقَ عليه اسم ماتا نو بيتو، وهو التسمية بالبرتغالية العامية لما معناه «مواجهة التحدّي» للمساعدة في حماية النظم الإيكولوجية للغابات في البرازيل. كما تعهّدت شركة يونيليفر Unilever بأن تشكّل المصادر المستدامة مصدر كل موادها الخام بحلول عام 2020. وأدمجت شركة سافاريكوم Safaricom الكينية المساواة بين الجنسين في سياساتها الداخلية، من أجل إشاعة بيئة ملائمة للأمهات العاملات فيها.

وفي الوقت نفسه، أعلنت شركة مايكروسوفت Microsoft أنّ كل أنشطتها ستصبح قريباً خالية من الكربون. كما أنّ شركة برود غروب Broad Group الصينية تنتج وحدات تكييف هواء غير كهربائية، تبلغ كفاءة استهلاك الطاقة فيها نسبة تفوق 200 في المائة، بل إنها تعمل الآن على تنويع منتجاتها الموفّرة للطاقة وتشييد المباني المستدامة بيئياً. وتسعى شركة تافستاف ToughStuff من موريشيوس إلى توليد الطاقة الشمسية على نحو موثوق به وبأسعار معقولة لـ 33 مليون شخص في أفريقيا بحلول عام 2016. وعلى غرار ذلك، تعمل شركة أبوظبي لطاقة المستقبل على توفير الكهرباء في المناطق الريفية في أفغانستان وجزيرة تونغا في جنوب المحيط الهادئ.

وستشكِّل الطاقة محوراً رئيسياً من أعمال مؤتمر ريو. وقد أسميتُها «الخيط الذهبي» الذي يربط حلقات المستقبل المستدام - فهي القوة المحركة الرئيسية للإدماج والتنمية الاجتماعية وحماية البيئة، بما في ذلك تغيّر المناخ. وهذا هو السبب الذي حملني، في عام 2011، على اتخاذ مبادرة جديدة أُطلقَ عليها اسم «توفير الطاقة المستدامة للجميع». وما نهدف إلى تحقيقه هو ضمان حصول الجميع على خدمات الطاقة الحديثة بما يشمل شخصاً من كل خمسة أشخاص يفتقرون إليها في أنحاء العالم؛ والحد من هدر الطاقة من خلال مضاعفة كفاءة استخدام الطاقة؛ ومضاعفة حصة مصادر الطاقة المتجددة من مزيج الطاقة المستخدم في العالم. وفي ريو، سيعلن قادة الحكومات والشركات والمجتمع المدني طائفة واسعة من الإجراءات الرامية إلى تحقيق هذه الأهداف، بدءاً من الترويج لاستخدام أفران الطبخ التي تستخدم طاقة أنظف على نحو أكثر كفاءة، وصولاً إلى مساعدة الحكومات في زيادة قدراتها على الاستفادة من حرارة الأرض، وغير ذلك من أنواع الطاقة المتجددة.

إنّ مبادرة «توفير الطاقة المستدامة للجميع» تقدم نموذجاً للشراكة في المستقبل. فالمبدأ، البسيط والقوي في الوقت عينه، يقضي بأن تستخدم الأمم المتحدة قدرتها التي لا تضاهى على الدعوة إلى التلاقي، من أجل جمع كل الجهات الفاعلة المختصة إلى طاولة المفاوضات للعمل على قضية مشتركة تحقق الصالح العام. هذا هو باختصار كل ما يهدف إليه ريو+20. المفاوضات بحد ذاتها هامة جداً، هذا أمر أكيد، والاتفاقات التي سيتم التعهُّد باحترامها اليوم ستؤثر على مناقشات الغد. إلاّ أنّ ريو+20 يتخطّى بأهميته كل ذلك. فهو تعبير عن حركة عالمية متجدّدة من أجل التغيير - إنه خطوة كبيرة إلى الأمام نحو المستقبل الذي نريد.

الأمين العام للأمم المتحدة.

 

رجوع

طباعة حفظ ارسل هذا الخبر لصديقك  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة جريدتي الأرشيف جوال الجزيرة السوق المفتوح الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة