ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 21/06/2012/2012 Issue 14511 14511 الخميس 01 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

فقيد الوطن

      

الموت زائر لا يستأذن في الدخول، ولا يخضع لأمر الحاجب، ولا يحدد موعداً للزيارة، فقد فاجأنا بأخذ نايف في ظروف نحن أحوج ما نكون إليه، لقد فاجأنا خبر الموت فأصبحنا بين مصدِّق ومكذِّب، وبين الحلم بالكذب والخوف من الحقيقة ذاب الحلم في أوهام السراب فتراجع أمام الحقيقة المرة حقيقة الموت، الموت قريب منا في كل لحظة ولكننا نمني أنفسنا ببعده عنا، الموت على امتداد السنين والأعوام يختار من يختار ويدع من يشاء بدون الالتفات إلى قريب أو خوف من صاحب أمر، إنها النهاية لا يعلمها إلا الله بيده تصريف الكون، فأنفس البشر مرهونة بأمره لا راد لقضائه، وبما أن العمل مما أمر الله به لإعمار الأرض فالأمير نايف نشأ في العمل وغادر الدنيا وهو يعمل، لقد أمضى ستين سنة في خدمة دينه ومليكه ووطنه، لم يعرف الراحة لأنه ارتبط بالأمن، أمن الناس، فالأمن عمل جليل يؤجر صاحبه، الأمن فيه ردع القاتل، ومسح دموع ذوي القتيل، وفيه ردع السارق، وإيقافه وأخذ ما سرق وإرجاعه إلى صاحبه، والأمن فيه حماية الأعراض وإيقاف المستهترين، ألم نسمع عن هتك الأعراض في كل ساعة في البلاد التي اختل فيها الأمن، ألم نسمع بأخذ موجودات البيت من قبل اللصوص، لقد سمعنا ورأينا في الفضائيات كيف تصادر مقتنيات البيوت من تلفاز وأثاث، لقد عاش نايف حامياً للأمن في بلاد الحرمين التي شرَّفها الله بوجود بيته فيها، فحمايتها وحماية من يفد إليها من الحجاج والمعتمرين فخر لرجل الأمن الأول نايف بن عبدالعزيز، لقد وقف نايف بن عبدالعزيز عند نافذة الحرم الشريف أيام فتنة الحرم والقذائف عن يمينه وشماله وهو صامد في موقفه لأنه يشعر أن أمن الحرم منوط به، ووقف نايف بجانب النيران المشتعلة التي أشعلها الإيرانيون في مكة في الأيام الأولى لثورة الخميني فأمر بإخمادها، وعامل الإيرانيين معاملة أقل من معاملة المجرم، ولا زال نايف يصبر على أعمال الإيرانيين في أيام الحج والعمرة والزيارة، فيعالج تلك الأعمال معالجة الصابر المحتسب، إن وقوف نايف على كل صغيرة وكبيرة تتعلّق بأمر الحجاج والمعتمرين والزائرين عمل شاق، يحتاج إلى مثابرة وصبر وجلد، وهذا ما يميّز نايف بن عبدالعزيز، إنه رجل الأناة والصبر ومعالجة الأمور بالحكمة والمطاولة، فإما أن يذيبها الزمن أو يعثر على الحل المناسب بعد طول أناة، إن رجلاً يدعو له كل حاج ومعتمر وزائر فقد نقوده ثم أعيدت إليه أو فقد شيئاً من متاعه ثم أعيد إليه ليرجىله الخير جزاء ما قدَّم من الأعمال الجليلة للحجاج والمعتمرين، إننا نكتم أنفاسنا من الخوف على الحجاج في أيام الفتن التي يثيرها الإيرانيون فكيف تكون حال نايف بن عبدالعزيز وهو رجل الأمن الأول، لا شك أنه يتابع أمر الحجاج في يوم التروية والتصعيد إلى عرفات، وفي يوم عرفات ومزدلفة، وأيام منى، كل تلك الأيام تحتاج إلى متابعة دقيقة من قبل رجال الأمن، فأمواج البشر كتل متتابعة كل موجة تتبعها أخرى، ولا ننسى الحرائق وما تحدثه من البلبلة والخوف، بالإضافة إلى السموم التي توضع في الأنفاق وقد مات بسببها خلقٌ كثير من الحجاج، إن أخطار الحج كثيرة ومتعددة، ونايف بن عبدالعزيز رأس الهرم، والمسؤول الأول، فهو يقدّر هذه الاحتمالات وغيرها، ويعد لها ما تحتاجه على وجوهها المختلفة واحتمالاتها المتعددة، إن مسؤولية الأمن حمل ثقيل ولذلك عمد نايف بن عبدالعزيز إلى الدراسات والاستفادة من إبداعات العلماء فأنشأ كلية نايف الأمنية التي تحوّلت إلى جامعة تهتم بشؤون الأمن، وتخدم الأمن في المملكة وفي الدول العربية الراغبة في الاستفادة من خبرة الجامعة وأساتذتها وبحوثها في المجالات الأمنية المختلفة من مكافحة الجريمة بجميع أشكالها، من هتك أعراض، وسرقة، ومخدرات، وفكر منحرف، ينتج عنه تفجيرات وقتل أنفس، وإتلاف أموال، وتيتيم أطفال، إن المناصحة في الدين التي توجه إليها نايف بن عبدالعزيز تدل على فكر ثاقب ورأي سديد وأناة في العقاب وروية في التفكير، فكثير من المندفعين إلى الفكر المنحرف هم من الشباب الذين لم يبلغوا العشرين أو تجاوزوا العشرين بسنوات قليلة، ولو طلب من أحدهم قراءة سورة من متوسط السور لم يستطع ذلك، ولو طلب منه الرأي في مسألة فقهية لم يستطع ذلك، وإنما ساقه إلى هذا المجال رجل تعلّق بشيء من فقه الجهاد فأصبحت هوايته القعقعة واستمالة الأحداث إلى ساحات القتال أو ساحات الفتنة، بينما هو متوار في بيته يحيط به الجبن من كل جانب، ولديه هواية لا يستطيع مقاومتها وهي هواية الهذر والإغراء، فهو مثل الشاعر الذي يشعل الحرب وهو معروف بجبنه، إن شبابنا الموقوفين هم ضحايا لأصحاب الهوايات الشريرة، والدليل على ذلك هو تقبّل النصيحة والاستماع إلى الرأي السديد الذي يبسط مسائل الدين بما فيها الجهاد، إن استحداث المناصحة من قبل نايف بن عبدالعزيز لهو توجه إلى باب من أبواب الخير ينقذ شبابنا من براثن الفتن التي أحدقت بهم، وجلبت لوالديهم الهم واغم، ولأسرهم المشاكل والنزاعات.

إن رجلاً باشر الإشراف على الأمن وهو في الثامنة عشرة من عمره وغادر الدنيا بأسرها وهو يشرف على الأمن لهو جدير بالإجلال والاحترام من كل رجل وامرأة في هذه البلاد، ومن كل رجل وامرأة من المسلمين زار هذه البلاد حاجاً أو معتمراً أو زائراً أو طالب علم أو معلماً أو قاصداً التجارة، فالأمن يكتنف مناشط الحياة المختلفة.

وإذا تجاوزنا الأمن وهو عمله الرئيس إلى اهتمامات سموه الأخرى وجدناها كثيرة ومتعددة من أهمها السنة النبوية وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجائزة السنة النبوية جائزة عالمية هدفها دعم الباحثين في مجال السنة وعلومها، ومنها دعم جهود الإغاثة للشعب الفلسطيني والشعب الأفغاني، ومتضرري الكوارث الطبيعية من زلازل وهيجان البحر وكذلك العواصف والأعاصير.

رحم الله الأمير نايف وأسكنه فسيح جناته، وإنني أدعو كل إنسان في هذه البلاد أو ممن زارها للحج أو العمرة أو للزيارة أن يدعو للأمير نايف بالمغفرة والتجاوز عن سيئاته، فهو أهل للدعاء وقد غادر دار الممر إلى دار المقر، فهو أحوج ما يكون الآن إلى الدعاء له.

نَسِيرُ إِلَى الآجَالِ في كُلِّ لَحْظَةٍ

وأَيَّامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ مَرَاحِلُ

وَلَمْ أَرَ مِثْلَ المَوْتِ حَقَّاً كَأنَّهُ

إِذَا مَا تَخَطَّتْهُ الأَمَانِيُّ بَاطِِلُ

 

مات نايف وبقيت أعماله الجليلة
أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة