ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 30/06/2012/2012 Issue 14520 14520 السبت 10 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

حين يغيب عنا من نحبه ونغليه، فإن مثل هذا الغياب يترك عادة تراكما من الأحزان، يعيشها كل منا دون أن تكون له حيلة أو وسيلة لمقاومتها، فيتغير عندئذ المزاج عند الإنسان، كما تتغير حالته في التعامل مع شؤونه اليومية، وسيبقي لبعض الوقت في أجوائه تلك، يفكر بألم فيما حل به، وما آل إليه مصير ذلك الإنسان الذي أحبه، ومثلت صلته به أو بها حالة أثيرة في وجدانه.

***

ولا أحد منَّا يمكن له أن يدّعي أنه عاش حياته، أو أن يقول إنه يمكن له أن يعيشها، دون أن يمر بموقف رسم أو شكّل له خطوطاً مثيرة في قسوتها، من حيث بعدها الإنساني والعاطفي، أو أنه لا يعترف - كما يفعل غيره من الناس - بما يمكن أن يكون قد عاش الصدمة واكتوى بما أثار حزنه بقدر يتساوى فيه مع أولئك الناس المكلومين في فقد عزيزٍ أو عزيزةٍ من دنياهم.

***

وخلال هذا الأسبوع، انضمت خالتي ميثاء الصالح الخريجي - رحمها الله - إلى قائمة طويلة من الأحباب والأعزاء ممن كانوا قد غابوا من قبل عنا تاركين مواقعهم الأثيرة بيننا لآهاتنا ودموعنا وإلى مرارة الحزن الذي تجرعناه ولم ينته بعد، حيث هو في حالة تجدد وتكرار مع كل موقفٍ مماثل يذكرنا برحيلهم وبما كانوا عليه حين كانوا أحياءً بيننا.

***

كانت أم منصور شقيقة سيدتي الوالدة - حفظها الله - بالنسبة لي تمثّل الأم الثانية في مفاصل حياتي، وذلك في مرحلةٍ مهمّة ودقيقة، فقد كنت في غربتي خلال مرحلة الشباب المبكّر في رعايتها وزوجها المغفور له - إن شاء الله - أخي إبراهيم الحمد المالك، وكانت كما هو زوجها قد بالغا في ضيافتهما واستضافتهما وعنايتهما واهتمامهما بي بأكثر مما يمكن لي أن أنساه أو أقاوم معه حبس وإخفاء عواطفي ومشاعري، وبخاصةٍ أنني تعلمت منهما من جميل الصفات ما أرجو أن يكون لي حظاً في محاكاتهما ولو بشيٍء منها.

***

فقد كانت - رحمها الله - تحيطني باهتمامها ومتابعتها، وهو ما لا تقوم به إلا الأمهات، وكان حرصها وعنايتها ورعايتها يماثل - إن لم يكن يزيد - ما كانت تعطيه وتمنحه وتخص به أبناءها، حيث الحنان والمتابعة الدقيقة لكل ما تشتهيه النفس، دون أن تنتظر إشارةً أو طلباً منّي.

***

وكانت الخالة مع أخي - رحمهما الله - قد جمعهما في حياتهما مجموعة صفات لا نجدها إلاّّ في الأخيار من الناس، ولا يقدم عليها إلاّ من كان يتميّز بمثل ما كانا عليه من جميل الصفات، ولا يشعر بقيمتها إلا من كان لصيقاً أو على معرفة أو قريباً بما كان يتم في ذلك البيت المضياف، حيث الكرم والجود والسخاء واللسان العذب في زمانٍ كان الناس فيه ليسوا على هذا القدر من الإمكانات والقدرات، وبالتالي الاستعداد للقيام بمثل هذه المبادرات.

***

لا أشعر أن الخالة بوفاتها قد فقدت الشيء الكثير، قد كانت في إنسانيتها وقربها من ربّها قد تحقّق لها - إن شاء الله - من الأجر ما هو أعظم وأجزل عند ربٍ غفورٍ رحيم، لكننا نحن من فقدنا برحيلها ذلك الوجه المضيء والدعاء الصادق، وذلك المجلس الأنيس، وسؤالها الدائم عن الصغير والكبير، وتتبعها لأحوالنا للاطمئنان علينا، وهذه كلها وإن أثارت في نفوسنا كوامن حزنٍ كان مدفوناً، إلا أنها ضمن أخرى وبينها تلمسّها لكل ما يبقيها على صلةٍ روحانية واطمئنانٍ ربّاني وبما يفضي إلى رضاه، ستكون - إن شاء الله - في موازين أعمالها يوم اللقاء الجميل عند ربٍ غفورٍ رحيم.

***

ومع أنّ الفقيدة الغالية قد عانت كثيراً بالسنوات الأخيرة من عمرها، مما أفقدها الإحساس بالاستمتاع بجمال الحياة، فقد صاحبها في حياتها إيمانها بالله، وشعورها الدائم والقوي بالرضا بما آلت إليه حياتها، واقتناعها بالتسليم للقضاء والقدر وبما اختاره الله لها، وذلك تأكيداً منها على أنّ ما عند الله هو خيرٌ لها وأبقى، شأنها في ذلك شأن كل المؤمنين والمؤمنات، وهم يعبرون الطريق من الدنيا الفانية إلى الدار الباقية راضين ومرضيّاً عنهم، إن شاء الله.

***

أمّا نحن فسنبقى ما حيينا نتذكركِ وندعو لكِ بأمل أن يجمعنا الله بكِ وبجميع من فقدناهم في روضةٍ من رياض الجنة، إنه على كل شيءٍ قدير، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

غَيْمَةٌ من الحُزْنِ
خالد بن حمد المالك

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة